الباحثة شذى خليل*
يؤكد خبراء الاقتصاد العراقيين، ان ظاهرة البطالة واحدة من اهم المشاكل الكبيرة التي يعاني منها الاقتصاد العراقي في السنوات الأخيرة؛ بسبب عجز الحكومات المتعاقبة في إيجاد حلول حقيقية لازمة تناقص الوظائف، ما أدّى إلى تفاقمها حتى أصبحت خطراً يُنذر بكثير من المشاكل الأمنية والمجتمعية.
وجاءت تداعيات الانكماش الاقتصادي العالمي قاسية على العراق، حيث تعرض إلى الأزمتين الصحية والمالية بشكل مباشر وصادم، بحيث حصل انكشاف واسع للثغرات المالية والنقدية، إثر تفشي فيروس كورونا، إضافة إلى فرض الإغلاق وحظر التجول للحد من تفشي جائحة كورونا التي تزامنت مع تراجع عائدات النفط، الذي يعد مصدر الدخل الرئيس لموازنة الدولة، وتأثرت بتراجع الطلب بنسبة كبيرة ، إضافة إلى حرب الأسعار التي خاضتها روسيا والسعودية ، وبحسب اقتصاديين، إن انخفاض الأسعار وجه ضربة قوية للاقتصادات المعتمدة على النفط، بشكل عام لكن الضربة الأقوى على العراق سببها الأزمات المتراكمة التي يعانيها منذ التسعينيات .
ان انخفاض أسعار النفط ادى الى إرباك الأوضاع المالية العامة في البلد والذي يعد محرك النشاط الاقتصادي، وأصبح تمويل الانفاق العام في البلد يواجه تحديات وصعوبات كبيرة، ووجد الاقتصاد العراقي صعوبة بالغة في تقديم استجابة فعالة على صعيد السياسات المالية لمواجهة أزمة كورونا وانعكاساتها السلبية على المجتمع العراقي، وأدى ذلك الى الكشف عن مواطن ضعف كبيرة في المالية العامة، مما ينعكس على اتساع عجز المالية، وعدم القدرة على تحقيق الاستدامة المالية.
حيث تشير التوقعات إلى ان أسعار النفط سوف تبقى في حدود 30-35 دولارا كمتوسط لعام 2020 على أمل ان ترتفع في عام 2021 لتتجاوز حاجز الــ 40 دولارا، مما يعني استمرار معاناة الاقتصاد العراقي في عام 2020 بسبب انخفاض أسعار النفط وانخفاض الإيرادات المالية.
اما معدل البطالة في العراق متفاوتا من مدينة إلى أخرى ويرتبط بطبيعة الحال مع معدل الفقر، وذكرت بعض المصادر المختصة ان المؤشر العام يقترب من 30% في عموم مدن العراق، لكن هناك مدناً تصل نسبة العاطلين عن العمل فيها إلى أعلى من هذا المعدل بكثير، خاصة المدن التي خاضت معارك ضد تنظيم داعش الإرهابي.
حيث يواجه آلاف الشباب صعوبة في إيجاد عمل أو مصدر رزق لهم، ما يفسّر ازدياد التوجه إلى التطوع في الجيش والشرطة، أو الحشد الشعبي، إضافة إلى مهن خطرة مختلفة، مما يفسر ان الوضع الاقتصادي الحالي أسوأ مما رأيناه من قبل، لأنه تم تعليق جميع القطاعات الإنتاجية.
العراق يعيش شللًا شبه كامل في الحياة الاقتصادية، حيث ان فرض حظر التجول لمحاولة مكافحة تفشي الفيروس، أدى إلى إغلاق المحال التجارية، وفقدان أغلب الموظفين غير الحكوميين قوت يومهم بالإضافة الى انه لا توجد صناعة ولا سياحة ولا وسائل نقل وتتأثر الزراعة إلى حد ما.
وفي السياق لا توجد بيانات دقيقة، حيث لا وزارة العمل ولا وزارة التخطيط ولا أية جهة أخرى حكومية أو غير حكومية تمتلك قاعدة بيانات حقيقية حول حجم البطالة والفقر في العراق، لأسباب تتعلق برد فعل الشارع، خاصة أن موضوع البطالة يعدّ أحد الأسباب الرئيسة التي دفعت العراقيين إلى ساحات التظاهر منذ أكثر من 6 أشهر في مناطق وسط وجنوب العراق.
لكن من خلال الخطة التي وضعتها وزارة العمل التي تهدف إلى توزيع 150 ألف دينار عراقي لكل عائلة متضررة من إجراءات أزمة كورونا، تم الكشف عن وجود أكثر من 13 مليون مواطن عاطل عن العمل أو متضرر من الكسبة وأصحاب الدخل المحدود.
منظمات عالمية مثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” أعلنت أن قرابة 4 ملايين و500 ألف عراقي أصبحوا يعيشون تحت خط الفقر بسبب وباء كورونا وما نجم عنه من آثار اجتماعية واقتصادية.
كما قالت المنظمة إن الوباء تسبب في خسائر كبيرة في الأعمال والوظائف وارتفاع الأسعار، مما أدى لارتفاع معدل الفقر في البلاد من 20% في 2018 إلى 31.7% حاليا، مضيفة أن الأطفال هم الأكثر تأثرا بالأزمة الحالية، فبعد أن كان طفل واحد من كل خمسة أطفال يعاني من الفقر قبل الأزمة، ارتفع العدد إلى طفلين من أصل خمسة أطفال مع بداية الأزمة.
