حذر مستشار رئاسة البرلمان الإيراني منصور حقيقت بور من لجوء بلاده إلى خيارات صعبة في حال تمديد الحظر التسليحي عليها، في حين أكدت أوساط إيرانية أخرى أن طهران تعلمت الالتفاف على العقوبات، ولم يعد بإمكان واشنطن الضغط عليها عبر بوابة الاقتصاد.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن في 8 مايو/أيار 2018 خروج بلاده رسميا من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين إيران ومجموعة (5+1)، معللا ذلك بأنه لم يتضمن ما يكفي لتحجيم برنامج إيران الصاروخي ونفوذها في المنطقة.
وردت طهران في مايو/أيار 2019 على انسحاب واشنطن من الاتفاق وعودة العقوبات بالتخلي تدريجيا عن التزاماتها النووية، إلى أن قالت في يناير/كانون الثاني الماضي إنها غير ملتزمة بأي قيود في برنامجها النووي.
وأضر القرار الأميركي بالانسحاب من الاتفاق النووي بسمعة واشنطن قبل أن يستهدف شرايين إيران الاقتصادية، وفق مستشار رئاسة البرلمان الإيراني، الذي اعتبر أن سياسة ترامب بالخروج من المعاهدات الدولية حوّلت بلاده إلى عنصر غير موثوق فيه على المستوى العالمي، علی حد تعبيره.
ويشير حقيقت بور في حديثه للجزيرة نت إلى أن خروج واشنطن من الاتفاق النووي جعل تنفيذ بنوده مهمة معقدة، محملا ترامب مسؤولية تعطيل بعض بنوده، وشدد على أن واشنطن لم ولن تحقق أهدافها التي غادرت الاتفاق من أجلها.
أوراق إستراتيجية
ويعتبر حقيقت بور أن الظروف الاقتصادية لبلاده تحسنت كثيرا مقارنة مع فترة الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988). مضيفا “عبرنا بالبلاد إلى بر الأمان عندما اضطررنا آنذاك إلى بيع النفط بثمن بخس، لكننا أصبحنا نمتلك تجارب كبيرة اليوم في تجاوز الأزمات”.
ويتابع “واشنطن اليوم تسعى لتمديد حظر الأسلحة بحلول الذكرى الثانية لانسحابها من الاتفاق النووي، لكننا لم نسمح بذلك إلا بعد تشييعنا جنازة الأمم المتحدة وقراراتها”.
ووفق حقيقت بور، فإن إيران تمتلك أوراقا إستراتيجية يمكن أن تلعب بها في حال رضخت الأمم المتحدة للضغوط الأميركية بتمديد الحظر التسليحي، منها عدم السماح بمواصلة عمليات التفتيش للمواقع الإيرانية وتخصيب اليورانيوم بنسبة أكثر من 20%، وأيضا الخروج من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.
ويستدرك المسؤول الإيراني بالقول إن بلاده لا ترغب في اللجوء إلى قرارات صعبة إلا عندما يبلغ السكين العظم، مؤكدا أنه لم يبق لطهران ما تخشى خسارته بعد تمديد حظر التسليح عليها ظلما وجورا، على حد تعبيره.
معيشة المواطن
وعن تأثر الاقتصاد ومعيشة المواطن الإيراني بفعل عودة العقوبات الأميركية، يقول حقيقت بور إنه لا ينفي المضايقات على اقتصاد إيران، لكن طهران تأقلمت خلال العقود الأربعة الماضية مع ما سماها مؤامرة العقوبات.
وفي المقابل، كان للمواطنة الإيرانية فاطمة محمودي رأي آخر؛ ففي ردها على سؤال الجزيرة نت عن تأثر حياة أسرتها بعودة العقوبات الأميركية، قالت إن الأسعار ارتفعت فور خروج واشنطن من الاتفاق النووي، قبل عودة العقوبات أصلا.
وتعتبر محمودي أن الفترة التي تلت عودة العقوبات الأميركية على بلادها هي الأسوأ في حياتها خلال العقود الخمسة الماضية، موضحة أن “العقوبات على صادرات النفط قلصت موارد الدولة وأرغمتها على رفع أسعار البنزين التي ضاعفت بدورها مؤشر التضخم”.
وتخلص إلى أن الانسحاب الأميركي “أفقد شريحة كبيرة جدا من الإيرانيين الأمل في العيش المستقر الذي شعروا به بعيد الاتفاق النووي”. مؤكدة أنها لا تُحمّل حكومة بلادها مسؤولية ما آلت إليه الأمور، بل الرئيس ترامب، الذي أصر على معاداة الإيرانيين، على حد قولها.بوابة الاقتصاد
من جانبه، يرى الباحث في الاقتصاد السياسي مهدي عزيزي أن بلاده تمكنت من احتواء الضغوط الأميركية على اقتصادها، وما شهدناه خلال أزمة كورونا خير دليل على تعافي الاقتصاد الإيراني رغم العقوبات والقيود المفروضة عليه من الخارج.
ويؤكد عزيزي للجزيرة نت أن “طهران ردت على الضغوط الأميركية على صادرات نفطها برفع صادراتها غير النفطية، وتحرير الميزانية من موارد النفط، وهو ما تخشاه واشنطن”. معتبرا أن ذلك لا يعني إبطال مفعول الضغوط الأميركية على بلاده بشكل كامل.
ويشدد على أن الإدارة الأميركية لن تستطيع تركيع طهران، لا سيما عبر البوابة الاقتصادية، موضحا أن “واشنطن فشلت في وضع حد للدعم الإيراني لحركات المقاومة الإسلامية في المنطقة عبر محاصرة اقتصاد طهران”. ويضيف الباحث الإيراني أن اقتصاد بلاده تجاوز عنق الزجاجة، وأنها كانت استعدت لأسوأ الاحتمالات فيما يخص الضغوط الأجنبية.
ويوضح أن الشارع الإيراني صمد خلال العام الماضي أمام التحديات الاقتصادية، وأبدى مسايرة كبيرة لخطط حكومته، لأنه يدرك جيدا أن الهدف الأساسي من العقوبات الأميركية هو قيامه بثورة على النظام الإسلامي.
ويخلص عزيزي إلى أن بلاده “تعلمت الالتفاف على العقوبات، وسوف تفتح سبلا جديدة إزاء كل باب تغلقه الولايات المتحدة في وجهها”.
الجزيرة