بينما يخوض الجيش العراقي معارك طاحنة من قريةٍ إلى أخرى في محافظة الأنبار غربي البلاد، متقدماً أكثر قليلاً من مئات الأقدام (1 متر = 3.37 قدم) في الأيام الجيدة، ليس هناك شك في تباطؤ الحرب في العراق ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». إن أفضل ما يمكن توقعه في حدود المعقول في عام 2015 هو تحقيق الاستقرار في مدينتي الرمادي والفلوجة. ولم يعد أحدٌ يتحدث حتى عن تحرير الموصل، المدينة الثانية في العراق من حيث عدد السكان. ووفقاً لهذا المعدل، سوف تبقى الولايات المتحدة في العراق بعد انتهاء فترة ولاية الرئيس الأمريكي أوباما – وهي نتيجة لا يريدها أحد، وخاصةً أوباما نفسه.
ويركز التفسير السائد لهذا الوضع إما على تحفظ أوباما وتردده بشأن تخصيص المستوى الضروري من الموارد لهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» بصورة أسرع، أو على عدم قدرة العراقيين على الإستفادة من الدعم الدولي في المجهود الحربي. ومن المُطَمئن الاعتقاد بأن السبب وراء مشاكل هذه الحرب هو وجود رئيس متردد أو حلفاء غير أكفاء. ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أكثر إزعاجاً: فالجيش الأمريكي ليس الحليف الذي يمكنه أن يكون، بسبب افتقاره للخيال والمرونة.
ومنذ البداية، واجهت وزارة الدفاع الأمريكية صعوبةً في تنفيذ مهمتها لإضعاف تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وهزيمته. فـ “القيادة من الخلف” هي في الواقع شديدة الصعوبة، وأحد أوجه الفشل الرئيسية للجيش الأمريكي هي أنه لا يزال عالقاً في حقبة زمنية كما في عام 2007، عندما كان لديه 185,000 جندي منتشرين في جميع أنحاء العراق. إلا أن الواقع يختلف في الوقت الحالي: فهناك حوالي 3,000 جندي أمريكي في العراق، وغالباً ما يجب عليهم البقاء “داخل الأسوار” في قواعد آمنة.
إن الوجود في العراق ما بعد 2014 يبدو أكثر شبهاً للمواقع الأمامية لقوات العمليات الخاصة الصغيرة التي يتم استخدامها في الحرب العالمية ضد الإرهاب؛ بيد، إن التحركات الأمريكية في العراق تكتسب أشكالها وصورها من خلال التفكير العسكري التقليدي لـ “القيادة المركزية الأمريكية”، بقيادة الجنرال لويد أوستن. وقد واصلت وزارة الدفاع الأمريكية متابعة جهود التدريب والتسليح/التجهيز الضخمة حتى بينما كانت تفتقر للموارد اللازمة لإكمال مهتمها، وما زالت غير مرنة بما يكفي لاستخدام قوتها الجوية للحصول على أكبر قدر من التأثير. وقد خلق النهج العسكري التقليدي تفرع ثنائي زائف لأوباما وهو: إما يتعيّن على الولايات المتحدة تكثيف التزاماتها على نحوٍ هائل، وفقاً لهذه النظرية، أو أن تعتمد على المستوى الحالي للموارد وتمضي على نحوٍ بطيء.
إن إحدى أولى مبادرات “القيادة المركزية الأمريكية” كانت الدفع باتجاه محاولة مبكرة لتحرير الموصل، عاصمة تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق. وقد نتج عن استراتيجية “الموصل أولاً” برنامج تدريب وتسليح كبير يهدف إلى بناء ألوية هجوم جديدة كلياً للجيش العراقي من أجل تحرير الموصل. واستخدمت وزارة الدفاع الأمريكية نهج “قاطع الكعكة” لتصميم “صندوق تدريب وتجهيز العراق” الذي تبلغ قيمته 1.6 مليار دولار، وهو نسخةٌ مصغرة للبرامج الأمريكية الضخمة التي أنتجت نسخاً عراقية مطابقة للألوية العسكرية الأمريكية في الفترة ما بين 2005 و 2008.
لكن “صندوق تدريب وتجهيز العراق” كان دون المستوى، حيث تم تدريب 9,000 جندي فقط من بين 24,000 جندي كان من المقرر تدريبهم وتجهيزهم بحلول حزيران/يونيو 2015. ويعود ذلك جزئياً إلى أن الولايات المتحدة ليست في وضع مشابه لذلك الذي كان قائماً في عام 2005: إذ ليس لديها الموارد أو الوقت لمقاربة بطيئة تقوم على نهج التجربة والخطأ في بناء وحدات كاملة.
