أسواق النفط ضحية حروب ترمب التجارية

أسواق النفط ضحية حروب ترمب التجارية

تواجه اللجنة الوزارية لمتابعة سوق النفط التابعة لأوبك+ صعوبة كبيرة في تقييمها للسوق عندما تجتمع الأسبوع المقبل في أبوظبي، وبذلك فلن يكون من السهل استنتاج التوصيات التي ستقدمها لمجوعة أوبك+.

ويعود ذلك إلى تناقض البيانات من جهة، والخوف الزائد من قبل المستثمرين وتجار النفط من الآثار السلبية للحروب التجارية من جهة أخرى. فمن الصعب، مثلا، إقناع دولة نفطية بانخفاض الطلب، في الوقت الذي يزيد فيه الطلب على نفوطها. ومن الصعب إقناع دولة بتخفيض إنتاجها بهدف رفع أسعار النفط، وهذه الدولة تتخوف من أن يؤدي رفع أسعار النفط إلى تفاقم الركود الاقتصادي العالمي. ويمكن القول إنه لولا حروب ترمب التجارية، لكان هذا الاجتماع من أسهل الاجتماعات.

يتضح من البيانات الحالية أن أغلب مؤشرات أسواق النفط تشير إلى ارتفاع مستمر في أسعار النفط، إلا أن هناك ضغوطا هائلة على الأسعار بسبب عزوف المستثمرين والتجار الناتج عن تخوفهم الزائد من أن حروب ترمب التجارية ستؤدي إلى ركود اقتصادي، وبالتالي انخفاض الطلب على النفطـ وانخفاض أسعاره. بعبارة أخرى، إذا نظرنا إلى سوق النفط بشكل منفصل عن الاقتصاد العالمي، فإن الأسعار سترتفع. ولكن إذا وضعناه ضمن الصورة الكبيرة للاقتصاد العالمي، فإن الأسعار، في الأقل، لن ترتفع، إلا إذا قامت أوبك+ بتخفيض أخر للإنتاج.

قد تُظْهر هذه المقدمة أن الأمور واضحة وبسيطة، إلا أن الواقع ضبابي ومعقّد لأسباب كثيرة، أهمها أن حالات الركود لا يتم الاعتراف بها رسميا إلا بعد حدوثها، وبيانات أسواق النفط العالمية لا تعرف إلا بعد شهرين أو ثلاثة من حدوثها. إضافة إلى ذلك، فإن آثار زيادة الضرائب الجمركية في كل من الولايات المتحدة والصين لا تظهر إلا بعد شهور عدة، ولكن حتى عند نشرها ستكون غير مفيدة بسبب البيع عن طريق طرف ثالث. مثلا، لتفادي دفع الضرائب الجمركية على البضائع الصينية، يتم شحنها إلى فيتنام، ومن ثم إلى الولايات المتحدة. كما بدأت بعض المصانع الصينية بالفعل نقل مصانعها أو جزء منها إلى دول أخرى، منها فيتنام.

مؤشرات أسواق النفط التفاؤلية

انخفض مخزون النفط الأميركي في الشهور الثلاثة الأخيرة بنحو 58 مليون برميل، ويتوقع له أن يستمر في الهبوط ليصل إلى أقل مستوى له منذ بداية 2015. كما أن جزءا كبيراً من الزيادة في السنوات الأخيرة ذهب لملء الأنابيب الجديدة التي تم بناؤها لنقل النفط الصخري من حقوله البعيدة إلى الموانئ الأميركية. وبذلك يكون مستوى المخزون متدنيا جداً، حتى لو تمت مقارنته بمستوى عام 2015.

تباطؤ نمو إنتاج النفط الأميركي بشكل عام وهبوطه في شهر يونيو (حزيران) الماضي.

استمرار انخفاض صادرات السعودية والعراق إلى الولايات المتحدة، الأمر الذي يسهم في استمرار المخزون بالانخفاض.

تباطؤ نمو إنتاج البرازيل مقارنة بالتوقعات.