وأشارت المنظمة الأممية إلى أن 42% من السكان في العراق يصنفون على أنهم من الفئات الهشة، مبينة أنه بالنسبة للأطفال، هناك طفل واحد من بين كل طفلين -أي 48.8% معرض للمعاناة، حيث يعد الحرمان من الالتحاق بالمدارس والحصول على مصادر المياه الصالحة للشرب من العوامل الرئيسة التي تساهم في هشاشة الأسر والمجتمع .
وما يثير المخاوف أكثر أنّ المؤشرات تبيّن استمرار ارتفاع معدل البطالة، مع فقدان آلاف العراقيين وظائفهم بسبب حظر التجوال، ونتيجة المشكلات المالية التي تواجهها القطاعات الاقتصادية بغالبيتها، فيما تقف البلاد أمام معضلة اقتصادية عميقة، مع تراجع الإيرادات النفطية.
وأوضحت اليونيسف أن توسيع نطاق الحماية الاجتماعية وتعزيز الوصول المتكافئ إلى الخدمات الاجتماعية ذات النوعية الجيدة مع التركيز على التعليم، والصحة وحماية الطفل هي توجهات سياسة مركزية للاستجابة للأزمات الناجمة عن جائحة كورونا.
وما يخص أطفال ومستقبل العراق، أكدت اليونيسف ضرورة الاستجابة السريعة لحماية الأطفال من الفقر والاستثمار لأجل تجنب أزمة التعلم، وزيادة سوء التغذية، ووفيات الأطفال وتصاعد العنف ضد الأطفال.
بدأت آثار الازمات المالية والصحية ؛ تظهر على العراق اقتصادياً واجتماعياً بشكل واضح جداً، ما يُنذر بكارثة حقيقية في الأيام المقبلة نتيجة لارتفاع نسبة البطالة إلى مستويات مخيفة، لا سيما بعد تسريح آلاف العاملين في القطاع الخاص وعلى الحكومة العراقية ان تضع الخطط المدروسة لمواجهة الازمة من خلال تكثيف الجهود في جميع القطاعات الصحي الخدمي الصناعي التجاري والاهم الترويج للاستثمار في العراق، كي يكون قاعدة صناعية وتجارة متينة يمكن الاعتماد عليها بعيدا عن إيرادات النفط .
حيث يتطلب الامر أو يستلزم التطوير والتحديث للخارطة الاستثمارية لتتضمن أهم الفرص الاستثمارية، وتوزيع الفرص جغرافيًّا على الخارطة الاستثمارية لجمهورية العراق، وإتاحتها للمستثمر، مع بيان البنية التحتية والمزايا المحددة، مع تحديد القطاعات الرئيسة ذات الأولوية لجذب الاستثمارات الأجنبية والوطنية التي تساهم في تقديم تكنولوجيا أكثر جدية وفاعلية للنفاذ إلى سلاسل التوريد العالمية والتي من شأنها تقليل كلف الإنتاج وزيادة الصادرات لجذب الاستثمارات الأجنبية.
التركيز على التقنية الحديثة في أسلوب التعاون بين الجهات الحكومية والمؤسسات العالمية والشركات الخاصة، في إطار الجهود الرامية إلى تطوير حلول فاعلة لتحديات القطاعات الحيوية وإعداد الكفاءات ورفع مستوى القدرات، وتشغيل أبناء الوطن وانتشالهم من نفق البطالة المظلم وبناء مواهب متقدمة في المجالات ذات العلاقة بالثورة الصناعية.
من الضروري زيادة الحوافز الضريبية أو الحوافز غير الضريبية مما سيساهم في تنشيط عملية الجذب الاستثماري، وهو ما سيشجع بدوره الشركات على إعادة استثمار فوائض الأرباح المحققة ضمن نتائج أعمالها مجددًا، وبالتالي سيرفع من معدلات الاستثمار.
وضع برنامج متكامل لمراجعة التكاليف التي تتعرض لها الشركات بدءًا من مرحلة التأسيس وحتى مرحلة التشغيل بصورة تعكس عنصر المنافسة على مستوى قطاعات الاستثمار بأنواعها إلى جانب زيادة الدور الذي تلعبه السياسات الحكومية في عملية تشجيع الاستثمار.
ختاما يجب على الحكومة ان تقدم خطتها لمواجهة تداعيات أزمة كورونا، لأنها لم تقدم ما هو بمستوى الحدث وجل ما قدمته، قرارات غير مدروسة، تندرج ضمن ردود افعال لما فرضته الازمة، وان المرحلة المقبلة ينبغي ان تكون مرحلة حاسمة في تاريخ العراق الاقتصادي، وهي تتطلب تعاونا وثيقا وعملا جادا من اجل وضع الاقتصاد العراقي على الطريق الصحيح، وعلى الحكومة ان تكون واضحة وجريئة في معالجة أوجه الخلل والضعف، وان المشكلات الضخمة التي يواجهها الاقتصاد العرقي ينبغي حلها بفكر جديد يختلف تماما عما هو موجود.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية