يعتقد محللون أن طموحات تركيا لزيادة صادراتها من خلال استغلال عامل القرب الجغرافي والاستفادة من تكاليف الشحن الباهظة تحمل في طياتها الكثير من المبالغة بالنظر إلى الصعوبات التي قد تكون عائقا أكبر مما تتوقع أمام تحقيق أهدافها بإغراق الأسواق الرئيسية بالبضائع المصنوعة محليا.
إسطنبول – تسعى أوساط المصدرين في تركيا لتحويل معضلة ارتفاع تكاليف الشحن العالمية إلى فرصة لتسويق المنتجات المحلية في الأسواق الأوروبية لتحقيق هدف مزدوج يتمثل في دعم نشاط الإنتاج وفي الوقت ذاته تحصيل إيرادات لتعويض بعض الخسائر.
وتدفع تداعيات أزمة الليرة أنقرة إلى البحث عن حلول لإنعاش الاقتصاد من بوابة تعزيز الآفاق التجارية مع الأسواق الرئيسية وخاصة مع أوروبا وذلك باستغلال مسألة تكاليف الشحن العالمية الباهظة التي يتوقع أن تستمر بعض الوقت لدعم زيادة تصدير المنتجات المحلية.
ووفق البيانات الرسمية سجلت تركيا صادرات قياسية بنهاية العام 2021 عندما ارتفعت بواقع 32.9 في المئة بمقارنة سنوية، وهي تحلم بأن تصبح “مصنع العالم” على أبواب أوروبا، مستغلة انهيار عملتها المحلية ورغبة الشركات متعددة الجنسيات في تقريب إنتاجها من أسواقها الرئيسية.
ووصلت قيمة صادرات البلاد العام الماضي إلى حوالي 225.4 مليار دولار، وهي تسعى لزيادة هذا الرقم إلى نحو 300 مليار دولار بنهاية العام المقبل.
رودجر كيلي: تركيا ليست مثل روسيا التي تملك وفرة في المواد الخام
وهذا الرقم يبدو قليلا قياسا بالأسواق الناشئة الأخرى، فمثلا صدرت الصين العام الماضي بما قيمته ثلاثة تريليونات دولار وحققت فائضا تجاريا مع الولايات المتحدة فقط بأكثر من 300 مليار دولار.
ومع ذلك يرى المسؤولون الأتراك أن الموقع الجغرافي لبلدهم قرب أوروبا يعتبر ميزة نظرا إلى الارتفاع الحاد في كلفة الشحن البحري.
ويضاف إلى ذلك اضطراب سلاسل التوريد المرتبط بالجائحة، وهو ما يدفع شركات أوروبية إلى تقليل اعتمادها على الأسواق الآسيوية في استيراد المواد الخام التي تدخل في أعمالها.
لكن خبراء يحذرون من أن عقبات عدة تقف في طريق “صنع في تركيا”، باستخدام اسم البلد باللغة المحلية وليس باللغات الغربية على الصعيد الدولي بطلب أنقرة.
وأكّد بوراك داغلي أوغلو رئيس مكتب الاستثمار التابع للرئاسة التركية لوكالة الصحافة الفرنسية أن “العديد من الشركات متعددة الجنسيات تقوم بإجراءات من أجل الحصول على المزيد من الإمدادات من تركيا”.
وأوضح أن البلاد التي لطالما جذبت عمالقة سيارات ومنسوجات توفر قوة عاملة ماهرة وموقعا جغرافيا “مثاليا” و”بنية تحتية متطورة”.
وعلى أساس ذلك أعلنت شركة إيكيا السويدية في الخريف الماضي أنها تريد نقل جزء من إنتاجها إلى تركيا. كما أكدت مجموعة الملابس الإيطالية بينيتون لوكالة الصحافة الفرنسية “رغبتها في زيادة حجم إنتاجها في دول أقرب إلى أوروبا بما فيها تركيا”.
وقال بيتر وولترز نائب رئيس غرفة التجارة الهولندية – التركية إنه “يتلقى طلبات من قطاعات الأغراض المنزلية والحدائق والمنسوجات والأزياء وبناء اليخوت” من جانب رؤساء شركات يبحثون عن شركاء جدد في تركيا.
