استغل المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، الذي تتفاقم حالة جنون الارتياب لديه، خطابه السنوي في عيد النوروز في 22 آذار/مارس لتوجيه انتقادات حادة للولايات المتحدة متهماً إياها بشن حملة حرب بيولوجية مصممة جينياً ضد بلاده. وناهيك عن المخاوف التي يثيرها هذا الخطاب بشأن صحته العقلية، فقد يكون أيضاً إشارة إلى فصل جديد من العدائية بين البلدين، ولا سيما في ضوء التحركات الأخيرة التي قام بها «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني.
نظريات مؤامرة بين الإنس والجن
باستناده إلى الفصل 6، الآية 112 من القرآن الكريم، صنف خامنئي أعداء إيران ضمن مجموعتين، الجن والإنس مدعياً أنهما “يتعاونان استخباراتياً” بشكل وثيق مع بعضهما البعض. وإذا كانت مثل هذه اللغة تدعو للسخرية والزخارف البلاغية، فهي مقلقة وخطرة إلى حد كبير عندما تصدر من القائد العام لنظام مسلّح جيداً ومعادٍ بشكل واضح. كما اتهم واشنطن بهندسة جينية لسلالة من فيروسات كورونا لاستخدامها على الإيرانيين و”دراسة تأثيراتها”.
وكانت أفعال النظام هي الأكثر أهمية من هذا الخطاب: فقد أوعز خامنئي إلى الحكومة برفض أي مساعدة أمريكية، بينما طرد «الحرس الثوري» الإيراني فريقاً من الأطباء الفرنسيين يمثلون منظمة “أطباء بلا حدود” بعد اتهامهم بالقيام بأنشطة غير طبية. وفي أعقاب ذلك، وبناءً على تعليمات خامنئي، أعلنت وزارة الصحة الإيرانية في 23 آذار/مارس أنه تمّ تحويل القوى العاملة والموارد المتاحة، التي هي بالكاد متوافرة أساساً، للتحقيق فيما إذا كانت البلاد قد تعرضت لحرب بيولوجية.
وتطرق خطاب خامنئي إلى مزيد من التفاصيل حول هذه المؤامرة المفترضة. فوفقاً له، “يتردد أن الأعداء استخدموا شتى الوسائل لجمع بيانات عن التركيبة الجينية الإيرانية واستخدموا هذه البيانات لتصميم سلالات خاصة بإيران”. ربما كان يشير إلى مشاريع علمية مثل مشروع الجينوم البشري الإيراني (“ايرانوم”) الذي سعى إلى تحديد جينومات الجماعات العرقية الإيرانية المختلفة. وانتهى المشروع الذي ترأسته “جامعة الرعاية الاجتماعية وعلوم التأهيل” في طهران في عام 2019 بالتعاون مع اثنين من المعاهد الألمانية: “مركز كولونيا لعلم الجينوم” و”معهد ماكس بلانك لعلم الوراثة الجزيئي” في برلين.
وفيما يتخطى الشق البلاغي في خطاب خامنئي، فإن تعليقاته تُعتبر خطيرة من وجهة نظر أمنية أوسع نطاقاً. فقد وصف ضلوع الولايات المتحدة المفترض في نشر فيروس كورونا بأنه عمل “إرهابي”، مما يزيد من احتمال سعي إيران إلى الانتقام بوسائل عسكرية أو “عينية”، إذا كانت لا تزال تملك هذه القدرات (على سبيل المثال، تفيد بعض التقارير أن النظام اختبر عوامل بيولوجية خلال الثمانينيات).
جهود احتواء الكورونا في إيران
جاءت تعليقات خامنئي المثيرة للجدل وسط استمرار عدم اليقين بشأن من يقود جهود البلاد لمكافحة الوباء. وكانت “المنظمة الوطنية للدفاع السلبي” التابعة لـ «الحرس الثوري» مسؤولة تقليدياً عن مكافحة التهديدات البيولوجية وأنشأت شبكة دفاع بيولوجي عبر جميع المحافظات منذ سنوات، برئاسة محافظين على أن يكون قادة «الحرس الثوري» نواباً لهم.
ووفقاً لرئيس “المنظمة الوطنية للدفاع السلبي” الجنرال غلام رضا جلالي، تمت تنحية منظمته بالكامل عندما شكلت الحكومة مركزاً وطنياً لمكافحة الكورونا، يقوده الرئيس حسن روحاني. وفي 12 آذار/مارس، بعد “دراسة الأدلة التي تشير إلى هجوم بيولوجي”، أوكل خامنئي هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية وقائدها اللواء محمد الباقري، مهمة تنسيق جهود الدفاع البيولوجي التي يبذلها الجيش، ويؤسس في سياق ذلك “مقرات للرعاية والعلاج”.
طهران لا تتراجع
لا تزال المشاكل القديمة للشرق الأوسط قائمة حتى وسط التأثيرات المحلية والعالمية غير المسبوقة للوباء. ولا تُظهر طهران أي إشارات على التراجع عن موقفها المتحدي رغم اضطرارها إلى تكريس قدر كبير من مواردها لاحتواء الفيروس. وتواصل قواتها الوكيلة شن هجمات صاروخية فتاكة على القواعد الأمريكية في العراق.
من جهتها، تُظهر واشنطن عزماً على مواصلة حملة “الضغط الأقصى” التي تنتهجها. كما تقوم إلى حدّ ما بتعزيز وضعها العسكري في المنطقة من خلال عمليات انتشار جديدة وتدريبات مشتركة. وفي هذا السياق، انضمت حاملة طائرات ثانية (“يو.إس.إس. آيزنهاور”) إلى “يو أس أس ترومان” في المنطقة، وللمرة الأولى منذ عدة سنوات، تمّ إرسال أنظمة دفاع صاروخية من نوع “باتريوت” لحماية بعض العناصر والأصول الأمريكية على الأقل في العراق. ولا تغب أي من هذه التطورات عن انتباه المخططين الاستراتيجيين لدى «الحرس الثوري»، الذين يعتبرون على الأرجح هذه التدابير إما غير كافية (من حيث الدفاع الصاروخي) أو مؤقتة (حاملة الطائرات الثانية). وسيتطلعون إلى استئناف “العادات القديمة” عاجلاً وليس آجلاً، بإعادتهم التأكيد على الزخم الذي أظهره «الحرس الثوري» في الآونة الأخيرة رغم أن جزءاً كبيراً من قدرته المحلية – وقدرة الجيش التقليدي (“أرتش”) – مسخّر إلى حدّ كبير للتعامل مع تأثيرات الفيروس والفيضانات الموسمية التي تطال جميع أنحاء البلاد.
ولهذا السبب يحرص خامنئي كما يُفترض على تركيز غضب النظام وتوجيهه من جديد نحو العدو القديم وسط أزمة وطنية. وبدلاً من الصبر الاستراتيجي، يمكن للمرء أن يتوقّع حتى تصعيداً أكبر في العنف الذي يمارسه الوكلاء ضد قوات الجيش الأمريكي ومصالح الولايات المتحدة في المنطقة. وقد تسعى مثل هذه الهجمات إلى التسبب في سقوط ضحايا أمريكيين وتحث على رد عسكري مباشر ضدّ إيران – الأمر الذي قد يؤدي بدوره إلى جولة من الإجراءات وردود الفعل التي يبدو فيها «الحرس الثوري» الإيراني واثقاً من قدرته على الانتصار، عسكرياً وبلاغياً على حدّ سواء.
ومن الجدير بالذكر أن جميع هذه التطورات يمكن أن تسبب مشاكل سياسية محلية. فقد يساهم التصعيد العسكري على توسيع الخلاف بين حكومة روحاني و«الحرس الثوري»، مما يزيد من تقويض الحوكمة. وقد تأتي تصريحات خامنئي الشيطانية الصارخة – التي تجاوزت إشاراته السابقة إلى الموضوع – بنتائج عكسية من خلال ترسيخ القناعة في أذهان الناس داخل النظام وخارجه بأن المرشد الأعلى البالغ من العمر 80 عاماً يفقد صوابه فعلياً.
الخاتمة
بالنظر إلى إظفاء الطابع الأمني بشكل متزايد على إجراءات مكافحة الفيروس في إيران، من المرجح أن يتم تصنيف المعلومات المتعلقة بانتشار الوباء واحتوائه على أنها سرية في الفترة المقبلة، حتى لو كانت هذه المقاربة تعيق الجهد الدولي الأوسع نطاقاً. فضلاً عن ذلك، وفي ضوء لهجة المرشد الأعلى المليئة بالكراهية ونزعة «الحرس الثوري» إلى الحذو حذوه، يتعين على الولايات المتحدة االنظر في إمكانية قيام «الحرس الثوري» بشن هجمات انتقامية، وإعدادها تدابير رادعة مناسبة. وقد تشمل الخطوات المحتملة للإرهاب الإيراني شن هجمات تقليدية على منشآت بيولوجية تسفر عن نشر مسببات الأمراض، أو حتى إطلاق الإرهاب البيولوجي المباشر في إطار أسوأ السيناريوهات.
وأخيراً، لا ينبغي اعتبار الآثار الجائحة للوباء داخل إيران دليلاً على انخفاض التهديد العسكري الإيراني. يجب على واشنطن الاستمرار في أخذ تهديد «الحرس الثوري» على وجودها العسكري في المنطقة على محمل الجدّ، ونشر قدرات دفاعية جوية وصاروخية فعالة في العراق وربما حتى في أفغانستان من أجل ردع أي هجمات. وفي حين لا يمكنها الحفاظ على موقف قوة يتمثل بحاملتي طائرات في المنطقة إلى ما لا نهاية، إلّا أنه لا يزال يتعين عليها الحفاظ على ميزة نوعية وكمية مثبتة في الدول المجاورة لإيران – وربما الأهم من ذلك، إظهار المصداقية بأنها ستردّ في المكان والزمان المناسبين.
فرزين نديمي
معهد واشنطن