رئيس الوزراء العراقي يسقط في اختبار ضبط سلاح الميليشيات

رئيس الوزراء العراقي يسقط في اختبار ضبط سلاح الميليشيات

عصيان فصيل صغير من الحشد الشعبي قياسا بميليشيات أخرى أكثر قوّة وأكبر عدّة وعتادا، لأوامر رئيس الوزراء العراقي القائد العام للقوات المسلّحة، يسقط بشكل نهائي “الأوهام” بشأن إمكانية سيطرة الدولة العراقية على الميليشيات وضبط سلاحها وفصلها عن قادتها الأصليين وإنهاء ولائها الممتد خارج الحدود العراقية.

الموصل (العراق) – وضعت قوّة تابعة للحشد الشعبي رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي في حرج شديد بتمرّدها على قراره بسحب مقاتليها من مناطق في سهل نينوى بشمال البلاد وإسناد مهمّة تأمين تلك المناطق لقوات الجيش والشرطة.

وكان عبدالمهدي الذي يشغل أيضا منصب القائد العام للقوات المسلحة العراقية، قد أمر اللواء 30 في الحشد الشعبي الوارد اسم قائده على قائمة العقوبات الأميركية لتورّطه في قضايا فساد وانتهاكات لحقوق الإنسان، بالانسحاب فورا من مناطق سهل نينوى في إطار تنظيم عملية انتشار الحشد.

غير أنّ الفصيل المذكور بادر الاثنين بإثارة اضطرابات وتشبّث بنقاط تمركزه وأغلق الطرقات احتجاجا على قرار رئيس الوزراء.

وتناقلت مواقع إخبارية عراقية شريط فيديو يظهر تعرّض قوة من الجيش جاءت لتسلّم موقع تابع للحشد في سهل نينوى للرشق بالحجارة، ما اضطرّها إلى الانسحاب تجنّبا لاندلاع مواجهة مسلّحة.

ونُقل، الاثنين، عن نائب بالبرلمان العراقي عن محافظة نينوى القول إنّ عبدالمهدي اضطر إلى العدول عن قراره. وقال النائب مختار الموسوي لشبكة رووداو الإخبارية إنّ “رئيس الوزراء استجاب للمناشدات العاجلة التي أطلقها نواب وسكان مناطق سهل نينوى بعدم سحب اللواء 30 من حشد الشبك من نقاط التفتيش”.

ومن شأن هذا التراجع أن يمثّل ضربة نهائية للطموح الذي أظهره رئيس الوزراء العراقي لإعادة هيكلة الحشد وضبط سلاحه وإخضاعه لإمرة القائد العام للقوات المسلحة الذي هو رئيس الوزراء نفسه.

وانقضت قبل أيام المهلة الزمنية التي منحها عبدالمهدي لجميع فصائل الحشد الشعبي للانضمام إلى القوات الحكومية، دون أن يُسجّل إقدام أي من تلك الفصائل على أدنى خطوة في ذلك الاتجاه.

ويعني عصيان اللواء 30 وهو من الفصائل الصغيرة قياسا بميليشيات أكثر قوة وأكبر عدّة وعتادا أنّ رئاسة الحكومة لا تملك أي سلطة فعلية على الميليشيات ولا حتى في حدود تحريكها من مكان إلى آخر.

وقال مصدر محلّي في نينوى إنّه تمّ الاثنين قطع الطريق الرابط بين محافظتي نينوى وأربيل بسبب “احتجاجات” مسلحي الحشد على خلفية قرار رئيس الوزراء سحب الميليشيات من مناطق سهل نينوى.

وتبرّر فصائل الحشد تمسّكها بالمناطق التي شاركت في استعادتها من تنظيم داعش بـ”الحفاظ” على الأمن ومنع التنظيم من العودة إليها، وبأن سكان تلك المناطق أنفسهم يطالبون ببقاء الحشد، وهو أمر مخالف تماما للواقع إذ يتعرض السكان لاعتداءات كثيرة تتراوح بين الاعتقال التعسفي بتهمة جاهزة تتمثل في الانتماء إلى داعش أو التعاطف معه، ونهب الأرزاق والممتلكات والابتزاز وفرض الإتاوات على مختلف الأنشطة الاقتصادية، ما يجعل السكان يطالبون كلّما سنحت لهم فرصة إبلاغ أصواتهم عن طريق بعض النواب والإعلاميين والحقوقيين، بإخراج الميليشيات من مناطقهم وتسليمها للجيش والشرطة.

ويتولى قيادة اللواء 30 وعد القدّو المعروف بأبي جعفر الشبكي، وهو أحد الأسماء العراقية الأربعة التي وردت على لائحة العقوبات الأميركية الأخيرة بسبب صِلاته المشبوهة مع إيران واستخدام نفوذه في منع سكان مناطق سهل نينوى الذين نزحوا بسبب اجتياح تنظيم داعش من العودة إلى مناطقهم.

وفي بادئ الأمر أعلنت قوات القدّو امتثالها لقرار القائد العام لكنّها عادت وتراجعت عن الالتزام به. ويوم الاثنين، جدّد عبدالمهدي أوامر انسحاب لواء القدّو من سهل نينوى، فرد الأخير بدفع عدد من أنصاره لقطع طريق رئيسي يربط مدينة الموصل، ومدينة أربيل.

إخراج أي ميليشيا من نينوى يعني مساسا مباشرا بمصلحة إيران وتغييرا غير مسموح به للوضع الذي عملت لسنوات على إيجاده

وتقول أوساط في الحشد الشعبي العراقي إن عبدالمهدي، ربما استغل موجة العقوبات الأميركية للتخلص من بعض المجموعات التي تعبث بأمن المناطق التي جرى تطهيرها من احتلال تنظيم داعش على غرار اللواء 30 وقوات بابليون، بزعامة ريان الكلداني الذي ورد اسمه أيضا في اللائحة الأميركية.

غير أنّ تغيير مواقع فصائل الحشد الشعبي بإخراجها من مناطق في شمال العراق وغربه، سيعني تغيير الوضع الميداني الذي اجتهدت إيران في إرسائه من خلال دعمها الكبير للحشد وتشجيعه على السيطرة على مناطق عراقية ذات أهمية استراتيجية كبرى في صراع النفوذ الذي تخوضه طهران ويمتد أيضا إلى سوريا المجاورة فلبنان وصولا إلى ضفة المتوسّط.

ومن هذا المنظور، يقول مصدر عراقي متابع للأوضاع العسكرية والأمنية بالعراق، “إنّ إخراج أي فصيل من الحشد من سهل نينوى مساس مباشر بمصلحة إيران وتغيير غير مسموح به من قبلها للوضع الذي عملت لسنوات على إيجاده، وهو ما يفسر تشبّث اللواء 30 بمواقعه ورفضه إخلاءها”.

وتقول مصادر عراقية إن القوّتين اللتين يفترض أنهما مكونتان من المسيحيين والشبك جندتا المئات من المقاتلين الشيعة بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني وزجت بهم في نينوى.

وتستخدم مثل هذه الميليشيات “حجة الدفاع عن الأقليات، ولاسيما المسيحيين والشبك”، وتعتمد بشدة على الدعم الإيراني لتوسيع نفوذها في نينوى ذات الخليط العرقي والتي يشكل السنّة العرب أغلبية سكانها، وللتأثير في مركز المحافظة مدينة الموصل.

ويشكو سياسيون من نينوى، علنا، من أن الميليشيات التابعة للحشد الشعبي تبتز جميع مستخدمي طريق الموصل- أربيل، الذي يعد الرئة التجارية الحالية لنينوى.

وتمر عبر هذا الطريق البضائع القادمة من تركيا وإقليم كردستان إلى نينوى المحافظة التي تحتل المرتبة الثانية، بعد بغداد، في عدد السكان بنحو خمسة ملايين نسمة ما يجعلها سوقا نشطة للغاية.

ويقول ساسة وسكان من الموصل، إن قوات أبوجعفر الشبكي وريان الكلداني تفرض الإتاوات على التجار الذين ينقلون بضائعهم من تركيا وكردستان إلى الموصل، فيما توضع أسماء من يرفضون التعاون على لائحة المتعاونين مع تنظيم داعش وهي تهمة جاهزة استخدمت لتصفية العديد من معارضي التوسع الإيراني في نينوى.

وبلغت الجرأة بهذه القوات أن افتتحت لها مكاتب في مركز مدينة الموصل لإدارة شؤونها التجارية والسياسية حيث تعقد الصفقات مع كبار التجار.

ويستبعد كثيرون أن يتمكن رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي من كبح جماح هذه القوات وغيرها من القوات المنتمية إلى الحشد الشعبي والتي تعمل بطرق مشابهة في مدن الرمادي والقائم وتكريت التي تمّت استعادتها من سيطرة تنظيم داعش.

ويخشى مراقبون أن يؤدي تعسف هذه القوات ضد المدنيين، ولاسيما من العرب السنة، إلى تغذية شعور التمرد مجددا ما يهدد بتكرار تجارب التنظيمات المتشددة التي استغلت الغضب السني من الإجراءات التعسفية لتوسّع مساحة انتشارها.

العرب