انخفاض صادرات فنزويلا وإيران من النفط بسبب العقوبات الأميركية عليهما.

على الرغم من أن وكالة الطاقة الدولية ومنظمة أوبك خفضتا توقعاتهما للطلب العالمي على النفط، فإن النمو ما زال فوق مليون برميل يوميا، كما أن الطلب على نفوط بعض الدول مثل السعودية أقوى مما تظهره هذه التوقعات.

زيادة مستويات تشغيل المصافي عالميا، الأمر الذي سيزيد الطلب على النفط.

زيادة الطلب على النفط بسبب استعداد المصافي لتطبيق قوانين منظمة الملاحة البحرية العالمية القاضية باستخدام وقود منخفض الكبريت.

أصحاب هذه الرؤية يرون أن السبب الرئيس لعدم ارتفاع الأسعار هو الحروب التجارية والخوف الزائد من المستثمرين والتجار من حدوث ركود اقتصادي. لذلك فإن إنتهاء الحرب التجارية وزيادة معدلات النمو الاقتصادي سيرفع أسعار النفط بشكل ملحوظ. كما يرى هؤلاء أن الأسعار المنخفضة الحالية لعبت دورا كبيرا في منع معدلات النمو الاقتصادي من الانخفاض أكثر مما حصل، لأن هذا الانخفاض وفّر مليارات الدولارات على المستهلكين. بعبارة أخرى، انخفاض أسعار النفط في الدول المستهلكة لعب دور حكومات هذه الدول في تخفيض الضرائب.

مؤشرات أسواق النفط التشاؤمية

انخفاض معدلات النمو الاقتصادي في عدد من الدول المستهلكة، وانخفاض معدلات الإنتاج الصناعي بشكل كبير. الأمر الذي يعني انخفاض معدلات النمو والطلب العالمي على النفط. ويرى هؤلاء أن معدلات نمو الطلب التي تتبناها وكالة الطاقة الدولية وأوبك، نحو مليون برميل يوميا، مبالغ فيها، وأن هاتين المنظمتين ستقومان بتعديل هذه التوقعات هبوطا في الشهور المقبلة. ويذكر أن وكالة الطاقة الدولية قد بدأت عام 2019 بتوقع نمو الطلب العالمي على النفط بمقدار 1.4 مليون برميل يوميا، إلا أن الوكالة قامت بتعديل توقعاتها هبوطاً مع ازدياد حدة الحروب التجارية، حيث ترى الآن أن النمو سيكون أعلى من مليون برميل يوميا بقليل.

رغم انخفاض مخزون النفط الأميركي بشكل كبير، فإنه ما زال مرتفعا بكل المقاييس. كما أن الانخفاض الكبير حصل فقط في الولايات المتحدة، حيث إن هناك تخمة عالمية في المعروض. ففي دول منظمة التعاون والتنمية ما زال المخزون أعلى من متوسط الخمس سنوات بنحو 67 مليون برميل. أما المخزون خارج هذه الدول، بخاصة في الصين، فقد ارتفع بشكل كبير. ويرى هؤلاء أن الصين ستقوم ببيع المخزون إذا ارتفعت الأسعار، وبالتالي ستحدّ من ارتفاع الأسعار كما حصل في العام الماضي.

يتوقع أن يرتفع إنتاج النفط الأميركي في النصف الثاني من هذا العام، رغم تباطؤه في النصف الأول. وتشير البيانات إلى زيادة إنتاجية آبار النفط الصخري من جهة، وقيام الشركات بإكمال الآبار المحفورة سابقا، والذي يعني في النهاية انخفاض التكاليف. وتشير البيانات إلى أن أنشطة شركات النفط الكبرى في الصخري في ازدياد مستمر بغض النظر عن أسعار النفط، على عكس الشركات الصغيرة.

نسبة تشغيل المصافي لم ترتفع بالشكل المعهود، وبالتالي فإن الطلب على النفط لن يرتفع كثيرا.

ما زال النفط الفنزويلي والإيراني يجد طريقه إلى الأسواق، رغم تشديد العقوبات الأميركية على كلا البلدين.

