اردوغان والاقتصاد التركي صراع وجودي

اردوغان والاقتصاد التركي صراع وجودي

الباحثة شذى خليل*

لم يكن من المفاجئ أن تشهد تركيا محنا اقتصادية ومالية عميقة، إذ كانت فصول الأزمة الثلاثية، التي تعيشها البلاد – العملة، والصناعة المصرفية، والديون السيادية – تتوالى لأعوام.
الليرة التركية تسجل تراجعا تاريخيا بخسارتها أكثر من 4% من قيمتها في يوم واحد مقابل الدولار واليورو، متجاوزة عتبة 15 ليرة لليورو.
قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن بلاده تواجه «مضاربات بأسعار الصرف والفائدة»، «كما همّت تركيا للخروج من نظام الفائدة المرتفعة تواجه ضغوطات بمثل هذه المضاربات والتلاعبات»، ولقد منعنا بلادنا من الانزلاق في مأزق بهذه الطريقة، ولن نسمح بذلك، وأضاف «نحن هنا نواجه مضاربات في أسعار الصرف، ومن ثم لا أحد غيرنا سيتصدى لذلك.
وبين اوردغان ان هناك صناديق مالية عالمية قصيرة الأجل تدخل البلاد لتحقيق أرباح عالية من الفوائد»، وان هذه الأموال الساخنة يمكن أن تخفض سعر الصرف موقتًا، ولكن ليس وضعًا مثاليًا.
يعيش المواطن التركي وضعا اقتصاديا سيئا بسبب تراجع النشاط الاقتصادي، وهبوط الليرة ما أدى لانخفاض الثقة في الاقتصاد، وأظهرت بيانات لمعهد الإحصاء التركي، أن الثقة في اقتصاد البلاد تراجعت 2% على أساس شهري في نوفمبر/تشرين الثاني إلى 99.3 نقطة.
وتقرأ التوقعات المتفائلة عندما يكون فوق 100 نقطة والمتشائمة عندما ينخفض عنها، قد وصل في العام الماضي إلى مستوى متدنٍ قياسي قبل أن يتعافى مع تخفيف قيود كورونا في الصيف، وقفز المؤشر فوق 100 نقطة في يوليو/تموز للمرة الأولى منذ مايو/أيار 2018.
أظهرت بعض الدراسات ان عدد خريجي الجامعات في البلاد من الذين لا يعملون في أي وظيفة، مليون و 350 ألفًا مقابل 565 ألفاً آخرين لا يرغبون بالعمل بعدما فقدوا الأمل في العثور على وظائفٍ مناسبة، ، وهو ما يتضارب مع تصريحاتٍ سابقة للرئيس التركي قال فيها إن “معدل توظيف طلاب الجامعات يلفت الانتباه في تركيا لارتفاعه” مما يدلل السياسات الاقتصادية الحكومية لا تساعد في خلق فرص عملٍ إضافية، وهي مشكلة تضاف لأزمات اقتصادية أخرى تعاني منها البلاد.

ومن المعروف ان الاضطرابات الاقتصادية تؤثر وتتأثر بالسياسية؟ هذا السؤال محل مناقشة تدور على نطاق واسع الآن، حيث ان التضخم المرتفع الذي طال أمده وفجوة العجز المتزايدة الاتساع يطاردان الاقتصاد التركي حتى قبل اندلاع جائحة كوفيد – 19، فعلى مدار عشرة أعوام، تجاوزت توقعات التضخم هدف 5 في المئة بأكثر من النصف. وكانت قيمة الليرة التركية في انخفاض مستمر مقابل الدولار منذ أواخر 2017، مع انخفاض بلغ 20 في المئة 2018، وأفضت الجهود العنيفة لتكييف السياسات خلال الجائحة، وتركيبة غير مستدامة من السياسات، التي اعتمدت على النمو الائتماني المفرط، فضلا عن بيع احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي للتعويض عن تدفقات رأس المال إلى الخارج، إلى توليد مزيد من نقاط الضعف.
وسجل معدل التضخم في تركيا في شهر أيار 2021 ارتفاعا وارتفع معدل التضخم السنوي إلى 17.1 في المائة مقابل 16.2 في المائة في نيسان.
ورفع البنك المركزي توقعاته لمعدل التضخم في نهاية العام إلى 12.2 في المائة من 9.4 في المائة، لكنه ما زال دون توقعات السوق.
حيث سجل الحساب الجاري التركي أصغر عجز في ستة أشهر في بداية الربع الثاني ، مع انخفاض العجز إلى 1.7 مليار دولار في أبريل (أبريل 2020: -5.3 مليار دولار ؛ مارس 2021: -3.3 مليار دولار أمريكي). تجاوزت الطباعة توقعات محللي السوق بتيار أكبر ، على الرغم من أنها استفادت من تأثير القاعدة الداعم. علاوة على ذلك ، انخفض عجز الحساب الجاري على أساس المبلغ المتجدد لمدة 12 شهرًا إلى أدنى مستوى له في سبعة أشهر عند 32.7 مليار دولار أمريكي (مارس: -36.2 مليار دولار أمريكي).