وتوخّى “صندوق تدريب وتجهيز العراق” بناء ألوية عسكرية شديدة التعقيد على الطراز الأمريكي، يتم إمدادها جميعاً بمجموعاتٍ كاملة من المعدات توفرها الولايات المتحدة. ومع ذلك، أشار العراقيون إلى أنهم لا يستطيعون استيعاب ذلك الكم من المعدات الجديدة أو صيانته بسبب قدراتهم اللوجستية غير المتطورة. وفي الوقت نفسه، لم تكن الكثير من المعدات التي وعدت بها الولايات المتحدة حتى في مخزونها الفائض – على سبيل المثال، لم يكن بالإمكان إيجاد سوى حوالي 9,000 بندقية من طراز “إم-4” في المخزون الأمريكي من بين43,200 بندقية مطلوبة [للأغراض العسكرية في العراق].
وعبر تبني جهدٍ كبير وثقيل للتدريب والتسليح/التجهيز، تعثرت [أعمال] وزارة الدفاع الأمريكية من قِبَل نقاط ضعفها الإجرائية الخاصة بها. فقد أُسس نموذج شديد البيروقراطية لتنفيذ استحواذ “صندوق تدريب وتجهيز العراق” على المعدات من مخزونات الدفاع الأمريكية الفائضة، ومصنعي المعدات الأمريكيين، ومن الباعة الخارجيين. ونتيجة لذلك، وصلت المعدات إلى العراق على نحو متقطع – متأخرة شهوراً، في كثير من الحالات – لتؤخر نشر الوحدات الجديدة.
تقييد القوة الجوية الأمريكية
تشكل القوة الجوية الخلطة السرية للولايات المتحدة: فلا أحد يفتح علبة صفيح من المتعة الملعونة مثل الطيارين الحربيين الأمريكيين. لكن في العام الماضي، تم إعاقة القوة الجوية الأقوى في العالم في العراق عبر مزيجٍ من قواعد الاشتباك الصارمة والعدد القليل جداً من راصدي الأهداف الموثوقين على الأرض فيما يتعلق بشن الغارات الجوية.
ووفقاً لتقييم الولايات المتحدة هناك أعداد صغيرة فقط من القوات الخاصة العراقية والكردية التي دربتها كجديرة بالثقة لتحديد الأهداف. ففي النهاية، لا ترغب الولايات المتحدة “في التخلي” بسهولة عن السلطة لطلب شن ضرباتها الجوية – يجب على وزارة الدفاع الأمريكية أن تعرف أن العراقيين لا يستخدمون القوة الجوية الأمريكية لتصفية حسابات شخصية.
عندما يتم نشر هذه القوات العراقية أو الكردية الخاصة لتوفير رصدٍ قريب من مستوى الأرض، يمكن أن تكون القوة الجوية الأمريكية فعالة بصورةٍ مدمرة. لكن مثل هذه الحالات لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من الاشتباكات. ففي الثالث من آب/أغسطس، على سبيل المثال، تدخّل طيران التحالف في ثمانية أماكن في العراق، بينما كانت الحرب تشتعل على خط جبهة يبلغ طوله حوالي 1,200 ميل (ما يقرب من 1,931 كيلومتر).
ويأتي التحدي الحقيقي للقوة الجوية الأمريكية عندما تكون المبادرة لدى تنظيم «الدولة الإسلامية» – كما يحدث غالباً – ويحاول حلفاء أمريكا استدعاء المساعدة. وفي ذلك الحين يقعوا ضحية نقص المعلومات الاستخبارية على الأرض وقواعد اشتباك مقيدة. وتعني العرقلة الناتجة أن الجنود المشتبكين مع تنظيم «الدولة الإسلامية» يحاولون امتصاص محيط من الدعم الجوي عبر قصبة صغيرة.
ويتمثل التحدي التقني لهذه الحرب في كيفية توفير دعمٍ جويٍ قريب مرن و”دون شركاء” أينما يهاجم تنظيم «الدولة الإسلامية» قواتٍ برية حليفة. (“دون شركاء” هو مصطلح عسكري للغارات عندما لا يكون المتحكمون في الضربات الجوية الأمريكية على الأرض). وتحتاج الولايات المتحدة، بطريقة أو بأخرى،إلى الحصول على المزيد من “العيون” على الأرض – أولئك الذين يؤتمنون بما يكفي لإخبار القوات الجوية الأمريكية بإطلاق الأسلحة عندما يحتاج حلفائها المساعدة أكثر من أي وقت.
إنها مشكلة لن يتم التخلص منها. فحتى إذا قام أوباما أو رئيسٌ مستقبلي بنشر قوات خاصة في العراق، فلن يكون لديها أبداً التغطية التي وفرها ذات مرة الجنود الأمريكيين في العراق الذين بلغ عددهم [في إحدى الفترات] 185,000 جندي. وفي الحروب المستقبلية، ربما يؤدي تقلص الجيش الأمريكي ونقص التسامح مع خسائر القوات، إلى جعل الضربات “دون شركاء” شائعة بشكلٍ متزايد. إن ذلك يجعل من الأكثر إلحاحاً إيجاد طريقة مبتكرة لتغذية بيانات موثوقة من أجهزة الاستشعار على الأرض إلى الطائرات الحربية الأمريكية التي تقاتل تنظيم «الدولة الإسلامية». وقد يعني ذلك بناء “فرق أسلحة جوية” عراقية خضعت للتدقيق قادرة على الاندماج مع أنواعٍ مختلفة من الوحدات المتنوعة – كالجيش العراقي، والبيشمركة الكردية، وحتى عناصر خضعت للتدقيق من “وحدات الحشد الشعبي” ذات الغالبية الشيعية ومقاتلي العشائر السنة.
ومع وجود المزيد من المعلومات الاستخبارية على الأرض، يتعين على الولايات المتحدة أيضاً تخفيف قواعد الاشتباك الخاصة بها للسماح للجيش الأمريكي بالإقدام على مخاطر محسوبة لإنقاذ أرواح العراقيين. وفي الرمادي، حدّت القيود المفروضة على الضربات الجوية من فعالية القوة الجوية الأمريكية، مما نتج عن ذلك إعدام مئات الرجال العراقيين في مناطق استولى عليها تنظيم «الدولة الإسلامية». والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل قواعد الاشتباك الصارمة القائمة [في الاستراتيجية] الأمريكية تتجنب بالفعل وقوع قتلى مدنيين، أم تتجنب فقط مسؤولية الولايات المتحدة المباشرة عن مقتل مدنيين؟
إن الجيش الأمريكي يحتاج إلى الإبداع. وقد يعني ذلك تكييف معدات بسيطة جاهزة للاستخدام مثل كاميرات رأس “جو برو”، واتصالات صوتية، وأجهزة نظام تحديد المواقع العالمي GPS، لكي تستطيع القوات الخاصة العراقية والكردية التي تم تدقيقها إعطاء التحالف منظور من الأرض عن ساحة المعركة. وهذا هو بالضبط ما يفترض أن تفعله مبادرات وزارة الدفاع الأمريكية مثل “الوكالة المشتركة لمكافحة العبوات الناسفة المرتجلة” (“الوكالة”) – أي مواجهة المتطلبات العملياتية الملحة، كما يبيّن الموقع الالكتروني لـ “الوكالة”، “باستجابة تكتيكية واستحواذ استباقي”.
التحول إلى حليفٍ أفضل
يجب على القادة المدنيين في الولايات المتحدة أن يشجعوا وزارة الدفاع الأمريكية على التصرف بصورةٍ أفضل، ولكن في الوقت نفسه، يتعيّن على القادة العسكريين الأمريكيين أن يفكروا بصورة أكثر ابتكاراً حول كيفية تسريع وتيرة القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق. ينبغي التخلي عن الوحدات الكبيرة والبرامج الكبيرة لتحل محلها مساعدة أكثر استهدافاً وابتكاراً في المجالات المتخصصة، وربما يتضمن ذلك منح دور أكبر للحلول التي يقدمها مجتمع قوات العمليات الخاصة الأمريكي. وسوف يرحب قادة العراق بمعظم هذه الأفكار، إن لم يكن بجميعها.
إن ابتكارات ساحة المعركة السريعة والبسيطة التكلفة هي في صلب الحمض النووي للجيش الأمريكي. وعندما واجهت القوات الأمريكية سياجاتٍ ارتفاعها 10 أقدام (حوالي ثلاثة أمتار) في نورماندي عام 1944، قامت بلحم ألواحٍ على الدبابات لكي تستطيع المرور عبر السياجات دون تعريض الدرع الضعيف على بطن الدبابات للأسلحة الألمانية.
ومازال ذلك الابتكار في صلب الحمض النووي للجيش الأمريكي. وقد تكيّفت وزارة الدفاع الأمريكية وابتكرت [أساليب] لتحقيق النجاح في العراق قبل نصف عقد من الزمن خلال فترة “زيادة القوات” والحرب المضادة ضد العبوات الناسفة. ولم يفت الوقت بعد للقيام بذلك مرة أخرى.
مايكل نايتس
معهد واشنطن