ستفضل إيران أن تخرج من العراق مهزومة على أن تكون مطرودة منه.
وهو ما سيدفع ثمنه العراقيون. ذلك لأنهم قرروا أن يقاوموا المشروع الإيراني في التوسع على حسابهم. وهو خيار صعب ستسعى إيران إلى أن تجعلهم يدفعون ثمنه قبل أن تعلن استسلامها.
الجنون الإيراني لم يعد له محل في القاموس اليومي العراقي. عراقيا صار شعار “إيران برا برا” هو الرمز. وهو مفتاح التعرف على الحقيقة. حقيقة الصراع بين إرادتين. الأولى هي إرادة أقلية فاسدة، ترى في الهيمنة الإيرانية حماية لمصالحها أما الثانية فهي إرادة الأكثرية التي يمثلها الشعب الذي لم يعد ما يرضيه أقل من طي صفحة النظام الطائفي الذي انتهى إلى طريق مسدودة، لا يمكن لأسباب الحياة أن تستمر فيها.
من الواضح أنه لا يوجد أي قدر ممكن من التفاهمات بين الإرادتين. لذلك فإن الأمل في تسوية في إمكانها أن تنهي الصراع أو تبطئ من سرعته هو نوع من السراب الذي يزعج إيران بسبب ما يحمله من عناصر تشكيك بما كانت قد عولت عليه حين اعتقدت بأن الملف العراقي قد طوي لصالحها وأنها استطاعت أن تدفن العراق التاريخي تحت ركام الدولة الطائفية التي تدين بالولاء لها.
على حين غرة اكتشف النظام الإيراني أن كل ما تصوره بناء راسخا يهدد من خلاله دول المنطقة هو مجرد كيان وهمي وأن الطبقة السياسية الفاسدة التي اعتمد عليها في تطبيع مشروعه في العراق يعيش أفرادها في عزلة تامة عن الشعب الذي لا تعرفه.
كان في ظن إيران أنها احتوت شيعة العراق بعد أن يسر لهم النظام الجديد القيام بممارسة الطقوس الحسينية فصاروا يبكون وينتحبون ويزحفون ويلطمون ويضربون أجسادهم بالحديد ويتوقفون عن العمل أربعين يوما مدفوعة الأجر حزنا على الإمام الحسين. ولكن فات إيران أن نداء الحياة يقع في مكان آخر وأن الشعب الذي أرادته خزانا بشريا للمسيرات الجنائزية يفكر في حياته بكل عناصرها ويرنو إلى أن يكون له وطن حر ومستقل مثل بقية شعوب العالم.
لقد فجع النظام الإيراني بأن ما يسمونه “مدينة الحسين” وهي كربلاء كانت الأكثر احتجاجا على وجودهم. بحيث وضع المحتجون لافتة على أسوار القنصلية الإيرانية هناك كتب عليها “أغلقت بأمر الشعب”.
صار واضحا بالنسبة لإيران أن الشعب العراقي يكرهها. يكره نظامها وتشيعها ومشروعها وميليشياتها والنظام السياسي الحاكم في بغداد لأنه تابع لها وخاضع لإملاءاتها.
غير أن إيران المفجوعة بالمقت العراقي لها لن تتراجع عن موقفها بالرغم من أن كل الوقائع في الشارع العراقي تؤكد أن مشروعها صار جزءا من الماضي وأن العراق لم يعد جزءا من امبراطورية الوهم الفارسي.
لو كانت إيران على قدر من التعقل والحكمة للجأت إلى التفاوض مع المحتجين من خلال ممثليها في بغداد ولأمرتهم بالخروج وترك العراق لشعبه. ذلك هو الحل الأمثل وهو الحل الوحيد الذي يرضي المحتجين ويجعلهم يعودون إلى منازلهم. غير أن خامنئي العقائدي الأعمى والأهوج يفكر في مشروعه التوسعي ولا يفكر في مصير أتباعه الذين يمكن أن يتعرضوا لمصير سيء بسبب الغضب الشعبي.
سيكون من الصعب إقناع خامنئي بأن الشعب الذي سلمه للطم والبكاء والمشي على الركب سينتصر عليه دفاعا عن حياته وقيامة وطنه. لذلك فإنه سيظل متهورا في قراراته الخاصة بالعراق إلى أن يمنى بالهزيمة النهائية. تلك الهزيمة ستكون مقدمة لطي صفحة النفوذ الإيراني في المنطقة.
ذلك ما يفكر فيه المحتجون. وهو ما يسعون إلى تحقيقه. هزيمة خامنئي هذه المرة ستكون أشبه بهزيمة الخميني عام 1988 حين أعلن أنه تجرع السم بموافقته على إيقاف الحرب مع العرب.
العرب