أنقرة/ موسكو – تتجه تركيا إلى المغامرة المباشرة من خلال التدخل العسكري في الصراع إلى جانب أذربيجان في مواجهة أرمينيا، ما يهدد بشكل مباشر نفوذ موسكو ومصالحها في هذا الصراع بعد أن نجح الروس لسنوات في الحفاظ على توازن ميزان القوى الذي يسمح لهم ببيع الأسلحة للدولتين المتنازعتين.
وأثارت تصريحات تركية رسمية، تدعو إلى الدخول بشكل مباشر في النزاع إلى جانب أذربيجان، ردا روسيا يطالب أنقرة بالتوقف عن صب الزيت على نار الحرب والمساعدة على إيجاد حل سياسي، في خطوة قال مراقبون إن موسكو تهدف من ورائها إلى منع خروج الوضع عن سيطرتها وقطع الطريق أمام إمساك أنقرة بالملف ومزاحمة الروس على مصالحهم الحيوية، في إعادة لما جرى في الحرب السورية.
وأكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في تصريح مثير عكس نوايا أنقرة، أن بلاده تقف “إلى جانب أذربيجان سواء في الميدان أو على طاولة المفاوضات”، وأنها “تريد حل هذه المسألة من جذورها”، أي من خلال الحسم العسكري، وهو ما بدا واضحا في المشاركة العسكرية المباشرة للطائرات التركية المسيرة، التي ساعدت على تقدم القوات الأذربيجانية بشكل سريع وسيطرتها على بعض المواقع الإستراتيجية، فضلا عن الدور الحيوي للمرتزقة السوريين في المعارك البرية المباشرة.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد طالب الاثنين أرمينيا بإنهاء ما أسماه “احتلال” منطقة ناغورني قره باغ، كاشفا أن بلاده “ستواصل الوقوف إلى جانب أذربيجان الصديقة والشقيقة بكافة إمكانياتها”.
وقبل ذلك قال كبير مستشاري أردوغان، إلنور تشيفيك، إنّ تركيا طلبت من حلفائها في أذربيجان أن يذهبوا إلى أقصى ما يمكنهم الوصول إليه.
وتشير تقارير ميدانية محايدة إلى مشاركة فعالة للدرونز التركية في تغيير الوضع العسكري على الأرض، وهو ما كانت أرمينيا قد كشفت عنه منذ البداية، مهددة باستعمال أسلحة روسية ذات تدمير أوسع في محاولة لإجبار أذربيجان على التراجع.
وتقول تلك التقارير إن الأتراك استفادوا من تجربة الحرب في ليبيا، وإن تلك التجربة جعلتهم يتقنون المواجهة، وإنهم تمكنوا هذه المرة، أيضا، من تعطيل الأجهزة الروسية التي يعتمدها الأرمن.
وكتب ممثل وزارة الدفاع الأرمنية آرتسرون هوفانيسان عبر فيسبوك أن “تركيا تنفذ عدوانا مباشرا على أرمينيا”. كما قال وزير الخارجية الأرمني زغراب مناتساكانيان إن الهجوم على مدينة فاردينيس الأرمنية نفذته طائرة مسيرة تركية.
وفي خضم المشاركة التركية في المعارك وتغيير ميزان القوى على الأرض، يترقب المتابعون الموقف الروسي، وما إذا كانت موسكو ستدخل بشكل مباشر على خط القتال، أم أنها ستستمر في البحث عن الوساطات من أجل الوصول إلى تفاهمات مع تركيا شبيهة بتفاهمات أستانة وسوتشي في الملف السوري.
ودعا الكرملين تركيا، الثلاثاء، إلى العمل من أجل وقف إطلاق النار في ناغورني قره باغ حيث أسفرت المعارك بين انفصاليين أرمن وأذربيجانيين إلى سقوط أكثر من مئة قتيل منذ الأحد.
وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحافيين، في إشارة إلى تصريحات وزير الخارجية التركي، إن “كل التصريحات المتعلقة بدعم أو بتحرك عسكري أيا تكن، تصب الزيت على النار”.
ويعتقد المراقبون أن هذه التطورات ستخلق صداعا كبيرا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كون التحدي التركي هذه المرة يطال مجالا حيويا روسيا تقليديا، فكلا الدولتين كانتا عضوين في الاتحاد السوفييتي وتمثلان موقعين إستراتيجيّين مهمين بالنسبة إلى موسكو.
ويشير هؤلاء إلى أن رغبة روسيا في إرضاء أرمينيا وأذربيجان وتجنب الصدام مع تركيا تعني أن موسكو من المرجح أن تعتمد على الدبلوماسية بدلاً من الرد العسكري، لافتين إلى أن الروس قد يلجأون، في تعليل تأخر نجدة الأرمن بشكل مباشر، إلى كون اتفاق الدفاع الروسي مع أرمينيا لا يشمل إقليم ناغورني قره باغ، مما يعني أن أرمينيا لا يمكنها أن تطلب من موسكو نشر قوات إلا إذا كان هناك هجوم على الأراضي الأرمنية.
ووفقا لهذا الاتفاق، الذي تم توقيعه في ديسمبر 2015، نشر الروس في أرمينيا مقاتلات “ميغ 29”، إلى جانب أنظمة الدفاع الجوية والصاروخية بعيدة المدى “إس – 300” ودفاعات جوية متوسطة المستوى من طراز “إس إي – 6”، كما جاء في تقرير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
لكن الموقف التركي الجديد سيوسع دائرة الخلاف مع روسيا على المستوى الإستراتيجي، خاصة أن الأمر خرج عن التنافس الروتيني بين الدول ليتحوّل إلى تهديد للمجال الحيوي؛ وهو ما يشير إليه ديمتري ترينين، رئيس مركز كارنيغي للأبحاث بموسكو، حين قال إن “انخراط تركيا المتزايد في جنوب القوقاز عبر أذربيجان حقيقة لا تسر روسيا” وأن “المصالح الروسية والتركية تتعارض هنا أكثر من أي مكان آخر”.
وأكد ترينين في تصريح لصحيفة فاينانشيال تايمز أن “بوتين وأردوغان لم يكونا حليفين حقيقيين أبدا”، وأن “ما تمكنا من فعله بدلاً من ذلك هو الاستفادة من مصالحهما الموازية والتقليل من أهمية الخلافات والانقسامات، حتى لا تؤدي إلى صراع مباشر بين روسيا وتركيا”.
ويبدو أن هذا الصراع لن يقف عند التنافس التركي الروسي، وأنه سيتسع لأكثر من متنافس بسبب أهمية هذه المنطقة الإستراتيجية التي تمثل ممرا لخطوط الأنابيب التي تنقل النفط والغاز إلى الأسواق العالمية.
وبدورهم لم يخف الإيرانيون وقوفهم إلى جانب الأرمن، ليس فقط في سياق تناسق الموقف التقليدي مع روسيا، وإنما أيضا لأن أرمينيا بالنسبة إليهم متنفس كبير ومهم وحليف قوي، فضلا عن كون الأرمن ندًّا لأذربيجان منافستهم العرقية على أذريي شمال إيران بالرغم من كونهم شيعة.
وفي رده على اتهامات لبلاده بتسهيل عبور أسلحة روسية إلى أرمينيا، نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، الثلاثاء، ما أسماه “مزاعم”. وقال إن بلاده تراقب بدقة عملية نقل السلع وعبورها إلى البلدان المجاورة.
العرب