تفكر حكومة السودان في سد فجوة القمح لحوالي 3 أشهر بعد مساعدات إماراتية وإسرائيلية وأميركية ربما تغطي شهرين لحين إنتاج القمح المحلي بعد 5 أشهر، في حين أن الموسم الصيفي وحده يمكنه توفير مليارات الدولارات إذا توفرت الإرادة.
ولغة الأرقام كفيلة بإثبات ضآلة المنحتين الإسرائيلية والإماراتية من طحين القمح بالنسبة لأزمة الخبز، ويرى مراقبون أن منحة إسرائيل بقيمة 5 ملايين دولار قيمتها سياسية.
وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن بلاده سترسل للسودان طحين قمح بقيمة 5 ملايين دولار، وذلك بعد ساعات من إعلان أميركا تقديم مساعدات إنسانية بقيمة 81 مليون دولار.
ولا تبدو حصيلة جمع المنحتين (86 مليون دولار) حاسمة لتخفيف وطأة أزمات السودان الاقتصادية المتبدية في طوابير الوقود والخبز وشح الدواء. ووفقا لهيثم محمد إبراهيم الناشط في اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم) فإن المبلغيْن أقل من تكلفة استهلاك الخبز لشهرين، لأنه ووفقا لبيانات وزارة المالية فإن البلاد تحتاج لنحو 48 مليون دولار شهريا لتوفير القمح.
إرادة ناقصة
للمفارقة، قدم خبير سوداني عمل في برنامج القمح الأسترالي رؤية يمكنها تحويل مقولة “السودان سلة غذاء العالم” إلى حقيقة عبر تمويل يعتمد على تحويلات المغتربين (6 مليارات دولار).
وفي حديث للجزيرة نت، يقول محمد أحمد عمر، الذي عمل في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) أيضا، إنه قدم رؤيته للحكومة السودانية التي يبدو أن أكثر ما ينقصها القدرة على الاستجابة والإرادة.
ويوضح أن رؤيته تعتمد على زراعة 3 ملايين فدان بالقمح بسحب مياه جوفية بالطاقة الشمسية في الحوض النوبي الممتد في شمال وغرب السودان حتى الحدود الليبية وحوض بارا بشمال كردفان وحوض الجزيرة في أواسط السودان، ويشير عمر إلى أن السودان يمكنه تصدير القمح بدلا من تلقي منح ومساعدات مشروطة في أحسن أحوالها لن تتجاوز 3 أو 4 مليارات دولار.
ويؤكد أنه بقليل من الإرادة والتخطيط يمكن زراعة 63 مليون فدان في الموسم الصيفي الذي يعتمد على الأمطار لزراعة الذرة والسمسم وعباد الشمس، وهو ما يدر عائدات تبلغ 20 مليار دولار، ويجزم بأن الوصول إلى هذه العائدات فقط يحتاج إلى تحسين الإنتاجية باتباع الحزم التقنية لرفع متوسط إنتاج الفدان من الذرة من 300 كيلوغرام حاليا إلى طن.
يمكن للسودان بقليل من الإرادة والتخطيط زراعة 63 مليون فدان في الموسم الصيفي (رويترز)
أرقام صادمة
وتبدو لغة الأرقام صادمة بشكل أكبر مع عضو تجمع أصحاب المخابز بدر الدين الجلال، فهو يقول للجزيرة نت إن المنحة الإسرائيلية تعادل حوالي 21 ألف طن بسعر 245 دولارا للطن الواحد تسليم ميناء بورتسودان.
اعلان
ويمضي الجلال ليقول إن السودان يستهلك يوميا 100 ألف جوال من طحين القمح المدعوم والمخصص لصناعة الخبز، منها 47 ألف جوال لاستهلاك الخرطوم، و53 ألف جوال لبقية ولايات البلاد.
ويوضح أن المنحة الإسرائيلية من الطحين تساوي 327 ألف جوال، وهي تكفي الاستهلاك المحلي 3 أيام، أو 4 أيام في حال تقليص حصص المخابز.
ويشير إلى أن السودان يستهلك سنويا 3 ملايين طن من القمح بمعدل 250 ألف طن شهريا، و83 ألفا و38 طنا يوميا، وهذا يعني أيضا أن منحة إسرائيل عبارة عن “نقطة في بحر”، وبمعنى أصح هي عبارة عن “ذل مجاني”.
حساب السياسة
ويرى عضو اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير هيثم محمد إبراهيم أن حساب المنحة الإسرائيلية اقتصاديا يثبت “سذاجة” المبلغ مقابل بيع مواقف إنسانية ودينية وقومية “بحسابات الربح والخسارة خسر السودان مواقفه مقابل مبلغ يمكن أن يدفعه أصغر رجل أعمال في البلاد”.
ويستدل بأن استهلاك البلاد اليومي من طحين القمح يكلف 1.6 مليون دولار، وهذا يعني أن المنحة التي أعلن عنها نتنياهو تكفي بالكاد لثلاثة أيام.
ويضيف “سواء كانت المبالغ الأميركية كثيرة أو قليلة، يجب أن نتساءل لماذا جاءت الآن؟ واضح أنها مقابل تنازل السودان عن قضاياه حيال التطبيع”.
لكن إبراهيم يعود ويقول إن القيمة سياسية أكثر منها اقتصادية لإسرائيل، في حين أن الحكومة السودانية تبرر للتطبيع بمعالجة الأزمة الاقتصادية.
بالون اختبار
بدوره، يقلل الصحفي المتخصص في الشؤون الاقتصادية سنهوري عيسى من قيمة المنحة الإسرائيلية، لكنه ينبه إلى أن قيمتها الحقيقية في أنها تتضمن رمزية سياسية لإسرائيل، وأنها بالون اختبار لا يخلو من الذكاء.
ويقول سنهوري إن منحة نتنياهو وضعت الحكومة السودانية في حرج سياسي لأن إسرائيل ما زالت مصنفة كدولة عدو في ظل عدم وجود علاقات مباشرة وتبادل للسفراء والسفارات، ويقترح أن تعلن الخرطوم تجميد المنحة الإسرائيلية في الوقت الراهن على الأقل لحين قيام علاقات رسمية بين البلدين، لأن تلقي المنح من أميركا مفهوم في ظل استمرار علاقات البلدين حتى في ظل العقوبات، لكن تلقيها من إسرائيل غريب.
ويضيف ساخرا أن السودان أصبح مثيرا للشفقة حتى من الأعداء، ويحذر من أن معايير ومواصفة الطحين الإسرائيلي يمكن أن تكون مشكلة مثلما حدث مع منحة دقيق مصري في فبراير/شباط 2019 اضطرت السلطات السودانية للتخلص منها.
جدل المواصفات
بيد أن عضو تجمع أصحاب المخابز بدر الدين الجلال يبدو مطمئنا حيال مواصفات طحين القمح الذي يتوقع وصوله للسودان في ظل امتناع الحكومة السودانية عن الإدلاء بأي تصريحات بشأن قبول المنحة أو رفضها.
وطبقا للجلال، فإن القمح سيطحن في إسرائيل بناء على مواصفات السودان، كما أن إجراءات المعايرة في بورتسودان منضبطة وتتوفر على ما يضمن مطابقة المواصفات المطلوبة.
وعقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجمعة الماضي عن اتفاق لتطبيع العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب، وصلت شحنة قمح من دولة الإمارات تبلغ 67 ألف طن.
المصدر : الجزيرة