احتدام التنافس: تأثيرات الاتفاق النووي الإيراني على الصراع اليمني

احتدام التنافس: تأثيرات الاتفاق النووي الإيراني على الصراع اليمني

3661

توصلت إيران والقوى الغربية في الرابع عشر من يوليو الجاري بعد أشهر من المفاوضات الصعبة إلى اتفاق نهائي حول البرنامج النووي الإيراني. ويُمثل هذا الاتفاقُ المرحلة الثالثة والأخيرة من المفاوضات بين إيران والقوى الكبرى بعد الاتفاق الانتقالي في جنيف في نوفمبر ٢٠١٣، والاتفاق الإطاري في مدينة لوزان السويسرية في أبريل الماضي. وينص الاتفاق، الذي يقع في ١٥٩ صفحة، على رفع العقوبات الدولية والأمريكية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي في مقابل تخلي طهران عن طموحها النووي الذي ترى فيه القوى الغربية أنه ذو أبعاد عسكرية.

ويُثير هذا الاتفاق مخاوف الدول الخليجية، وفي مقدمتها السعودية، من أن يُؤدي رفع العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة من قِبَل المجتمع الدولي على إيران إلى تحسن الاقتصاد الإيراني، والذي بدوره ستُترجمه طهران لنفوذ سياسي في المنطقة، لا سيما وأن الحظر الاقتصادي الذي كان مفروضًا على النظام الإيراني لم يمنعه من تقديم الدعم المالي والعسكري لحلفائه في المنطقة (سوريا، والعراق، واليمن، ولبنان).
فعقب التوصل إلى الاتفاق قال المرشد الأعلى “علي خامنئي” إن الاتفاق لا يعني أن طهران ستتوقف عن تقديم الدعم لليمن وسوريا والعراق وما وصفهم بالمجاهدين في لبنان وفلسطين. إلى جانب أن الاتفاق سيرفع القيود على السياسة الخارجية الإيرانية، وهو ما يعني في التحليل الأخير زيادة النفوذ الإقليمي لإيران في منطقة الشرق الأوسط. وتتزايد المخاوف الخليجية مع تبني إدارة الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” سياسات من شأنها تقليل الانخراط الأمريكي في المنطقة وقضاياها، ونقل مهمة حفاظ أمن واستقرار المنطقة إلى دولها.
ومن هذا المنطلق سيُؤثر الاتفاق النووي الإيراني وما يترتب عليه من تزايد للنفوذ الإقليمي لإيران على الملفات والأزمات الإقليمية التي لطهران دور فاعل ومؤثر فيها. ويأتي في مقدمة تلك الملفات -بجانب الملفين العراقي والسوري- الملف اليمني التي دخل مرحلة الحرب بالوكالة بين المملكة العربية السعودية وإيران في ظل سعيهما إلى بسط نفوذهما على المنطقة وحماية مصالحهما.

اليمن ساحة لتعزيز النفوذ الإيراني:

