لا يجانب الصواب كثيراً أولئك الذين اعتبروا أن صعوبات كثيرة وعراقيل جدية تحول دون التنفيذ الفعلي والأشمل لبنود اتفاق وقف إطلاق النار الدائم، الذي توصل إليه طرفا اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5) برعاية الأمم المتحدة في جنيف مؤخراً. ولعل السبب الأول وراء هذا التقدير هو طبيعة التمثيل الفعلي السياسي والعسكري للوفدين، وخاصة الفريق الذي يمثل المشير الانقلابي خليفة حفتر، وما إذا كان الضباط المفاوضون يمتلكون سلطة فرض البنود الستة على الأرض، وإجبار الفصائل المسلحة وكتائب المرتزقة على الالتزام باشتراطات الاتفاق.
وعلى سبيل المثال، لم يعد خافياً أن حفتر بات عاجزاً عن السيطرة على المقاتلين الروس في صفوف مرتزقة فاغنر خاصة المرابطين في رأس لانوف والسدرة داخل الهلال النفطي، كما أن حكومة الوفاق في طرابلس لا تبدو قادرة على كبح جماح الميليشيات المسلحة أو إلزامها بالانضمام إلى جيش وطني محدد. كذلك فإن مهلة 90 يوماً لانسحاب جميع المرتزقة من ليبيا ليست واقعية من حيث المدة الزمنية، وليست واقعية لجهة سحب المعدات العسكرية الثقيلة التي وُضعت تحت تصرف المرتزقة.
ليس واقعياً أيضاً انتظار ترجمة اتفاق وقف إطلاق النار على المستوى السياسي الذي يتصف بتشابك علاقات الأطراف بقوى إقليمية ودولية قد لا يلائمها هذا البند أو ذاك من بنود تفاهمات (5+5) في جنيف، وقد تسعى إلى عرقلته أو تعطيله بوسائل عديدة. فمن المعروف أن قرار حفتر ليس في بنغازي، بل هو مبعثر بين أبو ظبي والقاهرة وباريس وموسكو، وليس من الواضح أن هذه العواصم متفقة على الترحيب بالاتفاق أو تسهيل تنفيذه. كذلك فإن ممثلي حكومة الوفاق أعلنوا صراحة أنّ اتفاق جنيف لا يشمل اتفاقية التعاون العسكري مع «الحليف التركي» الأمر الذي عبر عنه أيضاً الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حين اعتبر الاتفاق هشاً.
ولا تغيب عن مشهد الصعوبات والعراقيل حقيقة أنّ تجارب سابقة لوقف إطلاق النار شهدت خروقات متعاقبة من جانب قوات حفتر، لأسباب واضحة يعود أبرزها إلى إصرار داعميه في أبو ظبي والقاهرة تحديداً على إدامة حال الفرقة والاقتتال بين الليبيين من جهة أولى، بالإضافة إلى أوهام تعليق الآمال على إمكانية انتصار المشير الانقلابي من جهة ثانية، خاصة وقد تدفقت على كتائبه كميات هائلة من الأسلحة المتطورة والذخائر والمرتزقة.
ومع ذلك فإن اتفاق جنيف يمكن أن يشكل بصيص أمل، حتى إذا أحاطت بتنفيذه شكوك جدية، لأنه في جانب أول يتيح رفع حالة القوة القاهرة عن حقول النفط والمصافي، ويسمح استطراداً بإعادة تصدير النفط وتكريره بما يخفف عن كاهل المواطنين أعباء ارتفاع أسعار الوقود وانقطاع التيار الكهربائي ورفد الخزينة الوطنية بالسيولة الصعبة. ومن جانب ثانٍ يمكن للاتفاق أن يسفر عن استئناف حركة الملاحة الجوية والنقل البري بين المدن الليبية وخاصة الجنوبية منها، كما أنه ينص على إقرار موازنة موحدة وهذا تطور إيجابي تماماً رغم صعوبة تنفيذه.
المواطن الليبي كان الضحية الأولى وهكذا يظل اليوم، ولهذا فإنه لا يُلام إذا رأى بصيص أمل في هذا الاتفاق، ولكن لا حرج عليه أيضاً إذا توقع له أن ينطفئ سريعاً.
القدس العربي