في 30 آذار/مارس، قام العميد إسماعيل قاآني، قائد «فيلق القدس» – وحدة القوات الخاصة التابعة لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني – بزيارة غير معلنة للعراق. واجتمع مع عدد من كبار المسؤولين وقادة الميليشيات خلال رحلته القصيرة، بمن فيهم هادي العامري (رئيس «منظمة بدر»)، وعمار الحكيم (رئيس «تيار الحكمة الوطني»)، ومحمد رضا السيستاني (نجل آية الله العظمى علي السيستاني).
وكان لهذه الزيارة غير المعلنة، التي لم تحصل على أي تغطية إعلامية تقريباً في إيران، دافع رئيسي مزودج: توحيد الميليشيات الشيعية لمواجهة الحقبة الجديدة التي تتكشف معالمها منذ أن قامت الولايات المتحدة باغتيال قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني وقائد «كتائب حزب الله» ابو مهدي المهندس في كانون الثاني/يناير؛ وحشد الدعم ضدّ رئيس الوزراء المكلّف عدنان الزرفي، الذي اعتبرته طهران وعملائها مؤيداً لأمريكا. غير أن قآاني فشل على الجبهتين. وعلى الرغم من تنحي الزرفي في الأسبوع الأخير، إلا أن أياً من المرشحَيْن المفضليْن لإيران (عبد الحسين عبطان وقاسم الأعرجي) لم يحل محله. وبدلاً من ذلك، تم اختيار مسؤول آخر يُعتبر متعاطفاً مع المصالح الأمريكية – وهو رئيس المخابرات مصطفى الكاظمي. وعلى نطاق أوسع، تشير ردود الفعل المتباينة في أوساط أبرز الميليشيات إلى أن «فيلق القدس» سيواجه صعوبات في إعادة بناء قوته في العراق، رغم جهود طهران لتمهيد الطريق عن طريق إرسال أمين “المجلس الأعلى للأمن القومي” علي شمخاني إلى بغداد في وقت سابق في آذار/مارس.
تغيير رئيس الوزراء يكشف عن خطوط الصدع
أعقب زيارة قاآني صدور بيان غير مسبوق في 4 نيسان/أبريل، وقعت عليه ثمانٍ من أبرز الميليشيات الموالية لإيران ضمن «قوات الحشد الشعبي» العراقية، وهي: حركة «عصائب أهل الحق»، «كتائب سيد الشهداء»، حركة «أنصار الله الأوفياء»، «كتائب جند الإمام»، حركة «حزب الله النجباء»، «كتائب الإمام علي»، «سرايا عاشوراء» و «سرايا الخراساني». واستنكر البيان الوجود العسكري الأمريكي المستمر في العراق ووصف الزرفي بأنه عميل أمريكي.
ونظراً لصدور البيان في وقت قريب من زيارة قاآني، فمن المفترض أن يكون قد أُعِدّ بمعرفة «الحرس الثوري» الإيراني. إلا أن «كتائب حزب الله» (الميليشيا القيادية التي تعتبر الأقرب إلى «فيلق القدس») كانت غائبة بشكل واضح عن اللائحة. كما لم تبدِ الجماعة رأيها بشأن اختيار بديل للزرفي. واتفقت الأحزاب الشيعية والكردية والسنية العراقية على منح الكاظمي الفرصة التالية لتشكيل حكومة، غير أن «كتائب حزب الله» رفضته باعتباره موالياً لأمريكا، حتى أنها اتهمته بإعطاء الولايات المتحدة معلومات سرية سهلت قتل سليماني والمهندس.