زيادة دول أوبك للإنتاج في الفترات الأخيرة، حيث ارتفع إنتاج دول أوبك بمقدار 80 ألف برميل يوميا عن الشهر السابق، كما زاد إنتاج روسيا، حليفة أوبك وعضو في أوبك+، عن المقرر له.

ارتفاع الضرائب على البنزين والديزل في عدد من الدول و13 ولاية أميركية، الأمر الذي يتوقع له أن يخفّض الطلب على المنتجات النفطية.

على الرغم من أن انخفاض أسعار النفط بسبب الحروب التجارية يعد كأنه تخفيض للضرائب في الدول المستهلكة، ويلعب دورا في إنعاش الاستهلاك، وبذلك ينعش الاقتصاد، فإنه يقابل ذلك الضرائب الجمركية التي رفعت أسعار البضائع المختلفة على المستهلكين، وبالتالي فإن أثر أسعار النفط الإيجابي بسيط، إن وجد.

الخوف من المجهول والركود الاقتصادي بسبب الحروب التجارية، والحرب بين ترمب والبنك الفيدرالي (البنك المركزي) حول أسعار الفائدة يجعل كثيرا من المستثمرين يتوقفون عن الاستثمار، ويجعل المستهلكين يؤجلون مشترياتهم، بخاصة الكبيرة منها. هذا يعني أن أي وفورات من انخفاض أسعار النفط لن تترجم إلى استهلاك في الأسواق.

انخفاض صادرات بعض دول أوبك إلى الولايات المتحدة، بخاصة السعودية، قابله انخفاض في معدلات تشغيل المصافي لأسباب فنية. كما أن انخفاض الفروق السعرية أخيرا يعني انخفاض صادرات النفط الأميركية. هذا يعني أن المخزون الأميركي لن يستمر في الانخفاض بنفس المعدلات التي شهدناها في الأسابيع الأخيرة.

الخلاصة

يوضح الشرح المختصر أعلاه مدى الصعوبات التي ستواجهها اللجنة الوزارية لمراقبة السوق في اجتماعها في الأسبوع المقبل في أبوظبي. ويمكن اختصار الأمر في أحد قرارين: إما إبقاء مستوى تحفيض الإنتاج كما هو ومطالبة الدول الأعضاء بالتزام الحصص الإنتاجية، أو زيادة التخفيض إلى ما كان عليه في السابق وهو مستوى 1.8 مليون برميل يوميا. أيّ زيادة في التخفيض ستواجه معارضة شديدة من عدة دول، أهمها روسيا. إلا أنه من الممكن أن يتم الاتفاق على زيادة التخفيض، ولكن أغلب الامتثال سيكون من السعودية.

إلا أن هناك احتمالا ثالثا: إذا ما تأكد فعلا حصول ركود اقتصادي عالمي، أو انخفاض كبير في نمو الطلب على النفط، فإنه سيصبح من السهل إقناع بقية الأعضاء بالقيام بتخفيض كبير، تماما كما حصل في الماضي، بخاصة في عامي 2008 و2009، حيث قامت أوبك بتخفيض الإنتاج بشكل كبير، وتمكنت من مضاعفة أسعار النفط، رغم حالة الكساد السائدة.

وعند الحديث عن أثر التخفيض السائد حاليا، فإنه علينا أن نقارن بين مستوى الأسعار من دون تخفيض، لمعرفة الأثر. وتشير النماذج الرياضية إلى أنه لولا التخفيض الحالي لكانت الأسعار أقل بنحو 15 إلى 20 دولارا للبرميل. وبحسبة بسيطة يتبين أن السعودية استفادت من التخفيض بجني أموال أكثر، مع الحفاظ على الكميات المخفضة لبيعها في المستقبل. ولولا حروب ترمب التجارية، لكانت أسعار النفط أعلى من الحالية بنحو 15 دولارا. هذا يعني أن أثر التخفيض الحقيقي بين 30 و35 دولارا للبرميل.

اندبندت العربي