يطوي العام 2019 أيامه الأخيرة، والمشهد الإقليمي والدولي أكثر تعقيدا مما بدأه. دوليا، انشغل العالم بمشاهد الصراع الذي اشتدّت ضراوته بين الرئيس دونالد ترامب والمؤسسة الأميركية الحاكمة، وسط استقطابٍ سياسي واجتماعي غير مسبوق داخل الولايات المتحدة. أما الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، الصين وأميركا، فقد اتسع تأثيرها حتى باتت تهدّد الاقتصاد العالمي، على الرغم من الهدنة التي توصلا إليها أخيرا. مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أيضا تحوّلت إلى كابوس سياسي طويل، انتهى أخيرا بفوز المحافظين في الانتخابات العامة، وإنْ ظلت التخوفات قائمة بشأن تأثيراتها على الاقتصاد البريطاني في مرحلة ما بعد الخروج، وعلى أوروبا أيضًا التي فقدت ثاني أكبر اقتصاداتها حجماً وأقواها عسكرياً. صعود اليمين المتطرّف، وانتشار مشاعر الكراهية والإسلاموفوبيا، وتنامي التيارات الشعبوية من اليمين واليسار، عبر العالم من الفيليبين إلى أميركا، مرورا بالهند والشرق الأوسط وأوروبا، أخذت أيضا تمثل تهديدا فعليا للسلم والاستقرار العالمي، سواء داخل الدول والمجتمعات، أو فيما بينها.
عربياً، بدأ العام 2019 باندلاع احتجاجاتٍ واسعةٍ في القسم الأفريقي من الوطن العربي (السودان والجزائر) وانتهى باحتجاجات أوسع في الجزء الآسيوي (العراق ولبنان). في الجزائر، نجح الحراك الشعبي في اسقاط الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، والعصابة التي حكمت باسمه، في انتفاضةٍ سلميةٍ لم يسقط فيها قتيل. وسقط في السودان نظام الرئيس عمر البشير، بعد أن حكم نحو ثلاثين عاما. وفي الحالتين، لعب الجيش دورًا حاسما. ويحدو البلدين أمل في تجاوز المرحلة الانتقالية بسلام، على الرغم من أن أحدا ليس لديه أوهام بخصوص التحدّيات الجسيمة التي تواجهها.
وفي المشرق العربي، كانت الأمور، كما دائما، أعقد وأكثر دموية، ففي العراق الاحتجاجات مستمرة على الرغم من العنف المريع الذي أودى حياة مئات القتلى وآلاف الجرحى من المتظاهرين الشباب، وما زال هدفهم في إسقاط نظام المحاصصة الفاسد الذي حكم البلد منذ الغزو الأميركي عام 2003 تحول دونه المقاومة الشديدة التي تبديها مافيات الفساد التي تمكّنت من جسَد الدولة. بالمثل، لم تتمكّن الانتفاضة التي اندلعت في لبنان، بالتزامن، من الذهاب أبعد من إسقاط حكومة سعد الحريري، حيث تجري عملية محاصرتها وترهيبها من السلطة الفعلية التي تحكم البلد (حزب الله وحلفائه). إيران هي الأخرى شهدت أواخر العام احتجاجاتها الأكثر دمويةً منذ عام 1979، حيث سقط، وفق مصادر إيرانية، أكثر من 1500 قتيل في أربعة أيام من الاحتجاجات الشعبية ضد الغلاء والفساد.
مع ذلك، وعلى الرغم من المقاومة الشديدة التي تبديها قوى السلطة، وشبكات المصالح المرتبطة بها، لمحاولات التغيير، يتوقع أن يشهد العام 2020 الاحتجاجات الأوسع على مستوى المنطقة، منذ أحداث الربيع العربي، قد تمتد إلى مناطق عديدة في سياق عالمي واسع، عنوانه العريض فشل الحكومات والنظم السياسية، بأنواعها، في مواجهة تحدّيات التنمية، وإدارة الموارد وتوزيعها، ومعالجة بواعث الخوف والغضب وعدم اليقين إزاء المستقبل، التي تعتري سكان العالم على اختلافاتهم، بسبب التكنولوجيا، والثورة الرقمية، والتغيرات في سوق العمل، وتزايد عدد السكان، وندرة الموارد، والهجرة، والتغيرات المناخية، وغياب سياساتٍ عامةٍ رشيدة، تلبي تطلعات الشعوب في العدالة والحرية والعيش الكريم.
يتوقع أيضا أن يزداد تأثير الأوضاع الداخلية في بلدان المنطقة على سياساتها الخارجية. وأن يُترجم ذلك مزيدا من الصراعات الجيوسياسية التي تتصاعد أصلا في منطقتي الخليج وشرق المتوسط. ففي الخليج، يتوقع أن يشهد العام 2020 مزيدا من التوتر، إذا لم يجد الطرفان، الإيراني والأميركي، مدخلا لبدء مفاوضات جديدة للوصول إلى صيغة تساكن. وقد بدأت إيران ترسل، في الأسابيع الأخيرة، إشارات إلى استعدادها للتفاوض، استباقا لوضعٍ أصعب في حال فاز ترامب في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
وفي شرق المتوسط يُتوقع أن يزداد التنافس على الموارد الطبيعية، في ظل تسابق دول المنطقة الى تأمين احتياجاتها من الطاقة. ونشهد في هذا السياق بروز تكتلاتٍ ومحاور إقليميةٍ منخرطةٍ في حروب وكالةٍ قد تتطوّر، خصوصا مع دخول أطرافٍ دوليةٍ من خارج الإقليم على الخط (روسيا، أوروبا، والولايات المتحدة).
باختصار، تحديات العام 2020 كبرى، وأكثر ما يخيف فيها هو نوعية النخب والقيادات التي تتعامل معها.
العربي الجديد