منذ إعلان أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا في فبراير (شباط) 2020، كانت إيران الدولة الشرق أوسطية الأكثر تضرراً من الوباء، إذ سجَّلت معدّلات إصابة ووفيات تعدُّ الأعلى بالعالم، محتلةً المرتبة السابعة عالمياً، وفقاً لخريطة جامعة جونز هوبكينز.
وأساءت الحكومة في طهران، التي تتعرّض إلى ضغوط اقتصادية كبيرة، التصرّف في بداية استجابتها إلى أزمة كورونا. ففي البداية ألقت إيران “اللوم على العقوبات الأميركية”، ومنذ حوالى عامين، تعهّد القادة الإيرانيون مقاومة “الحرب الاقتصادية” التي تشنّها الولايات المتحدة ضد بلادهم، إذ أدّت العقوبات الأميركية إلى “خنق اقتصاد الجمهورية الإسلامية” أكثر من أي وقت مضى، حتى إنّ الرئيس حسن روحاني قال إنّ “المهمة أُنجزت” عندما توجّه بخطاب إلى الإيرانيين في فبراير، متحدثاً عن المرة الأولى التي تُعتَمد ميزانية الدولة من دون الاعتماد على إيرادات من بيع النفط، معتبراً أنّ الأمة “نجت وستنجو من تلك العقوبات”.
وبعد أيام ثلاثة من هذا الخطاب، سجّلت إيران أولى حالات الإصابة بالوباء، ولم يؤدِ التفشي إلى أزمة صحية فحسب، بل كشف أيضاً عن هشاشة آليات الحفاظ على بقاء المواطنين في البلاد. وأغلق كثيرٌ من جيران إيران، بما في ذلك العراق وتركيا وباكستان وأفغانستان وأرمينيا، حدودَهم، أو فرضوا قيوداً على المعابر والتجارة.
نتيجة لذلك أصبحت إيران أكثر عزلة من أي وقت مضى، وطلبت المساعدة الدولية، بما في ذلك قرضٌ بقيمة خمسة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، في حين تشكو من أنّ العقوبات الأميركية “تشلّ قدرتها” على الاستجابة إلى الأزمة. فمنذ الانسحاب الأميركي من خطة العمل الشاملة المشتركة كانت استراتيجية بقاء إيران في وجه العقوبات ترتكز على أبعاد ثلاثة، ألا وهي، تعزيز الإنتاج المحلي، لا سيما في القطاعات الرئيسة مثل البتروكيماويات، والصلب، والإسمنت، والزراعة والتصنيع، وتعزيز الصادرات غير النفطية، وحوّلت تركيزها إلى الأسواق الإقليمية وجهةً للبضائع الإيرانية ومراكز لإعادة الشحن.
جدير بالذكر أنّ الشركات الإيرانية تصنع حوالى 70 في المئة من احتياجات الأدوية في البلاد، ويُجرى استيراد الباقي، الأدوية الجاهزة والمدخلات، ولم يُعاقب أيّ من القطاعين نتاجاً لإعادة فرض العقوبات، لكن تواجهها صعوبة في إجراء المعاملات المالية، مع وجود عدد قليل من البنوك الراغبة في الارتباط بأي شيء له علاقة بإيران، ما جعلها تواجه أزمة في نقص بعض الأدوية، مثل علاجات السرطان، والآن معدات مكافحة الفيروسات.
وأعلن روحاني أنّ الحكومة ستزوّد ثلاثة ملايين أسرة إيرانية بحزم رعاية، لمساعدتهم على التأثير السلبي للتباطؤ الاقتصادي بعد انتشار الفيروس، ووعدَ بتقديم المساعدة الحكومية إلى أربعة ملايين أسرة منخفضة الدخل، حسبما خُصصت الميزانية، كما طالب بقرض قيمته خمسة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، لكن قوبل الطلب برفض أميركي.
ومن جانبٍ آخر تعاني الحكومة في ظل تراجع أسعار النفط بفعل جائحة كورونا، إذ انخفض سعر الخام الإيراني الثقيل إلى أقل من 14 دولاراً للبرميل في 31 مارس (آذار)، ما شكّل ضربة للحكومة التي اعتمدت في موازنتها المالية على أساس سعر 50 دولاراً للبرميل. لذا قرر المرشد الإيراني منح الحكومة نحو مليار دولار من احتياطي الطوارئ بصندوق التنمية الوطنية، وهو صندوق ائتماني أنشئ لتوفير إيرادات النفط.
وفي الوقت ذاته يطالب كثيرٌ من القطاعات العاملة بالمجالات المختلفة بزيادة الحافز الاقتصادي، في وقت تعاني فيه الحكومة الإيرانية ضائقة اقتصادية بفعل العقوبات الأميركية.
إحدى المعضلات الاقتصادية الأخرى التي تواجه إيران هي الصين، التي تعدُّ شريكاً تجارياً رئيساً لإيران ومنفذاً للتجارة معها، وفي ظل خطورة وضع الصين، باعتبارها البؤرة العالمية لتفشي وباء كورونا، فإن إيران ستخاطر بالغضب الشعبي إذا وقّعت عقوداً جديدة تنطوي على شحن طائرات من العمّال الصينيين الذين يصلون إلى البلاد.
لذا، فإنّ العثور على مصادر بديلة للاستثمار في مشروعات البنية التحتية الإيرانية سيكون مستحيلاً، وهو ما يفسّر تأخّر طهران في وقف الرحلات الجوية إلى الصين، وإرسال مساعدات، بالتالي مع تعافي بكين من الجائحة ربما تضغط على طهران لإعادة فتح مجالات التعاون، وهو ما يبرز تبعية إيران إلى الصين، التي تعد الآن الملاذ الأخير للجمهورية الإسلامية، في ضوء عزلتها.
وفي ظل هذه المعضلات التي تحدّ من قدرة طهران على مكافحة الوباء ودعم حاجات وحوافز المواطنين وتوفير الموارد اللازمة، تحاول إيران الأخذ بشعار التوازن بين الاقتصاد والصحة العامة، لذا فعلى الرغم من الحذر الشديد فإنّ حكومة روحاني تمضي قدماً في خطة لإعادة فتح قطاعات محددة من الاقتصاد، التي تعدُّ أقل عرضة للخطر في مواجهة المرض. ومن ذلك استئناف النقل العام نشاطه الطبيعي، وإن كان مع إجراءات صارمة، وقد كان لصور الحافلات المزدحمة وعربات المترو تأثيرها بأن دفعت رئيس اللجنة الحكومية المكلفة مكافحة الفيروس في العاصمة طهران إلى التحذير من أنه لن يكون الأمر “سوى أيام”، قبل أن يهزّ المدينة الضخمة نمو كبير في الإصابة بالعدوى.
لكن، يبدو أنه لن يكون أمام الإيرانيين سوى العودة إلى العمل في ظل وباء يحصد أرواحهم واقتصاد يزداد اختناقاً. أي أنّ إيران تواجه أزمتين متزامنتين، حالة تدهور الصحة العامة، ووضع اقتصادي قاتم، يمكن أن يدفع في نهاية المطاف المتظاهرين مجدداً إلى الشوارع، مع زيادة عدد الوفيات، وفشل النظام في الحفاظ على حياتهم.
هدى رؤوف
اندبندت عربي