بغداد – تتشابك خيوط العلاقة بين العراق وتركيا، إذ يتزامن التصعيد في ملف الأنشطة العسكرية الحدودية، مع توتر علاقات البلدين بشأن آلية السفر بينهما.
وبعد تخفيف إجراءات الإغلاق المرتبطة بجائحة كورونا الشهر الماضي، علقت تركيا العمل بمذكرة تفاهم تنص على منح العراقيين سمات دخول عند منافذها الحدودية، على أن يحصل المواطنون الأتراك على المعاملة بالمثل في المنافذ العراقية.
وتكتمت السلطات العراقية على الأسباب التي دفعت تركيا إلى تعليق العمل بهذه المذكرة السارية منذ 2009، لكن مصادر دبلوماسية ألمحت في حديث مع “العرب” إلى قضايا تتعلق بغسيل الأموال.
وقالت المصادر إن تركيا استجابت لمخاوف غربية بشأن التعامل مع المواطنين العراقيين تتعلق بغسيل الأموال، دفعت الاتحاد الأوروبي إلى وضع العراق ضمن لائحة الدول المتهمة في هذا المجال.
وذكرت المصادر أن اعتبارات دولية تتعلق بالتعاملات المالية دفعت تركيا إلى اتخاذ هذا القرار، وهو أمر لم توفق السلطات العراقية في شرحه لمواطنيها حتى الآن.
وبالرغم من أن السلطات العراقية ردت بالمثل على القرار التركي، وألزمت المواطنين الأتراك الراغبين في السفر إلى العراق بالحصول على سمة دخول من سفارة بغداد في أنقرة، يبقى المتضرر الأكبر هو المواطن العراقي وليس التركي.
ويوجد عشرات الآلاف من العراقيين مع عائلاتهم في مدن تركيا بعد شراء منازل والاستقرار فيها مستثمرين التسهيلات والأثمان الزهيدة وانخفاض كلفة المعيشة وتراجع الليرة مقابل الدولار.
وردا على الرد العراقي، اتخذت تركيا قرار تعليق الرحلات الجوية مع العراق ذهابا وإيابا، ما يعني عزلة تامة بين البلدين.
1/2 مليون عراقي مقيم أو شبه مقيم في تركيا
وتقول مصادر دبلوماسية إن طلبات سمات الدخول مكدسة بالآلاف في مكتب قنصلي تابع للسفارة التركية في بغداد، مقابل بضعة طلبات تلقتها السفارة العراقية في أنقرة من مواطنين أتراك للحصول على سمات دخول.
وحتى عندما حصرت تقديم طلبات سمات الدخول في مكتب واحد ببغداد، شددت السلطات التركية شروط الحصول على التأشيرة بالنسبة إلى العراقيين، ما تسبب في أزمة كبيرة.
ولا تتوفر أرقام دقيقة عن تعداد الجالية العراقية في تركيا، لكنها تعد الأكبر بعد الجالية السورية. وتقدم مصادر غير رسمية تقديرات عن عدد العراقيين في تركيا، مشيرة إلى وجود نحو نصف مليون عراقي مقيم أو شبه مقيم في هذا البلد.
وتضيف السياحة العلاجية والتجارية قرابة 200 ألف شخص إلى هذا العدد سنويا، لتتشكل جالية كبيرة جدا.
ويرتبط الكثير من أبناء هذه الجالية بمشاريع تجارية تتطلب التنقل المستمر بين العراق وتركيا، في حين تتطلب السياحة العلاجية زيارات متعددة من قبل المريض الواحد إلى تركيا.
ويدرس في تركيا عشرات الآلاف من الطلبة العراقيين في مختلف المراحل التعليمية، لكن مشكلة سمة الدخول ستؤثر بشكل أكبر في طلبة الدراسات الجامعية الأولية والعليا، الذين يسكن معظمهم في العراق، لذلك يسافرون بين البلدين باستمرار.
وتقول مصادر دبلوماسية إن هناك الآلاف من العراقيين الذين ينتظرون دورهم لاستكمال إجراءات الحصول على سمة الدخول إلى تركيا في ظل شروط جديدة تفاقم التعقيدات، بانتظار التراجع عن قرار تعليق الرحلات الجوية بين البلدين.
وينتظر طلبة وتجار ومرضى عراقيون بفارغ الصبر حصولهم على تأشيرة دخول إلى تركيا، في ظل غياب أي مؤشرات جادة على إمكانية تفاهم عاجل بين بغداد وأنقرة في هذا الشأن.
ولم تعد السلطات العراقية مواطنيها بأكثر من العمل على التفاوض مع السلطات التركية التي بدت متعنتة في هذا الملف، رابطة إياه بتوتر العلاقات على حدود البلدين، بعدما عمدت أنقرة إلى تنفيذ سلسلة عمليات عسكرية وغارات جوية داخل الأراضي العراقية، بحجة ملاحقة حزب العمال الكردستاني، تسببت في سقوط قتلى مدنيين وعسكريين عراقيين.
وقالت وزارة الخارجية العراقية يوم الأحد، إنها تعاملت بالمثل مع تركيا ردا على انتهاكها للسيادة العراقية، من خلال إيقاف منح سمات الدخول في المنافذ والمطارات الحدودية العراقية، وإلغاء جميع الزيارات التي كان من المزمع أن يؤديها المسؤولون الأتراك إلى العراق.
وقال المتحدث باسم الوزارة أحمد الصحاف إن “الوزارة استدعت السفير التركي في بغداد، لمرتين متتاليتين وسلمته مذكرتي احتجاج شديدتي اللهجة على خلفية اعتداءات تركيا على السيادة العراقية”، مطالبة “الحكومة التركية بالكشف عن مرتكبي الجرائم العدائية ومحاسبتهم”.
وأشار إلى أن “وزير الخارجية فؤاد حسين أجرى اتصالات مع نظرائه من العرب والأجانب”، موضحا أن “جميع الدول على المستويين العربي والأوروبي تؤيد موقف العراق وتسانده في الدفاع عن وحدته وسيادة أراضيه”.
وتابع أن “وزارة الخارجية أعلنت عن المعاملة بالمثل لتركيا من خلال إيقاف مذكرة التفاهم المبرمة بين الجانبين في عام 2009 والتي كانت تقضي بتيسير ومنح سمات الدخول في المنافذ والمطارات الحدودية، فضلا عن اتخاذ قرار بإلغاء جميع الزيارات للمسؤولين الأتراك إلى العراق المبرمجة وفي مقدمتها زيارة وزير الدفاع التركي”.
ولفت إلى أن “العراق يستند إلى القوانين الدولية للحفاظ على حقه”، مؤكدا أن “الخطاب السياسي والدبلوماسي سبيلان ممكنان لخفض هذا التصعيد والانتهاء إلى رؤية مشتركة من شأنها الوصول إلى حلول تشاركية”.
العرب