هزيمة الحوثيين والرئيس اليمني المخلوع، علي عبدالله صالح، في جنوب اليمن، هي أول ضربة ذات وزن، يتلقاها المشروع الإيراني، منذ أخذ يتمدد تدريجياً على حساب تراجع الدور العربي. ويمكن من خلال النجاح اليمني استخلاص دروس كثيرة. لكن، يبقى أهمها أن نزعات الهيمنة الإيرانية على المنطقة العربية ما كان لها أن تتحول إلى واقع في العراق وسورية ولبنان واليمن، لو أن العرب واجهوها بالطريقة نفسها التي حسموا فيها أمرهم فيها في اليمن، أو كما فعل ذات يوم الرئيس العراقي السابق، صدام حسين.
تستحق المقاومة الجنوبية شرف طرد الحوثيين من عدن وبقية مناطق الجنوب، فلولا التضحيات في عدن والضالع، لما تمكن التحالف العربي أن يفتح طريقاً لتقديم المساعدات العسكرية والإغاثية منذ حوالى ثلاثة أسابيع، لكي يدفع بالمواجهة نحو أفق التحرير الشامل. وفي الوقت نفسه، لم يكن في وسع المقاومة أن تصمد وتنظم صفوفها وتطور أداءها، لو لم يدعمها التحالف بكل الإمكانات العسكرية والمادية. وحتى هذا الدعم، ما كان له أن يثمر نصراً عسكرياً سريعاً، لو لم يرافقه حزم سياسي واضح وصريح في مواجهة الضغوط الخارجية من جانب إيران والولايات المتحدة وروسيا. وليس سراً أن الأطراف الثلاثة ضغطت بقوة من أجل إيقاف “عاصفة الحزم”.
كان واضحاً، منذ اليوم الأول لعاصفة الحزم، في 26 مارس/ آذار الماضي، أن دول مجلس التعاون الخليجي (باستثناء سلطنة عمان) حسمت أمرها بأن الطريق الوحيد لهزيمة المشروع الإيراني في اليمن هو الحرب، وعلى الرغم من أن هذه الدول تركت الأبواب مفتوحة لكل المبادرات السياسية، فإنها أعدت العدة لعملية عسكرية طويلة ذات كلفة مادية وبشرية عالية، لكن الأمر يهون، بالنظر إلى ما جاءت إيران تبحث عنه في المنطقة، وهي تدفع في طريقها جحافل الحوثيين الفقراء الذين وظف عبد الملك الحوثي وعلي عبدالله صالح مظلوميتهم من أجل تحقيق أهداف غير نبيلة، تتمثل في إعلان الحرب ضد أشقاء لهم، لا يقلون مظلومية.
اللعبة الإيرانية في اليمن تقليدية جداً، وقد اعتادت طهران على ممارستها في العالم العربي، فهي تتسرب من خلال قنوات طائفية، من أجل السيطرة والنفوذ، وفي المناطق كافة، لم يظهر اللاعب الإيراني على المسرح، بل يبقى وراء الكواليس يحرك الكومبارس العربي المخدوع. حصل هذا الأمر في لبنان وسورية والعراق، وأراد أن يكرّره في اليمن. وعلى الرغم من أن إيران دخلت بقوة إلى المنطقة العربية، وفي البلدان الأربعة، فإنها لم تحقق إنجازاً يكتسب طابع الديمومة والاستقرار، بل تشير المعطيات كافة إلى أن استثماراتها السياسية في هذه المنطقة في طريق السقوط والفشل والإفلاس، حتى في العراق الذي تربطها به حدود جغرافية. ولم تجن إيران من تحالفاتها في المنطقة غير الكراهية، ذلك أن أصدقاءها في أهم بلدين، العراق وسورية، هم أصناف من القتلة والفاسدين والطائفيين.
وفي نهاية المطاف، لن تشعر إيران بالحرج من خسارة هذه الاستثمارات وإدارة الظهر لها، فهي جاهزة، لأن تسحب نفسها من اللعبة بسهولة، وقد عكس هذا الأمر نفسه في اليمن، فهي تركت الحوثيين يواجهون حرباً شرسة، ولم تتمكن من مد يد العون لهم. صحيح أنها لم تكن قادرة على إسنادهم لوجستياً، لكن الحوثيين كانوا على قناعة تامة بأن إيران لن تتركهم وحدهم في الميدان. لذلك، ساروا كالعميان باتجاه عدن، وهم يظنون أنهم يحققون خدمة لإيران، بالسيطرة على باب المندب.
أسوأ نتائج تدخلات إيران في المنطقة هي تمزيق نسيجها الأصلي، وإيجاد عداوات طائفية مقيتة، وهي بذلك تجني على الشيعة العرب، أبناء هذه المنطقة، عندما تحول بعضهم إلى بيادق طائفية.
بشير البكر
صحيفة العربي الجديد