ومن جانبه، يبدو أن «الحرس الثوري» يلعب لعبة مزدوجة محفوفة بالمخاطر في العراق. فعلى الرغم من أنه قَبِل في النهاية ترشيح الكاظمي كحل وسط من أجل منع الزرفي [من تسلم منصب رئيس الوزراء] وتجنب المزيد من الجمود، إلا أنه يقوم في الوقت نفسه بإعداد «كتائب حزب الله» وراء الكواليس لمواجهة استراتيجية محتملة في مرحلة لاحقة. وفي 6 نيسان/أبريل، أصدرت «كتائب حزب الله» بياناً أعلنت فيه موقفها الحازم ضد أي “حكومة مفروضة” يُفترض أن لديها نوايا تهديدية أو مشكوك فيها. وجاء هذا البيان في الوقت نفسه الذي انتشرت فيه أخبار ترشيح الكاظمي.
كما أن هذه الميليشيا غير راضية عن رفض الفصائل الأخرى مرشحها عبد العزيز المحمداوي (الملقب “أبو فدك”) لقيادة أركان «قوات الحشد الشعبي». فالميليشيات الموالية للسيستاني ضمن «الحشد الشعبي» (“فصائل العتبات”) رفضت ترشيحه علانية، في حين أن الفصائل القوية الموالية لإيران مثل «منظمة بدر» تنأى بنفسها عن قضايا «الحشد الشعبي» منذ فترة من الوقت.
التداعيات العسكرية لزيارة قاآني
جاءت زيارة قاآني وسط تزايد التوترات بين إيران والولايات المتحدة، بالإضافة إلى التعجيل في دمج القوات العسكرية الأمريكية في قاعدتين: الأسد وأربيل. وأشارت تقارير وسائل الإعلام الأمريكية إلى أن بعض الأفراد على الأقل في إدارة ترامب يفضلون التحرك العسكري من أجل تقويض «كتائب حزب الله» بشكل حازم في العراق وحتى لضرب أهداف عسكرية إيرانية إذا وقع المزيد من الأفراد الأمريكيين ضحية لهجمات صاروخية من الميليشيات.
وفي غضون ذلك، حذر اللواء محمد باقري وغيره من كبار القادة الإيرانيين من أي عمل يهدد “أمن إيران”. كما نفى أي دور في الهجمات الصاروخية الأخيرة في العراق أو أي نية إيرانية لمهاجمة “القوات الأجنبية” في المنطقة. وإلى جانب صياغة مثل هذه التصريحات لتجنب نَسْبْ الهجمات المستقبلية إليهم، لا يزال المسؤولون الإيرانيون غير متأكدين مما إذا كان الوجود العسكري الأمريكي المتزايد في المنطقة هو “حرباً نفسية” أو استعداداً لاتخاذ إجراءات حقيقية ضد وكلائهم في العراق وسوريا.
إصلاح التصدعات في جبهة “المقاومة”
لقد وجد قاآني أن مصداقيته تزعزت بشكل أكبر عندما أفادت بعض التقارير أن زعيم “سائرون” مقتدى الصدر رفض الالتقاء به، هذا فضلاً عن عجز قائد «فيلق القدس» عن إقناع الكتل النيابية الشيعية في العراق باختيار مرشح لمنصب رئيس الوزراء موال صراحةً لإيران ومعارض للولايات المتحدة؛ ولم يكن من الممكن تصوّر مثل هذا الرفض عندما كان سليماني مسؤولاً. وذهبت جماعات شيعية أخرى قريبة من إيران إلى حد انتقاد الزيارة ووصفتها بأنها محاولة للتدخل في الشؤون الداخلية للعراق.
وبالنظر إلى رد الفعل هذا، ستسارع طهران بلا شك في الأسابيع المقبلة إلى العمل من أجل إعادة ترسيخ مكانتها في العراق. ويشمل ذلك إنشاء جيل جديد من الجماعات المقاتلة الأكثر تطرفاً والاستثمار فيها على غرار “عصبة الثائرين” و”أصحاب الكهف” من أجل التصدي بشكل أفضل للوجود الأمريكي الراسخ ودفاعاته القوية في العراق.
وتدّعي “عصبة الثائرين”، التي تشكّلت في منتصف آذار/مارس، أنها فصيل “مقاومة” جديد تماماً، على الرغم من أن جميع المؤشرات تشير إلى أن «كتائب حزب الله» هي الجهة المؤسسة لها أو راعيتها. وتبنّت هذه الجماعة الجديدة المسؤولية عن الهجوم الأخير على “معسكر التاجي” الذي أودى بحياة جنديين أمريكيين وجندي بريطاني. وبالمثل، فإن “أصحاب الكهف” هم جماعة ناشئة نشرت مقاطع فيديو تهديدية؛ وأظهر بعضها هجمات غير مؤكدة ضد موكب أمريكي مزعوم، في حين عرضت فيديوهات أخرى مستودعاً مليئاً بصواريخ عيار 122 ميليمتراً. يجب النظر إلى مثل هذه الأنشطة جنباً إلى جنب مع البيان الصادر عن «كتائب حزب الله» في السادس من نيسان/أبريل الذي يدعي أنها ستمتنع عن استهداف القوات الأمريكية خلال انسحابها من قواعدها الأصلية – مما يترك المجال مفتوحاً لاستئناف الهجمات حالما تستقر هذه القوات في مواقعها الجديدة.
الخاتمة
تشير علامات الاستياء الشديد في أوساط وحدات الميليشيات الموالية للسيستاني وتلك الموالية لإيران إلى تشعّب محتمل في صفوف «قوات الحشد الشعبي»، وقد يؤدي تعيين الكاظمي إلى تسريع هذه العملية. ومثل هذا السيناريو سيضر بشدة بشرعية المنظمة كهيئة عسكرية عراقية رسمية. وعلى الرغم من هيمنة الفصائل المدعومة من إيران على «قوات الحشد الشعبي»، إلا أن الكثير من عامة الشعب لا يزالون يكنّون الاحترام لهذه القوات باعتبارها ثمرة فتوى السيستاني من عام 2014 والتي دعا فيها جميع الرجال العراقيين الذين يتمتعون ببنية قوية إلى حمل السلاح ومحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية». وإذا قررت الفصائل التي يشرف عليها مساعدو السيستاني الانسحاب من «الحشد الشعبي»، فقد تلطخ السمعة العامة للمنظمة.
وعلى الرغم من أن المسؤولين الإيرانيين يفضلون بلا شك وجود قوات قوية لـ «الحشد الشعبي» تكون متوافقة مع سياساتهم، إلا أنهم قد ينأوا بأنفسهم عن التنظيم إذا أصبح ضعيفاً وفوضوياً إلى الحد الذي يعيق فيه أهدافهم الكبرى في العراق. وفي هذه الحالة، قد تعود طهران إلى عصر الميليشيات الصغيرة التي تعمل سراً من خلال استخدامها تكتيكات حرب العصابات.
وفي الوقت الحالي، ستضغط إيران على الأرجح من أجل استمرار الهجمات الصاروخية ضد أهداف أمريكية لإلحاق ضرر نفسي وجسدي على حد سواء بالإستراتيجية الأمريكية في العراق، وذلك باستخدام جماعات منشقة أو جرى تجديد شعارها ويصعب تعقّبها. وقد تزيد هذه الهجمات تدريجياً من حيث العدد والخطورة، حيث لن تستهدف القواعد العسكرية الأمريكية المتبقية فحسب، بل مجمع السفارة في بغداد أيضاً.
وهكذا، في حين يتعيّن على الولايات المتحدة الاستمرار في الضغط من أجل تشكيل حكومة موالية صديقة تكون مقبولة لجميع الجماعات العرقية والسياسية العراقية، يجب عليها أيضاً الاستمرار في اتخاذ جميع التدابير الضرورية لتأمين أفرادها وعناصرها [في العراق]. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تواصل تحميل إيران مسؤولية أي نشاط تهديدي تقوم به ميليشيا شيعية [في العراق].
فرزين نديمي
معهد واشنطن