لم يتوقّع الإيرانيون أن يشكّل رفع العقوبات الاقتصادية عن بلادهم، مادة سجال بين التيارات السياسية في حملتها الدعائية لانتخابات مجلسَي خبراء القيادة والشورى (البرلمان) المرتقبة بعد غد. كما لم يتخيّل هؤلاء أن يكون الاتفاق النووي المُبرم مع الدول الست، عامل شقاق داخل المجتمع الإيراني، لا عامل وحدة.
ويركّز جميع المرشحين من كل التيارات على حاجات المواطنين وتحسين الأوضاع الاقتصادية ومعالجة المشكلات الحياتية، في استجابة لمطالب الإيرانيين بتسوية مشكلات البطالة والتضخم والغلاء.
وكان الاتفاق النووي أثار خلافاً داخل التيار الأصولي، إذ عارضته جبهة «بايداري» المتشددة، فيما أيدته الأحزاب الأخرى المحافظة.
واستناداً إلى ذلك، تشدد الدعاية الانتخابية لهذا التيار على الاعتماد على القدرات الذاتية الإيرانية، وتطبيق برنامج «الاقتصاد المقاوم» الذي طرحه مرشد الجمهورية علي خامنئي، لمعالجة المشكلات الاقتصادية، والامتناع عن الركون إلى استثمارات أجنبية أو «وعود غير نزيهة» في هذا الصدد، كما لا تُخفي اعتقاداً بفشل الاعتماد على نتائج الاتفاق النووي.
وأدرج الأصوليون في قائمة مرشّحيهم الثلاثين للانتخابات النيابية في طهران، عشرة من حملة شهادات اقتصادية عليا، في إشارة واضحة إلى رغبتهم في الاهتمام بالجانب الاقتصادي وتفعيل الإمكانات الداخلية في هذا الشأن.
أما الإصلاحيون، ومعهم أنصار الحكومة وأصوليون معتدلون، فيعوّلون كثيراً في برنامجهم الانتخابي على مرحلة ما بعد الاتفاق النووي، بما في ذلك الاستعانة باستثمارات خارجية، من أجل الحصول على التكنولوجيا وإيجاد فرص عمل ومعالجة التضخم ومشكلات أخرى.
قوانين جديدة
وتحتاج الحكومة إلى قوانين جديدة تمكّنها من استقبال استثمارات خارجية، لأن القوانين الحالية لا توجِد بيئة مناسبة لجذبها. وتأمل الحكومة من البرلمان الجديد، مساعدتها في وضع قوانين تتيح للمستثمرين دخول السوق الإيرانية.
وتترّقب الفاعليات الاقتصادية الإيرانية المرحلة الجديدة، من أجل تفعيل أدائها الاقتصادي الذي توقف خلال السنين العشر الماضية، بسبب العقوبات. وتنقسم هذه الفاعليات إلى جزءين، الأول يضمّ الفاعلــيات التقليدية المسيطرة على البازار الإيراني، وترتبط تاريخياً برجال الدين، والثاني الفاعليات الجديدة التي برزت خلال العقدين الأخيــرين، وتضمّ غالباً الشباب وخريجـــي جامـــعات ومـعاهد عليا، والتي لا يهمها الانتماء إلى أحزاب ســــياسية، بل تسوية هذه المشكلات والارتباط بالأسواق والمصارف الخارجية، من أجل تعزيز أدائها الاقتصادي والتجاري.
لكن الأصوليين يرون أن انفتاح السوق الإيرانية أمام الاستثمارات والشركات الأجنبية، سيقضي على التقدّم الذي حققته طهران خلال حقبة العقوبات، ويشددون على أن برنامج «الاقتصاد المقاوم» الذي يعتمد على القدرات الداخلية، قادر على إعادة صوغ الاقتصاد الإيراني وإنعاشه.
تشكيك الاصوليين
وخلال حملاتهم الدعائية، يشكّك الأصوليون في وعود الحكومة حول رفع العقوبات، وفي صدقية واشنطن في التزام تعهداتها لطهران، فيما أن الإصلاحيين وأنصار الحكومة لا يرون طريقاً آخر أمام الإيرانيين، سوى التفاهم مع المجتمع الدولي، لتـسوية مشكلاتهم.
وأدرك الأصوليون أنهم لا يستطيعون التقليل من أهمية الاتفاق النووي ورفع العقوبات الاقتصادية، فيحاولون إقحام عوامل سياسية خارجية، للتأثير في عواطف المواطنين. لكنّ أوساطاً أكاديمية وطبقة من اقتصاديين جدد، ترى أن ما بعد الاتفاق قد يشكّل مرحلة جديدة تخدم الاقتصاد الإيراني.
محمد صالح صدقيان
صحيفة الحياة اللندنية