بين ميزان الحساب الجاري التركي فائضًا قدره 1.7 مليار دولار أمريكي في سبتمبر ، مسجلاً ثاني فائض على التوالي وأكثر من الضعف من فائض أغسطس البالغ 0.8 مليار دولار أمريكي (سبتمبر 2020: عجز 2.3 مليار دولار أمريكي)، ثم تقلص عجز الحساب الجاري إلى 18.4 مليار دولار أمريكي من 22.4 مليار دولار أمريكي في أغسطس.

كان التحسن السنوي مدفوعا بفائض تجارة الخدمات الأوسع نطاقا وتقلص العجز في تجارة السلع. على صعيد الخدمات، أدى الانتعاش في قطاع السياحة إلى التحسن، قفز عدد السياح الوافدون ما يقرب من 60٪ في سبتمبر ، وانخفض عدد الأشخاص الذين زاروا البلاد في الشهر بنسبة 33٪ فقط تقريبًا مقارنة بعام 2019.
اما على صعيد تجارة البضائع ، فكان الطلب الخارجي ثابت وتحسين القدرة التنافسية بسبب ضعف العملة شهد شهرًا آخر من النمو القوي للصادرات (ايلول: + 30.7٪ على أساس سنوي ؛ اب : + 54.3٪ على أساس سنوي). في غضون ذلك ، توسعت الواردات بوتيرة أضعف بنسبة 11.0٪ في أيلول (اب : + 23.1٪ على أساس سنوي).

اما فيما يخص الحساب المالي، كان هناك صافي تدفق بقيمة 2.2 مليار دولار أمريكي في سبتمبر. انخفضت التدفقات الواردة في شهر اب البالغة 9.8 مليار دولار أمريكي، ولكنها تتناقض مع صافي التدفقات الخارجة البالغة 2.0 مليار دولار أمريكي المسجلة في أيلول 2020،
وجاءت القراءة مدفوعة بانخفاض العملة والودائع في البنوك التركية لدى نظيراتها الأجنبية، والاستثمار القوي في المحفظة والاستثمار المباشر. وأخيراً، ارتفعت الاحتياطيات الرسمية بمقدار 5.6 مليار دولار في الشهر.

الموقف الخارجي لتركيا اخذ بالتحسن والقيود على مستوى العالم، ما أدى إلى دعم قطاع السياحة وصادرات السلع، عملت الليرة الأرخص على تحسين القدرة التنافسية للسلع التركية بشكل كبير، ولا يزال من المتوقع أن تشهد البلاد عجزًا في الحساب الجاري العام المقبل وما بعده.

وتعد عائدات السياحة الأقوى مواتية لعجز الحساب الجاري في عام 2021 ، والذي يمكن أن يظل أقل من توقعاتنا البالغة 3.0٪ من الناتج المحلي الإجمالي. في عام 2022 ، يمكن أن يقابل التحسن المستمر في إيرادات السياحة عجز تجاري أكبر. نتوقع عجزًا في الحساب الجاري بنسبة 2.9٪ من الناتج المحلي الإجمالي العام المقبل. إن التخفيف الأخير للسياسة النقدية والضعف المتجدد في الليرة التركية يشكلان مخاطر صعود وهبوط لهذه التوقعات “.

يتوقع الخبراء ان تسجل تركيا عجزًا في الحساب الجاري بنسبة 2.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022. وفي عام 2023 ، ترى اللجنة أن عجز الحساب الجاري يتوسع إلى 2.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي.

قطاع مصرفي يواجه تقلبات السوق
أكد محافظ البنك المركزي التركي، أن القطاع المصرفي قادر على التغلب على تقلبات السوق، وأعلن أنه ناقش التخفيضات الأخيرة في أسعار الفائدة مع ممثلين عن البنوك في اجتماع بعد انخفاض الليرة التركية إلى مستويات قياسية.
وبعد اجتماع مع مصرفيين جاءت التقييمات عامة للتطورات الاقتصادية، وأشار إلى أن القطاع المصرفي “قوي للغاية”.
ختاما إن سقوط الليرة أمر مؤلم وخطير للغاية بالنسبة لتركيا، لا سيما بالنظر إلى العجز المزمن والكبير الذي تعاني منه في ميزان التجارة الخارجية وكذلك العجز في الحساب الجاري Current account.
أمام تركيا خيارات قليلة وصعبة للغاية لتنمية اقتصادها، حيث يتطلب الوضع متابعة سياسة خارجية نشطة ومستقلة نسبياً. فليس هناك يقين من أنه سيتمكن من إبقاء الوضع الداخلي تحت السيطرة. وسرعان ما سيتعين عليه الاختيار بين بيع دوره في الشؤون الدولية وبين زعزعة الاستقرار الداخلي نتيجة للأزمة الاقتصادية في البلاد. فهل سنشهد منافسة امريكية ام صينية لإنقاذ الوضع او قلب المعادلة بأكملها في المنطقة .

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية