عاد لبنان لتشتعل فيه نار الاحتجاج والعصيان، فبعد أن التزم الناس بيوتهم بسبب كورونا، عادوا ليخرجوا إلى الشوارع متظاهرين ضد فيروس آخر لا يقل خطورة، يهاجم لبنان منذ سنين، ولا ينجح في إشفاء نفسه منه. وأحرق المتظاهرون البنوك، وأغلقوا حركة السير واصطدموا بقوات الأمن، احتجاجاً على الضائقة الاقتصادية العسيرة وانعدام أماكن العمل بل وعلى بوادر العوز والجوع.
تشتعل جمرات الاحتجاج في لبنان منذ أشهر عديدة قبل المطر وكورونا، ويتجه الانتقاد ضد “النظام” في لبنان، الذي يخلق فساداً ويشل مؤسسات الدولة.و الحكومة الجديدة التي تشكلت لتوها في محاولة للتصدي للأزمة الاقتصادية هي الأخرى على بؤرة الاستهداف هذه المرة. ولكن من ينبغي لهم أن يقلقوا أكثر من الجميع من استئناف الاحتجاج هم نصرالله ومنظمة حزب الله التي يترأسها، إذ يحملهم كثير من اللبنانيين المسؤولية عن الأزمة.
تمكن حزب الله لسنوات عديدة من التحكم بما يجري في لبنان من خلف الكواليس، ودفع الحكومة في بيروت للعمل كما يشاء، بينما يعرض نفسه كمعارضة تمثل المقهورين والضعفاء في المجتمع اللبناني، ولا سيما أبناء الطائفة الشيعية، في كفاحهم من أجل العدالة الاجتماعية. كما أن حزب الله ادعى بأنه يضمن للبنانيين الاستمرار في الكفاح الذي يخوضه ضد إسرائيل، ولن يضر بلبنان، بل وسيمنحه حصانة يمكن لأبناء الطوائف في الدولة في ظلها أن يواصلوا عيش حياتهم برفاه وحرية، بل وبازدهار اقتصادي.
غير أن أقنعة الدفاع التي لبسها حزب الله باتت تنتزع الواحد تلو الآخر، وانكشف وجهه الحقيقي كمن يهدد بإيقاع كارثة أكبر من مصيبة كورونا على لبنان.
لقد نشبت النار في لبنان منذ نهاية العام الماضي، في ضوء انهيار الاقتصاد اللبناني واحتجاجاً على العجز الذي أبدته الحكومة في بيروت لمعالجة الأزمة. حزب الله، الذي أصبح هدفاً للنقد كونه القوة الأشد في الدولة، أحرج في البداية، ولكنه سرعان ما استغل الاحتجاج كي يقيم حكومة يكون هو وحلفاؤه هم من يعطون نبرتها، حكومة لا تعرقله ولا تنتقد سلوكه. غير أن الوضع الاقتصادي في لبنان تفاقم في ضوء أزمة كورونا. فالليرة اللبنانية فقدت في غضون أسابيع قليلة 100 في المئة من قيمتها، وأكثر من نصف اللبنانيين تدهوروا إلى ظروف الفقر المدقع. والآن يسود في لبنان الاعتراف بأن التصدي للأزمة يتطلب مكافحة ليس فقط لكورونا بل ولحزب الله أيضاً الذي يجعل الدولة منبوذة ويصعب عليها تلقي المساعدات الدولية. ومؤخراً، أعلنت ألمانيا عن حزب الله كله، وليس فقط عن ذراعه العسكري، منظمة إرهابية.
رغم المشاكل الداخلية، يسعى حزب الله لأن يبث “أعمالاً كالمعتاد” تجاه إسرائيل. وقبل نحو أسبوع فقط شق مقاتلوه ثغرات في السياج الحدودي مع إسرائيل، في مسعى لإطلاق رسالة تهديد لها من أن تتجرأ على مواصلة المس بذخائر المنظمة وذخائر إيران في سوريا. غير أن هذه رسالة ضعف. ومثلما في المرات السابقة في السنوات الأخيرة، ومثلما كان بعد تصفية قاسم سليماني، يتبين أن منظمة حزب الله وكذا أسيادها الإيرانيين أقوياء في الأقوال وضعفاء في الأفعال، وأنهم مردوعون ويخافون في هذا الوقت من اشتعال لن يحسن لهم.
كل ما تسعى إليه المنظمة هو أن يدَعوها وشأنها كي تتمكن هي والإيرانيون من مواصلة بناء قوتهما. ولكن يخيل أن هذا بالضبط هو الوقت الذي يحظر فيه على إسرائيل أن تخفف الضغط، إذا كانت ترغب في دحر الإيرانيين عن سوريا وإضعاف حزب الله.
القدس العربي