اللاعبون الإقليميون في الشرق الأوسط يمنحون روسيا فرصا جديدة

اللاعبون الإقليميون في الشرق الأوسط يمنحون روسيا فرصا جديدة

RTR4OTYE

كانت التغيّرات الديناميكية في الشرق الأوسط مصدرًا للتحديات والتهديدات الجديدة لروسيا، وفي الوقت نفسه تقدم فرصًا جديدة. وتشمل تلك التحديات والتهديدات تراكمًا مستمرًا من الجماعات الجهادية، وتآكلًا كبيرًا في وجود نظام راسخ من الدول القومية – وخاصة، ولكن ليس على سبيل الحصر، في بلدان المشرق، وتزايد التوتر بين الأنظمة والحركات السُنية والشيعية، وكذلك بين مختلف الفصائل السُنية، على خلفية احتدام المنافسة على القيادة بين الدول السُنية الرئيسة.

احتمالية أنّ التعريف التقليدي للدولة الذي ظهر في القرن العشرين قد ينهار هي مدعاة للقلق بشكل خاص بالنسبة لروسيا، التي تقدّر الاستقرار. ولكن نهج روسيا تجاه التغييرات المحتملة في تكوين دول المنطقة يفترض بالأساس أنّ الأمر منوط بقرار السكّان الذين يعيشون هناك، على أساس حوار شامل ودون أي تدخل خارجي، في أيٍ من البلدان، ضمن أي حدود وتحت أي حكومة يريدون العيش معها، وأن مثل هذه القرارات هي على وشك التنفيذ مع إيلاء الاعتبار الواجب لقواعد القانون الدولي. ومع ذلك، فإنّ أي آثار سلبية محتملة لتفكك النظام القائم للدول القومية لروسيا من المحتمل أن يشكك في حقيقة أنها نجحت -إلى حد كبير من خلال جهودها الدبلوماسية الفعّالة- في الحفاظ على علاقات جيدة ومتنوعة (سواء بعيدة أو قريبة على قدم المساواة مع جميع الحالات) مع اللاعبين الإقليميين المتصارعين في بيئة لم تكن سهلة بالنسبة لروسيا.

في هذا الصدد، يجدر الإشارة إلى التصريحات الأخيرة لبعض القادة في حكومة إقليم كردستان العراق الذين قالوا بوضوح إنّ الدولة العراقية غير قادرة على الاستمرار، وينبغي إقامة دولة كردية مستقلة في شمال العراق. ويقول بعض المحللين في موسكو إنّ مثل هذه التصريحات الجريئة هي نتاج الرغبة في كسب ود الناخبين في الفترة التي تسبق الانتخابات في كردستان العراق المقرر إجراؤها في 20 أغسطس.

والجدير بالذكر أنّ مسرور البارزاني، الذي تجنب حتى أدنى تلميح إلى التوقعات الكردية الشائعة، يشير إلى الاستقلال في المستقبل داخل حدود كردستان العراق فقط. ويمكننا فهم أنّ السياسي الكردي لا يمكنه، حتى من الناحية النظرية، أن يرى شمال شرق سوريا كجزء من دولته المستقبلية للأسباب الثلاثة التالية:

  • نظرًا لكراهية أنقرة لحزب الاتحاد الديمقراطي، وذراعه العسكري وحدات حماية الشعب الكردي المرتبطة بحزب العمّال الكردستاني؛ فإنّ مثل هذا الاحتمال سوف يسمّم العلاقات جذريًا بين تركيا وقادة حكومة إقليم كردستان.
  • هناك عدد غير قليل من المشاكل التي تشوب العلاقات بين سلطات الحكم الذاتي الكردي وأكراد سوريا.
  • ما زال هناك الكثير يجب القيام به فيما يتعلق بالحكم الذاتي لتهدئة الخلافات بين القوى الاجتماعية والسياسية المتنافسة، وهو الأمر الذي يعيق توحيد قوات البيشمركة.

والجدير بالذكر أنّه أُجريت العديد من المناقشات بشأن إمكانية إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط حتى في دول المنطقة التي تدعم بقوة الحفاظ على السلامة الإقليمية لدول مثل العراق وسوريا التي يتحداها تنظيم الدولة الإسلامية العابر للحدود بقيادة أبي بكر البغدادي. ويقول المحلل الأردني ماهر أبو طير: “إنّ النظام السوري على وشك السقوط، وسوف تصل شظاياه إلينا. والدولة العراقية على وشك الانهيار، وما تبقى من الضفة الغربية والقدس تكافح من أجل البقاء”.

من جهة، الحاجة لمواجهة التهديد الذي يواجه جميع الدول في المنطقة تعمل على توحيدهم، ومن جهة أخرى، تدفعهم إلى التوصل إلى مبادرات أحادية الجانب. بعض من هذه المبادرات تشير إلى تزايد التنافس بين الأنظمة السُنية الرئيسة في المنطقة – المملكة العربية السعودية وتركيا ومصر والأردن. (لا يوجد أحد في العالم الشيعي يمكن أن يتنافس مع إيران على القيادة).

وفي هذا السياق، ينبغي أن نوضح، على سبيل المثال، محاولات عمان في الآونة الأخيرة لإثبات مزاعمها للعب دور القوة الإقليمية، وفي الوقت نفسه الدعوة إلى إرث الخلافة السُنية والقومية العربية. في 9 يونيو، قدّم الملك عبد الله رسميًا العلم الأحمر الداكن للمملكة الهاشمية إلى الجيش العربي الأردني.

