بغداد – يواجه العراق شبح الإفلاس بسبب ضخامة فاتورة الرواتب التي يجب أن يدفعها لملايين الموظفين شهريا، في وقت تشهد فيه أسواق النفط اضطرابات كبيرة، ما ينعكس سلبا على استقرار اقتصاد البلاد الريعي.
ومنذ 2003 يعتمد العراق على بيع النفط لتسيير شؤون الدولة، فيما تحولت الوظيفة الحكومية إلى قبلة لدى العراقيين بسبب انهيار القطاع الخاص، ما تسبب في تضخم الجهاز الإداري للقطاع العام بشكل مبالغ فيه.
ولا يوفر العراق أرقاما رسمية عن العديد من الأشخاص الذين يتقاضون رواتب شهرية ثابتة، لكن تقديرات غير رسمية تقول إن نحو 8 ملايين مواطن، بين مدني وأمني وعسكري ومتقاعد وعاطل، يتقاضون رواتب من الدولة تتراوح بين 400 و3000 دولار شهريا.
وبالرغم من انقضاء أربعة أيام من شهر أكتوبر الجاري لم تدفع الحكومة العراقية رواتب معظم موظفيها لشهر سبتمبر الماضي، وهو أمر نادر الحدوث، ما يشير إلى وجود أزمة مالية حقيقية.
وأظهرت أرقام غير رسمية عجزا بنحو مليار ونصف المليار دولار في موازنة الرواتب، بعد أن غطت مبيعات النفط الشهر الماضي نحو ثلثي الحاجة المطلوبة.
وأجبرت هذه الحقائقُ الحكومةَ على إقرار قانون للاقتراض الداخلي، يسمح بسحب جزء من الاحتياطيات الفيدرالية في البنك المركزي العراقي، بشرط موافقة البرلمان.
وقال وزير المالية علي عبدالأمير علاوي، يوم الأحد، إن صرف رواتب الموظفين مشروط بتصويت مجلس النواب على قانون الاقتراض.
وأوضح علاوي أن “المبالغ ستكون متوفرة في حال وافق مجلس النواب على قانون الاقتراض”، مشيرا إلى أن “قانون الاقتراض مهم جدا لأنه يلبي احتياجات الدولة المالية ويعالج العجز الموجود بالموازنة”.
لكن اللجنة المالية في البرلمان صدمت الحكومة برد حذرت فيه من “إفلاس العراق”.
وقالت اللجنة في وثيقة داخلية اطلعت عليها “العرب”، “في الوقت الذي طال انتظارنا فيه بتطبيق الحكومة ووزارة المالية لنصوص قانون الاقتراض المحلي والخارجي الذي أقره البرلمان في الرابع والعشرين من يونيو الماضي، والتي حددت ستين يوما لتقديم خطة الإصلاح الاقتصادي والمالي، فقد فوجئنا بمشروع قانون اقتراض آخر وكأن عمل وزارة المالية هو الاقتراض فقط”، محذرة من أنه “لو استمر ذلك فسيعلن العراق إفلاسه خلال ستة أشهر من الآن”.
وجاء في الوثيقة “ماذا لو انخفضت أسعار النفط أكثر مما عليه هي الآن”.
واستغربت لجنة المال البرلمانية، المسؤولة عن مراجعة الموازنة الحكومية العامة، من “محاولة الحكومة رمي الكرة أمام مجلس النواب وتخييره بين الموافقة على اقتراض سيؤدي إلى الهلاك قريبا بإفلاس البلاد والذي ستتحمل نتائجه الأجيال، وبين تصريحات تحاول الضغط علينا بتصدير أنه لا رواتب بدون مصادقة المجلس على ذلك الاقتراض لإحراج المجلس و خلط الأوراق”.
وترى اللجنة المالية أن “مسألة الرواتب ليست من مسؤولية السلطة التشريعية وهي من الواجبات الحكومية البحتة ومن صلب التزاماتها أمام شعبها”، معتبرة أن “أي محاولة لرمي الكرة على مجلس النواب هي تنصل من تلك المسؤولية ومن الالتزامات الواجب على الحكومة القيام بها”.
وتقول مصادر سياسية مطلعة إن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي ونائبيه حسن كريم من التيار الصدري وبشير حداد من القائمة الكردية، يدفعون باتجاه المصادقة على قانون الاقتراض الحكومي، وسط ممانعة من كتلة الفتح البرلمانية، وهي الجناح السياسي للميليشيات العراقية التابعة لإيران.
وتريد كتلة الفتح جر مصطفى الكاظمي إلى مواجهة مع الموظفين الحكوميين من خلال تأخير رواتبهم رغم إدراكها أن الظروف التي تمر بها البلاد، خاصة أزمة أسعار النفط التي تزامنت مع القيود التي فرضها تفشي فايروس كورونا، تتطلب تكاتفا سياسيا لتجاوزها.
ويقول مراقبون إن الكتلة النيابية التي تمثل المصالح الإيرانية في البرلمان العراقي تحاول استثمار أزمة الرواتب لإبراز فشل حكومة الكاظمي في مهمتها، مستعينة بحشد كبير من وسائل الإعلام العراقية التي يديرها الحرس الثوري الإيراني.
ويتوقع نواب أن ينعقد البرلمان قريبا للموافقة على قانون الإقراض للمباشرة في صرف الرواتب، بالرغم من ممانعة الكتلة الإيرانية، نظرا إلى المخاطر الكبيرة التي قد تترتب على تأخير معاشات الموظفين.
العرب