لم يكن مستغرباً أن ترسل كل من روسيا والصين، إلى جانب كوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا، رسالةً إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، تطالب فيها برفع العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على النظام السوري، كي تتسنّى له مواجهة تفشي انتشار فيروس كورونا، لأن كلا النظامين، الروسي والصيني، اعتادا الوقوف إلى جانب نظام الأسد في كل جرائمه، وحاولا استغلال كل القضايا الإنسانية، وغير الإنسانية، من أجل دعم النظام، وإعادة إدماجه في المجتمع الدولي، سواء من باب إعادة الإعمار، أو من باب إعادة اللاجئين الذين شردهم نظام الأسد نفسه، لذلك يستغل الساسة الروس ونظراؤهم الصينيون وسواهما جائحة كورونا، من أجل تجديد دعمهم نظام الأسد.
وجاءت الرسالة بعد أيام على الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، إلى دمشق، في 23 من آذار/ مارس الماضي، ولقائه رئيس النظام السوري. وحاولت موسكو تسويقها في إطار مساعيها الإقليمية والدولية لرفع العقوبات عن النظام، مستغلة قضية إنسانية، بدلاً من إلزامه بوقف إطلاق نار شامل، واتخاذ خطواتٍ ملموسةٍ لحماية المدنيين في مناطق سيطرته، والكشف عن مصير عشرات آلاف المدنيين في زنازين النظام في ظروف غير إنسانية، أو على الأقل حثّه على أن يفتح معتقلاته أمام اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والسماح لممثليها بزيارتها، وأن يطلق سراحهم، بدلاً من العفو الذي أصدره عن مرتكبي الجرائم وتجار المخدّرات.
ويحاول نظام الأسد استغلال تفشّي فيروس كورونا، كي يجدّد دعوته إلى الأمم المتحدة لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، وعلى داعميه في نظام الملالي الإيراني، وتسويق ذلك عبر دعوة المجتمع الدولي إلى “احترام مبادئ القانون الدولي الإنساني وقدسية الحياة البشرية”، والتي لا يقيم لها النظام أي وزن أو اعتبار.
واللافت تلقف بعض الأنظمة العربية هذه الدعوات، كي تهرول إلى تجديد محاولاتها تطبيع
“لم يتوقف النظام عن هجماته في إدلب وسواها، وعن تهديداته باجتياحها”علاقاتها من نظام الأسد الإجرامي، حيث سارع ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، إلى الاتصال برأس النظام بذريعة الاعتبارات الإنسانية، وتغليبها على الاعتبارات السياسية، وهو اعتبار يفقد مصداقيته مع نظام الأسد الذي داس على المبادئ والأعراف الإنسانية في تعامله الوحشي مع السوريين، عبر إبادة مئات آلاف منهم، وتهجير الملايين الذين باتوا بلا مأوى يحميهم من كورونا.
ويبدو أن استغلال بعض الأنظمة العربية فرصة انتشار كورونا يلاقي محاولات النظام الاستفادة منها أيضاً، وقد وجدها فرصة للتكسّب، مثلما وجدتها الأنظمة المتسلطة فرصة لإيقاف ثورات الاحتجاج عليها في أكثر من بلد عربي، وهي تلتقي مع محاولة الروس والصينيين، والأنظمة العربية المهرولة نحو تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، التسلل عبر يافطة التضامن الإنساني، كي تتستر على جرائم النظام، وتقفز على حزمة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية لمنع النظام من الإفلات من العقاب عن الجرائم البشعة التي ارتكبها ضد غالبية السوريين خلال السنوات التسع الماضية، وهي محاولةٌ بائسة يستخدمها ساسة هذه الدول، بغية دعم استمرار هذا النظام في الإمعان في قتل المدنيين، والانقضاض على ما تبقى منهم في المناطق الخارجة عن سيطرته.
ولا شك في أن التصدّي لتفشي فيروس كورونا مهمة جميع الأنظمة السياسية الحاكمة، بغية حماية مواطنيها، ولكن نظام الأسد لا يهمه سوى حماية نفسه وأزلامه، ولذلك لجأ، في البداية، إلى إنكار
“نظام الأسد يريد ابتزاز المجتمع الدولي، بغية الإفلات من العقوبات المفروضة عليه”وجود الفيروس في سورية. وهو نهج اعتاد عليه النظام المذكور في التعامل مع الأزمات والكوارث التي حلت بسورية والسوريين، ثم راح يستغل انتشار الفيروس بغرض كسب التعاطف الدولي، والدعوة إلى رفع العقوبات، فيما عمد إلى استغلال الهلع من انتشار الفيروس للتضييق على حياة السوريين في مناطق سيطرته، عبر إذلالهم وجعلهم يقفون ساعات طويلة في طوابير تنتظر الحصول على رغيف الخبر والمواد الأساسية للعيش.
وعلى الرغم من محاولات النظام والروس والأنظمة العربية المتهافتة نحو التطبيع مع نظام الأسد، إلا أن المجتمع الدولي يعي طبيعة نظام الأسد الذي سيعمد إلى استغلال انتشار الفيروس لابتزاز المجتمع الدولي، عبر استخدامه السوريين رهائن. وبالتالي، يجب أن لا تمرّ مساعدة السوريين في مواجهة الوباء عبر هذا النظام الإجرامي، لأنه نظام لا يكترث بحياة السوريين، بل سيحاول الاستفادة من تفشّي الفيروس لتسويق نفسه، وتلميع صورته، وفي الوقت نفسه، لن يكترث بمصير من اضطروا على البقاء في مناطق سيطرته، بل ينظر إليهم بوصفهم حملا ثقيلاً عليه التخلص منه.
أما السوريون في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، فلم يتوقف النظام عن هجماته عليهم في إدلب وسواها، وعن تهديداته باجتياحها، على الرغم من نداءات الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، إلى وقف فوري وكامل لإطلاق النار، فضلاً عن تحذيرات المبعوث الأممي الخاص، غير بيدرسون، من تدهور الأوضاع في سورية وانهيارها، ومن أن أي تصعيد عسكري ستكون له آثار إنسانية كارثية، خصوصا في هذه الظروف التي تتطلب منتهى الحيطة بسبب الخوف من تفشي الوباء، لكن نظام الأسد يريد ابتزاز المجتمع الدولي، بغية الإفلات من العقوبات المفروضة عليه، فيما يحاول قادة العالم التقليل قدر الإمكان من الكوارث والأزمات في الظروف الحالية.
عمر كوش
العربي الجديد