تسعى الحكومة التركية لتطويق التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا على الاقتصاد عبر وسائل عدة، إذ أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان عن حزمة تحفيز اقتصادي أطلق عليها “درع الاستقرار”، بينما قلل وزير المالية براءات ألبيرق من تداعيات الفيروس على الاقتصاد.
ورغم هذه التطمينات، يرى مراقبون أتراك أن الاقتصاد التركي سيتأثر بتداعيات الفيروس، إذ يقول المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو لـ”العربي الجديد” إنه لا بد من الاعتراف بأن كورونا سيعيد تشكيل كثير من الاقتصادات والتكتلات العالمية، فما بعد كورونا ليس كما قبله بالتأكيد، وبما أن تركيا جزء من هذا العالم، فسيطاولها التأثير، ولكن إلى فترة محددة لن تستمر إلى ما بعد النصف الأول من العام الجاري.
ويستشهد كاتب أوغلو بوفرة الإنتاج وقلة تراجع البورصة “17 %” قياساً مع التهاوي الكبير الذي شهدته مؤشرات الأسواق المالية العالمية، معترفاً بأن ثمة آثاراً مباشرة بدأت تظهر على الاقتصاد التركي، وخاصة في السياحة بعد توقف الطيران عن 62 دولة وتراجع أعداد الوافدين بشكل كبير.
ويضيف المحلل التركي بأنه على الرغم من الآثار السلبية الآنية، هناك قطاعات ستشهد نمواً وزيادة بالإنتاج، خاصة قطاع الصناعة الذي انعكس فيه تراجع سعر برميل النفط إلى ما دون 30 دولاراً على تراجع تكاليف الإنتاج، ما يعني زيادة الصادرات، لأن الصناعة تشكّل 87% من مجمل الصادرات، حتى بعد ذروة أزمة كورونا، مدعوماً بتراجع سعر الليرة التي ستنعكس إيجاباً على التصدير.
وحول تداعيات الوضع الحالي على “حلم المئوية” يقول كاتب أوغلو إنه بسبب الدعم الحكومي للقطاعات المنتجة والتسهيلات التي أعلنها أردوغان، فإنه ستكون هناك شهور عجاف، وبعدها سيعاود الاقتصاد التركي نموه بنحو 5% وربما ينتهي العام على أكثر من 7% نسبة نمو، ما يعني أن أهداف المئوية مستمرة، وإن كان سيلحقها التأثير ولكنها لن ترجأ أو تتوقف.
وحول التنبؤ بما سيؤول إليه الاقتصاد التركي، يضيف المحلل غوك لـ”العربي الجديد” أنه من الصعب التوقع، لأن ذلك متعلق بمدى انتشار الفيروس والسيطرة على المرض، كما أن له علاقة بالدول الخارجية، لأن تركيا إن سيطرت وفرضت حظر تجول لمدى عشرين يوماً وضبطت الانتشار، فكيف ستتعامل مع الخارج، وهي التي تعتمد في اقتصادها على الصادرات والسياحة”.
وأشار إلى أن ملامح التأثر بدأت تظهر منذ أغلقت تركيا حدودها مع العراق وإيران وأذربيجان، ما سيزيد من الركود وتباطؤ النمو، بحسب رأي المحلل التركي.
من جهته، يقول صاحب شركة الخدمات في منطقة اسنيورت حسن محمد إن العمل حالياً “في أدنى حالاته بعد إغلاق المكتب والعمل من المنازل بالاعتماد على الزبائن القديمين”، مشيراً في الوقت نفسه إلى “تراجع بيع وشراء العقارات واستصدار الأوراق الرسمية، وإقامات العمل والسياحة وحجوزات طيران”
وهو ما أكده رئيس مجلس إدارة إحدى الشركات السياحية الذي قال لـ”العربي الجديد” إن السياحة تراجعت للحدود الدنيا، معتبراً أن “الأمل معقود على الإجراءات الحكومية لتحويط كارثة كورونا والبدء في مطلع مايو/ أيار المقبل”، وهو الموعد الذي حددته تركيا لبدء الموسم السياحي بعد أن أخرته لمدة شهرين، خاتماً بأن “لدينا خططاً ترويجية وتسويقية نقوم بها من منازلنا، لكن المؤشرات غير مشجعة الآن”.
العمل من بعد
يرى المحلل الاقتصادي التركي جيواد غوك أن الحل الأمثل الآن هو التحول إلى التعامل عن بعد، ضمن القطاعات التي يسمح عملها بذلك، لأن الاختلاط بالمصارف والشركات الحكومية يزيد احتمالات انتشار الفيروس “كما أن انتشار خبر إصابة موظفين في مصرف أو شركة كبرى سيؤثر على سعر أسهمها بالبورصة”.
لكن هذا الحل سيؤثر على العمال ومحدودي الدخل بشكل مباشر، ما يزيد من الفقر والبطالة بحسب رأي غوك، ما يوجب على الدولة “زيادة التدخل ودعم المواطنين وليس الشركات وأصحاب الرساميل”.
وتواصل القطاعات بتركيا كافة اتخاذ تدابير وقائية، لتقليل الاحتكاك والتجمهر من خلال التواصل مع عملائها عبر الإنترنت، بعد أن خفضت ساعات العمل وقلصت من حجم العمالة داخل الشركات وحتى المؤسسات الحكومية، كما رفعت البنوك سقف المبلغ المسموح بسحبه يومياً عبر ماكينات الصراف الآلي، وتأجيل سداد بعض القروض.
وقررت السلطات إغلاق أماكن التجمعات المغلقة كافة، ليطاول منع الجلوس حتى المطاعم واقتصار العمل على الطلبات الخارجية، بحسب ما أكد صاحب مطعم بمنطقة الفاتح بإسطنبول، عبد المجيد عاشور.
وأضاف عاشور لـ”العربي الجديد” أن المبيعات “تراجعت خلال عشرة أيام بنحو 70% حيث اضطررنا لتخفيف العمالة بنسبة 50% بعد أن اقتصر عملنا على التوصيل للمنازل.
وفرة ورخص بالسلع
على عكس العديد من دول العالم، لم يؤثر انتشار فيروس كورونا على العرض السلعي والأسعار بالأسواق التركية، بل شهدت الأسواق عروضاً فاضت عن الاستهلاك اليومي، خاصة على مستوى منتجات الاستهلاك اليومي، كالخضر والفواكه والأرز والحمص والعدس.
ويقول رئيس غرفة وسطاء التصدير في ولاية أضنة علي باطمان إن انخفاض أسعار الخضروات الكبير يعود إلى وفرتها اليوم في الأسواق المحلية، وذلك بعد تراجع الصادرات الزراعية عقب إغلاق السلطات المعابر الحدودية مع سورية والعراق وإيران، في إطار الوقاية من انتشار الفيروس.
وكشف باطمان، خلال تصريحات صحافية، أن الفواكه المعبأة للتصدير باتت تعرض في الأسواق المحلية، مشدداً على ضرورة دعم الحكومة للمنتجين في سبيل تغطية خسائرهم، لأن بعض المنتجات باتت تباع بأسعار تقل حتى عن قيمة التكلفة.
وكانت وزارة الزراعة التركية، بحسب الوزير، بكر باكدميرلي، قد اتخذت التدابير لتلبية احتياجات المستخدمين والمزارعين والصناعيين والمستهلكين.
وقال الوزير، خلال بيان أمس، إن كل الوزارات اتخذت جميع الاحتياطات اللازمة بالتنسيق مع وزارتي التجارة والصحة، مؤكداً عدم وجود مشاكل في إنتاج وتخزين المواد الغذائية.
ولم تتوقف الأسواق الشعبية “البازرات” بتركيا، بهدف إيصال المنتجات للمستهلكين طازجة ومن دون أن تمر عبر حلقات التجار، ولكن بعد إجراءات احترازية حددتها وزارة الاقتصاد وعممتها على ولايات تركيا الواحدة والثمانين.
عدنان عبدالرازق
معهد واشنطن