دعت مجلة «ميدل إيست بريفينج» الأمريكية العرب إلى تشكيل جبهة سنية وتبني نهجا مشتركا لمواجهة أي تدخل إيراني، والدخول في حوار معها في نفس الوقت، معتبرة أن ولي ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» بطل المحادثات مع الإيرانيين.
وذكرت المجلة الأسبوعية في تقرير لها أن «محمد بن سلمان» التقى مع الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» أواخر الشهر الماضي في خطوة هامة من قبل الأمير الشاب لمحاولة إعادة التقارب بين البلدين.
وبعد الزيارة، ظهرت تقارير في وسائل الإعلام وفي كل مكان عن جهود لبناء «جبهة سنية» ولكن أي جبهة هي؟ وأين نجدها تحديدا؟
وما يزال الإعلام المصري يهاجم المملكة العربية السعودية من وقت لآخر، ربما هي «حرية التعبير». ولكن ذلك سيكون نوع غريب من «حرية التعبير» حيث يوجد في الواقع أهداف محددة له، بينما الشخصيات الرسمية محصنة بلاشك من أي نقد سلبي.
وتتحسن العلاقات ببطء بين القاهرة والرياض. ويدرك الجانبان العواقب السلبية لأي نزاع خطير بينهما. ومع ذلك، فهناك اختلافات حول قضية جماعة الإخوان المسلمين، بحسب التقرير.
كما لا يتفق البلدان تماما في بعض القضايا مثل ليبيا وحماس وسوريا، والعلاقات مع إيران والعديد من المشاكل الأخرى في المنطقة.
والعلاقات السعودية مع باقي دول مجلس التعاون الخليجي ليست دائما في أفضل حال، بعيدا عن التعبيرات التقليدية الدبلوماسية مثل المصير المشترك والأهداف المشتركة.. الخ.
وتعتبر أزمة النفط الأخيرة بين الكويت والمملكة العربية السعودية مثال على هذه العلاقات المتأزمة. كما تعتبر العلاقات السعودية العمانية ”رسمية“، وتقصف الرياض بالفعل اليمن، ولا تتوافق مع الأردن حول العديد من القضايا.
جبهة سنية؟ أي جبهة؟
عدم وجود هذه الجبهة بالمعنى الحقيقي، ليس خطأ بلد بعينه، فالمشكلة تكمن في مفهوم الجبهة في المنطقة.
ويتحدث رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الأسبق الجنرال «مارتن ديمبسي»، وهو مفكر وجندي، عن صراعه من أجل صياغة «عقيدة الشراكة».
ويقول إن المفهوم نفسه لديه الكثير من المتغيرات، في حقبة ما بعد الحرب الباردة لدينا مثال واحد فقط لهذا المسعى. وهو الذي ضربه الثلاثي الرئيس الأسبق «جورج بوش» الأب، و«برنت سكوكروفت» (مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق) و«جيمس بيكر» (وزير خارجية أسبق) . وما ساعد هذا الثلاثي هو وجود هدف واضح ومقبول دوليا وقتها وهو طرد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين من الكويت.
وتعد الشراكة تحديا كبيرا في وضع عالمي مائع. ويمكن تحقيق درجة منها عندما يكون لدينا أزمة على المدى الطويل وبشكل غير مستقر مثلها في ذلك مثل أمن أوروبا خلال الحرب الباردة.
ولكن في ظروف أخرى، فإنه لا يعدو أن يكون مبدأ لتنظيم الفكر . فالشراكات الآن ستكون مؤقتة، وحول أهداف محدودة جدا.
وخلاف ذلك، فهي مجرد علاقات طبيعية مع الدول الصديقة على أساس المصالح المتبادلة والمخاوف المشتركة. وبعبارة أخرى، هو العمل على النحو المعتاد.
وفي الوضع غير المستقر المعقد للعالم الحالي، هناك خطأ شائع يقع فيه كثير من القادة والخبراء الاستراتيجيين في العديد من العواصم وهو المبالغة في تقدير قدرات وسلطات بلدانهم.
ومن الأمثلة الصارخة على ذلك حرب العراق عام 2003. وكانت المعادلة البسيطة لهذه الحسابات الخاطئة: لدينا القوة والمال والإرادة، بينما الآخرين، و(الحلفاء المحتملين)، ليس لديهم ما نمتلكه. وهذا يؤدي إلى مشكلة تتعلق بوجود وجهة نظر انعزالية في حين أنك تبني شراكة أو جبهة.
وبعبارة أخرى، ما يلزم لبناء جبهة سنية في الشرق الأوسط هو في البداية وضع تصور لمصطلح الجبهة في سياق الظروف الراهنة.