مَثَّلَ سقوطُ العاصمة اليمنية “صنعاء” بيد جماعة الحوثيين المعروفة باسم “أنصار الله” المدعومة من إيران، وانقلاب الحركة بدعم من الرئيس اليمني السابق “علي عبد الله صالح” على الرئيس الانتقالي “عبد ربه منصور هادي” عقب اقتحام القصر الرئاسي في يناير من العام الجاري – نقطةَ تحول في التنافس السعودي الإيراني على النفوذ والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط عامة وفي منطقة الخليج العربي على وجه الخصوص.
فبعد اندلاع الثورة اليمنية في فبراير ٢٠١١ تحولت اليمن إلى ساحة حرب بالوكالة بين الرياض وطهران، حيث تتعامل طهران مع الدولة اليمنية بوصفها ساحة أخرى من ساحات التنافس مع السعودية بهدف محاصرتها بحزام من النفوذ الإيراني يمتد من سوريا والعراق في الشمال إلى اليمن في الجنوب، ولهذا فقد قدمت إيران كافة أنواع الدعم السياسي والمالي والإعلامي بل والعسكري لجماعة الحوثيين الشيعية. وقد أدى الدعم الإيراني للحوثيين في اليمن القائم على أساس ديني، إلى توسيع دائرة النفوذ الإيراني في اليمن من ناحية، وتقوية شوكة الحوثيين بل ودخولهم في مواجهات مباشرة مع الدولة اليمنية من ناحية أخري.
ومع تيقن السعودية من الوجود الإيراني في اليمن التي تُعتبر الفناء الخلفي للمملكة، وتأثر الأخيرة بأي اختلال في موازين القوى اليمنية لصالح إيران، وعدم الاستقرار السياسي للقرب الجغرافي بين البلدين، ناهيك عن الأهمية الجيوسياسية لليمن بالنسبة للمملكة – فقد قادت السعودية تحالفًا عسكريًّا تحت اسم “عاصفة الحزم” التي تأخذ حاليًّا اسم “إعادة الأمل” لوقف التغلغل الإيراني في اليمن، وإعادة التوازن الذي اختل بعد تنامي نفوذ وقوة جماعة الحوثيين وسيطرتها على مدن يمنية رئيسية، ودفع أطراف الصراع إلى العودة إلى الحوار لإنهاء الصراع.

– تأثير الاتفاق النووي يمنيًّا:

كما سبق القول فإن الاتفاق النووي الذي وقَّعته إيران مع مجموعة 5+1 سيكون له تأثير جليّ على السياسة الخارجية والنفوذ الإيراني تجاه ملفات وقضايا منطقة الشرق الأوسط، ومن تلك القضايا التي ستتأثر بما لا يدع مجالا للشك الأزمة اليمنية، ويتجلى التأثر اليمني بالاتفاق على النحو التالي:
أولا- تفاقم حدة الانقسام داخل اليمن: حيث تسعى كلٌّ من السعودية وإيران إلى تعزيز نفوذهما داخل اليمن، حيث يساعد رفع العقوبات المفروضة على إيران من زيادة القوة الاقتصادية الإيرانية والتي ستسعى إلى ترجمتها إلى نفوذ سياسي بتقديم مزيد من الدعم السياسي والمالي إلى الحركة الحوثية الشيعية، وفي المقابل تُقدم السعودية الدعم للرئيس اليمني الشرعي “عبد ربه منصور هادي” والقوى السياسية الموالية للسعودية، لا سيما حزب تجمع الإصلاح المؤلَّف من كتل قبلية وسلفية وإخوانية، والذي يدعم “عاصفة الحزم” ضد الحوثيين بعد تعرضه لخسائر منذ التمدد الحوثي عسكريًّا في اليمن، وعودة اتصالات المملكة مع زعماء آل الأحمر الذين يتزعمون قبائل حاشد القوية، والذين خسروا أمام الحوثيين بسبب وقف المملكة دعمها لهم منذ عشرات السنين. هذا بجانب استمرار الضربات العسكرية السعودية ضد معاقل الحوثيين ومناطق تمركزهم، الأمر الذي يُدخل اليمن في حالة من عدم الاستقرار في ظل احتدام التنافس بين القوى اليمنية الداخلية.
ثانيًا- زيادة القدرات العسكرية للحوثيين: فلموازنة النفوذ السعودي والقوى اليمنية المؤيدة للمملكة والضربات العسكرية التي تستهدف الحوثيين ستسعى إيران إلى الاستفادة من الطفرة الاقتصادية المتوقعة عقب رفع العقوبات المفروضة عليها في زيادة مساعداتها العسكرية والتعاون العسكري مع الحركة الحوثية.
ثالثًا- تنامي نفوذ تنظيم القاعدة في اليمن؛ حيث سيؤدي تنامي نفوذ الحركة الحوثية، وتزايد الدعم الإيراني لها، إلى تنامي نفوذ تنظيم القاعدة في اليمن، والترويج لنفسه على أنه حامي القوى السنية ضد المد الشيعي الذي تقوده طهران في اليمن. وحسب كثيرٍ من التحليلات الغربية فإن التنظيم هو الطرف المحلي الفائز من الحرب الجارية في اليمن.

