أيقظت “صفقة القرن”، منذ أن أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مخاوف اللبنانيين من احتمال توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، لما يمكن أن يحدثه من تغييرات ديمغرافية، في بلد يتحرك وفق معادلات طائفية حساسة للغاية.
ويخشى لبنانيون من إمكانية تمرير التوطين، مقابل منح لبنان مساعدات، في ظل أزمة اقتصادية خانقة لم يشهدها حتى أثناء الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990.
وأعلن ترامب، في 28 يناير الماضي، خطة تتضمن إقامة دولة فلسطينية في صورة “أرخبيل” تربطه جسور وأنفاق، وعاصمتها “في أجزاء من القدس الشرقية”، مع جعل مدينة القدس المحتلة عاصمة مزعومة لإسرائيل، وحل قضية اللاجئين خارج حدود إسرائيل.
ورفض كل من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الإفريقي ودول عديدة، في مقدمتها تركيا، خطة ترامب؛ لكونها “لا تلبي الحد الأدنى من حقوق وتطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة، وتخالف مرجعيات عملية السلام”.
ويعيش 174 ألفًا و422 لاجئًا فلسطينيًا في 12 مخيمًا و156 تجمعًا في محافظات لبنان الخمسة، بحسب إدارة الإحصاء المركزي.
وأعلن الرئيس ميشال عون، في أكثر من مناسبة، أن لبنان لن يقبل بأي شكل من أشكال التوطين.
ضغوط الأزمة الاقتصادية
قال فارس خشان، كاتب ومحلل سياسي: “لا شك أن صفقة القرن تلحظ توطين اللاجئين الفلسطينيين من بين خيارات أخرى تتصل بهم”.
وأضاف خشان أن “لبنان معني بهذه المقاربة الأمريكية التي تتناقض مع توجهات غالبية اللبنانيين، كما مع النص الدستوري الذي يحظر التوطين”.
ورأى أن السياسيين تعاطوا مع خطر التوطين من منطلق شعبوي، كما استُعمل لأهداف أخرى.
واعتبر أن لبنان لم يتعاط يومًا مع محاربة التوطين كخطر حقيقي، ولهذا لم يتخذ تدابير حقيقية تحول دونه.
وأردف: “بدل أن يقوي لبنان مناعته الداخلية على مستوى وحدة الشعب وتقوية الدولة والمالية العامة ونهضة الاقتصاد، ذهب في الاتجاه المعاكس، بحيث أصبح وطنًا في مهب الريح”.
وعن إمكانية ربط مسألة التوطين بالأزمة الاقتصادية، أجاب بأن “لبنان أصبح بفعل ما أصابه من التدهور ضعيفًا أمام الخارج”.
واستطرد: “لبنان يطالب بمساعدات لإنقاذه من ورطته الاقتصادية، والخوف كبير من أن يتم ربط الاستجابة له باستجابته هو لأمور مطلوبة منه، وقد يكون من بينها إمكان قبوله بالمشاركة في حلول لوضعية اللاجئين الفلسطينيين، وهي حلول يقع التوطين في صلبها.”
ورأى خشان أن “مقاومة أية خطة يحتاج إلى مناعة. مشكلة لبنان أنه فقد مناعته، فهو أضعف من أن يواجه أية ضغوط حقيقية”.
وشدّد على أنّ “سلاح (جماعة) حزب الله لا يُشكل حلًا، ففي ظل هذا السلاح تعاظم خطر التوطين، وهذا يعني أن دوائر (صنع) القرار الأمريكية لا تعتبر هذا السلاح من عوامل التصدي لمقاربتها”.
مع التوطين
في موقف لافت، قالت راغدة ضرغام، وهي صحافية ومحللة سياسية لبنانية – أمريكية، إنها مع توطين الفلسطينيين في لبنان.
وأضافت: “موقفي أتى من منطلق ضرورة بسط الدولة سيادتها على الأراضي اللبنانية وإزالة المخيمات (الخاصة باللاجئين)، لما تُشكله من خطر، فهي بمثابة قنبلة موقوتة”.
ولم ترَ راغدة أي مبرر لرفض التوطين غير المعادلات الطائفية في لبنان، واقترحت “تأجيل منح الفلسطينيين حق التصويت لمدّة 20 أو 25 سنة بعد تجنيسهم، كحلّ لإبعاد مخاوف الطائفية”.
وزادت بقولها: “أنا مع حقّ العودة، وهذا خط أحمر، لكنّ في الوقت عينه الأوضاع التي يعيشها الفلسطينيون في المخيمات غير مقبولة إنسانيًا”.
تمسك بحق العودة
بسام أبو شريف، المستشار السابق للرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات (1929: 2004)، قال إن جزءًا من ورقة صفقة القرن يتطلع إلى ترتيب توطين اللاجئين الفلسطينيين في البلدان التي يُقيمون فيها.
وأوضح أبو شريف أنه توجد عقبة أساسية لا يُمكن تجاوزها، وهي أنّ اللاجئين يصرّون على حقّهم بالعودة، ولن يقبلوا بأيّ بديل عن العودة لوطنهم.
وتابع: “اللاجئ الفلسطيني في لبنان يُطلق على نفسه صفة مقيم مؤقت؛ لأنّ فلسطين هي الوطن”.
وحذر أبو شريف من أن صفقة القرن تستهدف شطب القضية الفلسطينية، مشدّدًا على ضرورة كسب الدعم الإسلامي والعربي لمواجهة تلك الصفقة.
“الكتائب” تحذر
جدّد النائب عن كتلة حزب الكتائب، إلياس حنكش، التأكيد على ضرورة إيجاد حلّ للقضية الفلسطينية.
وحذر حنكش، من العودة إلى نغمة التوطين، مؤكدا أن حزب الكتائب قدم آلاف القتلى لمقاومته.
وتابع: “الكتائب مع حق العودة، ولبنان غير قادر في هذه الظروف على تحمّل أي خضّة في هذ السياق”.
وشدد على ضرورة “الاستمرار في مقاومة التوطين بكل أساليب المقاومة المشروعة”.
(الأناضول)