وبحسب مؤشر فريتوز بالتيك، أصبح استيراد البضائع من آسيا مكلفا جدا. فنتيجة نقص الحاويات ازدادت كلفة الشحن بأكثر من تسع مرات منذ فبراير 2020 بين الصين وشمال أوروبا، بينما تبتعد تركيا ثلاثة أيام فقط في الشاحنة عن أوروبا الغربية، مما قد لا يكلف إلا القليل.
وصنّفت دراسة أجرتها مجموعة ماكنزي للاستشارات نشرت في نوفمبر الماضي تركيا ثالثة بين الدول التي لديها أفضل إمكانات لتوريد المنسوجات بحلول العام 2025، بعد بنغلاديش وفيتنام لكن متقدمة على إندونيسيا والصين.
وكتب مؤلفو الدراسة “تسعى الشركات في قطاع الملابس لتغيير مجموعة البلدان الموردة” التي تتعامل معها و”الاقتراب” من أسواقها. وأشاروا إلى أن تركيا تقدم “تكاليف إنتاج أقل بسبب تراجع قيمة الليرة التركية”.
إردال يالتشين: لا نرى استثمارات كبيرة رغم اعتبار تركيا وجهة مثالية
ونتيجة لانهيار قيمة العملة المحلية مقابل الدولار بواقع 44 في المئة في العام الماضي، فإن صافي الحد الأدنى للرواتب التركي يعادل حاليا 315 دولارا.
ويرى بعض الخبراء أن الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يتولى السلطة في البلاد منذ عشرين عاما ويأمل في إعادة انتخابه عام 2023، يراهن على ضعف الليرة لتعزيز الصادرات والنمو، رغم رغبته المعلنة في زيادة القوة الشرائية للأتراك.
لكن انهيار العملة التركية يشكل أيضا مشكلة لقطاع الصناعة بسبب اعتماد الدولة على الواردات للطاقة وبعض المواد الأساسية.
وقال رودجر كيلي الخبير الاقتصادي في البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير إن تركيا “ليست روسيا التي تملك على سبيل المثال وفرة في المواد الخام”. وأضاف أن “تركيا تواجه أيضا منافسة من دول داخل الاتحاد الأوروبي”.
وأوضح “أعتقد أنه علينا عدم تجاهل تلك البلدان الواقعة في جنوب شرق أوروبا مثل رومانيا أو بلغاريا والتي هي أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتقدم تكاليف إنتاج منخفضة ومواقع إنتاج عالية الجودة”.
لكن بعض الخبراء في مجتمع الأعمال يرون أن هروب الاستثمارات أو عدم مجازفة بعض الشركات لضخ رؤوس أموالها، تُعتبر أدلة على أن بيئة الأعمال في تركيا غير مستقرة على عكس ما يسوق له المسؤولون ووسائل الإعلام الموالية للسلطة.
وقال إردال يالتشين أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة كونستانز في ألمانيا “لا نرى استثمارات كبيرة حتى الآن، حتى لو كانت تركيا من وجهة نظر اقتصادية بحتة البلد المثالي لتقريب الإنتاج من أوروبا”. وهو يرى أن “عدم اليقين المؤسسي والقضائي” في تركيا مصدر قلق أيضا.
ومن العقبات الأخرى علاقة تركيا الصعبة مع الاتحاد الأوروبي، ونقل يالتشين في هذا الصدد عن قادة أتراك قولهم إن “أوروبا يوما صديقة ويوما عدوّ”.
وذكّر الخبير الألماني بأن مجموعة فولكسفاغن أرجأت بناء مصنع في تركيا بعد الهجوم التركي على سوريا نهاية العام 2019، قبل أن تتراجع نهائيا عن المشروع بعد الجائحة.
وبالنسبة إليه، لن تتخذ الشركات قرارات مهمة قبل انتخابات العام 2023 و”حتى تتبدد حالة عدم اليقين بشأن المستقبل السياسي لهذا البلد”.
العرب