– احتمال التعاون الأمريكي- الحوثي:

ترغب الولايات المتحدة الأمريكية في استقرار الدولة اليمنية خوفًا من تحولها إلى دولة فاشلة، وتحول الصراع الدائر فيها إلى صراع طائفي بين الحركة الحوثية الشيعية وباقي القوى السنية، والذي يعني إعادة إنتاج النموذجين العراقي والسوري في اليمن، بما يوفر ساحة مواتية لتنامي قوة تنظيم القاعدة بين القوى السنية اليمنية الساخط من تنامي قوة الحركة الحوثية الشيعية وسيطرتها على الدولة اليمنية.
فبعد دخول الحوثيين المدعومين من إيران في المعادلة السياسية اليمنية، وسيطرتهم على شمال البلاد، ومن ثمَّ العاصمة اليمنية “صنعاء”، وإسقاطهم الحكومة واليمن في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار الذي استفاد منه تنظيم القاعدة والذي عزز من نفوذه وقوته داخل اليمن، وفرض سيطرته على أجزاء واسعة من الجنوب اليمني. وقد عَقَّدت حالة الفوضى التي انزلقت إليها اليمن عقب سيطرة الحوثيين بلا شك من جهود الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم القاعدة في اليمن من خلال الطائرات بدون طيار.
ومع التقارب الأمريكي-الإيراني بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني فإنه لا يستبعد أن تعمل الولايات المتحدة بطريقة غير مباشرة مع الحوثيين -حلفاء إيران- في محاربة تنظيم القاعدة في اليمن بطلب من النظام الإيراني، وقد يكون هذا التحالف أكثر فاعلية من التعاون الأمريكي مع النظام اليمني بقيادة “عبد ربه منصور هادي” في محاربة تنظيم القاعدة للعداوة المذهبية والسياسية بين الحوثيين وتنظيم القاعدة. وهو احتمال يتعزز مع سابق خبرة التحاف الأمريكي مع إيران والقوى الشيعية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق.
خاتمة:
إن تزايد النفوذ الإيراني في اليمن عقب التوصل لاتفاق نووي مع القوى الدولية، والسعي الإيراني للتمكين السياسي للحوثيين داخل اليمن، لن تقتصر تبعاته على الداخل اليمني، ولكن تداعياته تتعدى حدود الدولة اليمنية، حيث يقود تمكين الحوثيين ووصولهم للسلطة -حسبما يرغب النظام الإيراني- لزيادة قوة الأقليات الشيعية في المنطقة، والاحتجاج على أوضاعهم داخل المنطقة، وإثارة القلاقل داخل الدول العربية التي يتواجدون فيها، والتحرك للتعبير عن المصالح الإيرانية والدفاع عنها.
وستظل اليمن ساحة للحرب بالوكالة بين إيران والسعودية، والتي ستتزايد أهميتها عقب الاتفاق النووي الذي يحمل في طياته تعزيزًا للنفوذ الإقليمي لإيران، حيث تسعى إيران منذ اندلاع الثورة اليمنية في فبراير 2011، إلى استغلال حالة عدم الاستقرار السياسي التي تمر بها اليمن من أجل توسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، وتطويق عدوها التقليدي “السعودية”، ولذا فمن الصعوبة بمكان أن تضحي إيران بالورقة الحوثية التي تُعزز من نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما في منطقة الخليج العربي، لتفسح المجال للصعود الإقليمي للسعودية التي تنافسها على زعامة المنطقة والسماح باختلال موازين القوى لصالحها.

عمرو عبدالعاطي

المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية