بغداد وأربيل على أعتاب خلاف حادّ بسبب شبهة تزوير بنود الموازنة

بغداد وأربيل على أعتاب خلاف حادّ بسبب شبهة تزوير بنود الموازنة

حصّة إقليم كردستان العراق من الموازنة الاتحادية تعود إلى الواجهة مجدّدا لتكون مدارا لمعركة أخرى ذات أبعاد سياسية وقانونية، ولتشكّل اختبارا جديدا لمدى التجانس والتضامن والتنسيق بين الأطراف المشاركة في حكومة عادل عبدالمهدي، ولطريقة عمل مؤسسات الدولة العراقية ومدى كفاءة القائمين على إدارتها.

بغداد – سقط البرلمان العراقي في فخ نصبه وزير المالية فؤاد حسين، عندما أقرّ نسخة معدّلة من قانون الموازنة للعام الجاري، من دون أن يدرك أنها تضمن حقوق إقليم كردستان في ملف العوائد المالية على حساب الحكومة الاتحادية.

وطبقا لاتفاق وُقّع في عهد رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، تلتزم الحكومة العراقية بدفع رواتب جميع موظفي إقليم كردستان مقابل تسليم حكومة الإقليم 250 ألف برميل يوميا من نفط المنطقة الكردية لبغداد.

وينص الاتفاق على أنّ لبغداد حق استقطاع بدل النفط الكردي من رواتب موظفي الإقليم في حال تعثرت كردستان في تسليم الكمية المطلوبة.

وجدّدت الحكومة الحالية برئاسة عادل عبدالمهدي العمل بهذا الاتفاق. وأقر مجلس الوزراء قانون الموازنة للعام الجاري، متضمّنا بندا في هذا الشأن ليصوت عليه البرلمان بعدما جاء من وزارة المالية.

ولكن نوابا اكتشفوا بعد التصويت على الموازنة أن شرط تسليم النفط لبغداد كي تدفع رواتب موظفي الإقليم ليس موجودا في النص الذي أقره البرلمان، ما دفعهم إلى اتهام وزير المالية الكردي بتزوير الموازنة.

وقالت النائبة عالية نصيف، عن ائتلاف دولة القانون إن وزير المالية فضّل مصالح إقليم كردستان الذي ينتمي إليه على مصالح الحكومة الاتحادية التي يمثلها، عندما “زوّر قانون الموازنة”، مطالبة رئيس الحكومة بالتحقيق في هذا الخرق القانوني.

وأضافت نصيف أن “وزير المالية فؤاد حسين أضاف بنودا إلى موازنة لم تعرض على رئاسة الوزراء”، مشيرة إلى أن هذا الإجراء “يمثل تزويرا كارثيا”.

ويقول النائب في البرلمان العراقي عبدالهادي السعداوي إن “البرلمان اكتشف أن المادة العاشرة من قانون الموازنة تم تغييرها”، مضيفا أن “المعطيات تشير إلى أن المادة تم تغييرها في وزارة المالية”.

وقال السعداوي إنّ “النواب طالبوا رئاسة البرلمان بتشكيل لجنة للتحقيق في عملية تغيير المادة”، مؤكدا أن البرلمان العراقي ينتظر “نتائج اللجنة التحقيقية الخاصة بملف الموازنة المزورة”.

وأوضح النائب أن “المادة المزورة تنص على أن الحكومة الاتحادية ملزمة بدفع موازنة الإقليم حتى لو لم يلتزم بتسليم كميات النفط المنصوص عليها في الاتفاق الثنائي”، مشيرا إلى أنه “لا يمكن السكوت عن تغيير بنود الموازنة لأنه تغيير في حقوق الشعب العراقي”. واتهم السعداوي إقليم كردستان بتصدير 480 ألف برميل يوميا من دون أن يقيّدها في الموازنة الاتحادية.

واتهم نوابٌ وزير المالية بإجراء تعديلات على الموازنة بين مرحلة التصويت عليها في مجلس الوزراء ولحظة إقرارها من قبل البرلمان، من دون أن يشعر الحكومة بذلك، ما عدّ خرقا قانونيا. لكن مسؤولين في وزارة المالية نفوا تزوير الموازنة، وقالوا إنّ الوزير أقرّ تعديلا توصلت إليه لجنة تضم وزيرين في الحكومة.

دليل جديد على مدى انحدار مؤسسات الدولة العراقية وتزايد الجرأة عليها واختبار قاس لكفاءة القائمين على إدارتها

وأشاعت القضيّة حالة من الامتعاض داخل الأوساط السياسية والإعلامية العراقية. وقال مصدر سياسي إنّ القضية تستحق وقفة جادّة وتحقيقا فوريا ومعمّقا وشفافا، فهي ذات أبعاد سياسية وقانونية خطرة.

وبحسب ذات المصدر فإن ثبوت وجود تلاعب من أي طرف يمثّل ضربة قوية لمستوى التنسيق والتضامن بين الأطراف المشكّلة للحكومة من جهة، ومختلف الأطراف المشاركة في السلطة من جهة ثانية. كما أنّها دليل جديد على المستوى الذي انحدرت إليه مؤسسات الدولة العراقية ومقدار الجرأة عليها والاستهتار بها، ورسوخ عقلية الاحتيال لتحصيل مكاسب لأفراد أو فئات معيّنة.

وفيما لو تبيّن أن وزير المالية الكردي تمكّن فعلا من خداع زملائه في الحكومة وأعضاء البرلمان، يضيف المصدر نفسه، فإن ذلك يعدّ بمثابة اختبار قاس لمدى كفاءة مختلف الأطراف التي مرّت عليها هذه “الخدعة”.

وملف تقاسم عوائد النفط، هو أبرز النقاط الخلافية بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة الإقليم الكردي في أربيل شمال البلاد. ويصر الإقليم على تثبيت اتفاقه بشأن رواتب موظفيه في قانون الموازنة الاتحادية، بالرغم من إقراره بالعجز عن تسليم بغداد كمية النفط المتفق عليها.

وبالرغم من أن التقديرات، تشير إلى أن إقليم كردستان ينتج بين 500 و600 ألف برميل نفط يوميا، إلا أن معظم هذه الكمية يذهب لشركات بترول أجنبية، سبق لها أن أقرضت الحكومة الكردية.

وتقول حكومة كردستان العراق إنها اضطرت للاقتراض من الشركات الأجنبية بضمانة نفط الإقليم لدفع الرواتب بعدما أوقفت بغداد جميع التخصيصات المالية الموجهة إلى كردستان في أعقاب إجرائه استفتاء على الانفصال عن العراق في 25 سبتمبر 2017.

وحينذاك قرر رئيس الوزراء حيدر العبادي وقف التحويلات المالية تماما إلى كردستان وطرد قوات البيشمركة الكردية من مدينة كركوك الغنية بالنفط ومواقع متاخمة لحدود المحافظات الكردية الثلاث في إقليم كردستان.

وما زال العبادي الذي يحتفظ بطموح العودة إلى رئاسة الوزراء يحاول استخدام دوره السابق وصرامته آنذاك في مواجهة النوازع الاستقلالية الكردية في الدفاع عن مكانته بالمشهد السياسي.

وتقدّم تحالف النصر الذي يقوده العبادي نفسه بطلب إلى القضاء العراقي لإيقاف صرف المستحقات المالية لإقليم كردستان العراق، في الموازنة الاتحادية للعام الجاري، بسبب

رفض الإقليم تسليم النفط للحكومة الاتحادية. وشهدت العلاقات بين حكومة الإقليم والحكومة العراقية المركزية تحسّنا ملحوظا في عهد رئيس الوزراء الحالي عادل عبدالمهدي قياسا بما كان قائما في عهد سلفه العبادي.

ويُنتقد عبدالمهدي من قبل ائتلاف العبادي من زاوية كونه متساهلا مع القيادة الكردية ويجاملها لأسباب سياسية على حساب الدولة وموازنتها.

وقال فالح الزيادي عضو تحالف النصر إنّ “التحالف قدم شكوى رسمية إلى محكمة القضاء الإداري، تطالب بإيقاف صرف الرواتب الشهرية الخاصة بإقليم كردستان العراق والمنصوص عليها في قانون الموازنة إلى حين تسليم الإقليم النفط للحكومة الاتحادية”.

واعتبر عضو تحالف النصر الذي يمتلك 42 مقعدا في البرلمان من أصل 329 مقعدا أن صرف مستحقات الإقليم، يعد مخالفا لبنود الموازنة التي قضت بضرورة تسلّم بغداد ما مقداره 250 ألف برميل نفط من الإقليم يوميا مقابل صرف الرواتب.

العرب