ويجب الإجابة عن العديد من الأسئلة: ما هي بالضبط مهمة هذه الجبهة؟ لماذا يجب أن تكون ”سنيّة“ وليس ”حلف عربي“؟ ما هي الأدوات المقترحة وآليات اتخاذ القرار لتجميع الفاعلين؟ كيف يمكن التعامل مع الصراعات الجزئية بين الأهداف والمصالح الجماعية لكل بلد على حدة وحلها؟
إن فتح حوار سياسي وتنمية العلاقات الاقتصادية والثقافية مع إيران يجب أن يسير جنبا إلى جنب مع تعزيز الدفاعات العربية لأي تدخل إيراني في المنطقة. ومن المفهوم الخاطئ أن العلاقات الثنائية بين البلدين وفتح قنوات يعني مزيد من التعرض لتدخل العدو.
وأثناء بناء الدفاعات الخاصة بك، فمن الأفضل أن يكون هناك حوار مستمر مع الخصم. حتى إن الحوار قد يقلل من اندفاع طهران للتدخل في شؤون جيرانها.
وفي الوقت الذي تتحدث مع العدو يجب مع ذلك الاستمرار في بناء الحصانة الخاصة بك تفاديا لتدخل العدو.
«محمد بن سلمان» بطل السعوديين
ويعتبر السعوديون الأمير «محمد بن سلمان» بطلا، وهو مهندس الحرب في اليمن ومناسب تماما ليكون بطلا للمحادثات مع الإيرانيين.
ذهب الرئيس المصري الراحل «أنور السادات» إلى إسرائيل من أجل قضية السلام.
والسلام هو أكثر ما يحتاجه الشرق الأوسط في اللحظة الراهنة. ويجب إدراك في وقت مبكر أنه إذا لم يقم العرب بتبني نهجا مشتركا تجاه إيران، وقام كل بلد باتباع أجندته الخاصة ما سنراه هو الفوضى الكلية.
ولتجنب هذا، يجب بناء نهجا مشتركا على قواعد مرنة يتضمن الحد الأدنى من الأسباب المشتركة.
وينبغي تنظيم التقارب مع إيران بشكل جماعي، وإلا، فإن النتيجة ستكون تزايد التوتر داخل المعسكر العربي، بدلا من بناء الجبهة السنية المطلوبة.
وعليه يجب الإجابة عن سؤال ماذا يمكن أن يفعل كل عضو لمواجهة أي تهديد إيراني حقيقي لأي بلد في المنطقة.
وعلاوة على ذلك، ينبغي حظر التحريض الطائفي، ولا ينبغي السكوت على تزايد التحريض الطائفي بعد الآن. فهي لا تساعد على الحد من محاولات إيران اختراق العالم العربي.
ومع ذلك، فإن مسألة فتح الأبواب لجماعة الإخوان المسلمين يجب مناقشتها بعناية فائقة.
المشكلة مع الإخوان هو أن لديهم بالفعل مشروع سياسي يتعارض مع الوضع الراهن في الخارطة السياسية للعالم العربي.
وفيما يتعلق بمسألة منحهم مقعد في الجبهة السنية المقترحة يجب أولا الإجابة على سؤال عما سيحدث إذا رفضت دولة مثل مصر، عدم المشاركة في أي شيء مع جماعة الإخوان المسلمين (كما هو الحال الآن). وما هو تأثير إعطاء مقعد لهذه الجماعة مثلا في حالات أخرى مثل السلطة الفلسطينية، والأردن، والأزمة في ليبيا والحرب في اليمن.
بالنسبة لأولئك الذين يكررون تجربة الستينات كمثال للتعاون بين المملكة العربية السعودية وجماعة الإخوان، يجب أن نفهم أن جماعة الإخوان قبل عام 2011 ليست هي بعد. ثورة يناير/ كانون الثاني 2011؛ فقد شهد مضمون النظرية السياسية لجماعة الإخوان المسلمين تحولا كبيرا.
وعلى أي حال، يجب دراسة اللاعبين من غير الدول في ما يسمى بالجبهة السنية دراسة جادة.
وبالنسبة لأولئك الذين في القاهرة الذين يلمحون إلى فتح قنوات مع طهران، فهي فكرة خطيرة جدا للعب في لحظة حساسة كهذه.
في الأيام القليلة الماضية، وخاصة بعد زيارة «بن سلمان»، بدأت القاهرة تتخذا موقفا تضامنيا أكثر حزما مع المملكة العربية السعودية. وينبغي تشجيع هذا الأمر حيث يتطلب الوقت الحالي طمأنة العرب إلى أن مصر ستقف معهم للدفاع عن المنطقة إذا تعرضت لهجوم.
الرياض كذلك لا ينبغي أن تفترض أنه بطبيعة الحال أن جميع البلدان سوف تحصل على نفس التقارب بنفس الحماس ووفقا لما تريده، يجب أن تبدأ الرياض في النظر إلى جميع البلدان الأخرى كشركاء على قدم المساواة مع وجهات النظر والمصالح المختلفة. يجب أن يكون الشعار العام هو «من كل طرف بقدر المستطاع.. لكل طرف حصة في أمن منطقة الشرق الأوسط».
ترجمة: هند القديمي
موقع الخليج الجديد