وقال الملك: “ألوان وفكرة العلم الأردني تجمع بين عناصر التاريخ، والشرعية، والدين والعروبة الموجودة في الأسرة الهاشمية والثورة العربية الكبرى“. أعتقد أن هذه الخطوة لها دلالات متعمدة من العاهل الأردني تعيد إلى أذهاننا مفهوم الدولة العربية الكبرى والخلافة العربية التاريخية لتحقيق عدة أهداف منها نزع شرعية تنظيم داعش وخلافته؛ وبالتالي تذكير الجميع بأنّ العرب والمسلمين لديهم مشروع أجدر وأكثر شرعية -عرقيًا ودينيًا- يمكن أن يلعب دور الموحّد في المشرق العربي والمسلمين.

وبالإضافة إلى ذلك، هذا تحدٍ ضمني للمملكة العربية السعودية (الهاشميون لم ينسوا الأوقات التي حكموا فيها الحجاز) ولتركيا (التي كانت مستهدفة من الثورة العربية الكبرى)، التي تدّعي دور المدافع الرئيس لمصالح السُنة. بدأ الشريف حسين بن علي الثورة ضد الإمبراطورية العثمانية في 5 يونيو عام 1916، باعتقاد غير حكيم بأن لندن ستفي بالوعد الذي قدمه هنري مكماهون في مراسلاته مع الشريف حسين وإقامة دولة عربية في المشرق تحت قيادته. (أعلن الشريف حسين نفسه ملكًا للأمة العربية في مكة المكرمة في 2 نوفمبر). وعلى سبيل المصادفة، اعتقدت روسيا أنّ القوات العربية كانت تقاتل أيضًا من أجل مصالحها منذ أن اندلعت الحرب على الدولة العثمانية في منطقة القوقاز.

شكّلت التطورات في هذا الجزء من المنطقة تحديًا لنظام سايكس بيكو الذي تأسس في ذلك الوقت والذي كثيرًا ما نذكر الأزمة التي أحدثها هذه الأيام. ومع ذلك، فإنّ أزمة الدولة اجتاحت البلدان التي كانت خارج الترتيب الذي رسم حدود الدول والمنطقة الإقليمية كما في (ليبيا واليمن). الإمبراطورية الروسية، من جهة، شاركت في تقسيم الإرث العثماني باعتبارها واحدة من الفاتحين للإمبراطورية العثمانية، ولكن، من جهة أخرى، كانت روسيا، أو بالأحرى الحكومة السوفيتية، هي التي نشرت الاتفاق السري في نوفمبر عام 1917 وأعلنته للعالم كله، وبعد ذلك استمرت في تقديم يد الصداقة إلى تركيا الجديدة، دولة أتاتورك العلمانية.

العمليات قيد المناقشة هي في كثير من النواحي متشابكة بشكل وثيق مع علاقات روسيا التاريخية مع المنطقة. أي روسي يهتم بمشاهدة مقاطع الفيديو على موقع يوتيوب عن حفل العلم الأردني الذي قُدّم إلى قيادة الجيش الأردني سوف يرى وراء العاهل الأردني شخصًا يرتدي بزة عسكرية مع حزام فضي ملفوف على كتفه، وهي لباس مميز معروف لجميع سكّان روسيا. إنّه ضابط في الحرس الشركسي الشخصي للملك عبد الله.

منذ القرن التاسع عشر، كانت الأردن موطنًا لجالية كبيرة من الشركس وكذلك أقاربهم العرقيين، الكبردينينيين والأديغة (حوالي 170 ألف نسمة)، وبعض منهم خدموا بإخلاص كحراس للملك لعدة أجيال. كما كان لأفراد المجتمع الشيشاني المكّون من حوالي 20 ألف شخص تاريخ مهني مميز في السلك العسكري، مثل الجنرال أحمد علاء الدين أرسلان، وهو الشخص الوحيد الذي اُختير مرتين بطل الأردن.

في حين أنّ هناك أفرادًا لهم جذور في منطقة شمال القوقاز الروسية بين هؤلاء الذين يقاتلون داعش، هناك أيضًا عدة آلاف من الأفراد من ذوي الخلفيات العرقية المماثلة يقاتلون إلى جانب داعش. هذا الاستقطاب ليس بالشيء الغريب في الواقع، فهناك أيضًا العديد من المواطنين الأردنيين بين قوات داعش الذين يعارضون مواطنيهم (الأردنيين والفلسطينيين) ويقاتلون ضد الجهاديين، في حين أن كلًا منهم ينتمون إلى نفس المذهب السُني.

وهذا يؤثر بشكل مباشر على المصالح الروسية؛ حيث إنّ هؤلاء الذين ترك أجدادهم القوقاز منذ عقود حافظوا على العلاقات القوية مع أراضي أجدادهم.

كما تربط المصالح المالية روسيا بمنطقة الشرق الأوسط، ومن الأمثلة على ذلك تنفيذ اتفاق شراكة غير مسبوق بين الصندوق الروسي للاستثمار المباشر وصندوق الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية، وهو صندوق الثروة السيادية للسعوديين استثمر 10 مليارات دولار في مشاريع مختلفة مع روسيا. وقد عقد الصندوق الروسي للاستثمار المباشر شراكة أيضًا مع مجموعة من الصناديق السيادية الأخرى في المملكة مثل الهيئة العامة للاستثمار بالمملكة العربية السعودية.

وعلى خلفية تفاقم الأزمة الإقليمية، تحاول الدول الإقليمية الرائدة تنويع نظام العلاقات الدولية مع القوى العالمية قدر المستطاع، ومنح فرص جديدة إلى روسيا.

التقرير