بيروت – أدانت جهات لبنانية مختلفة نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد في مجلة “شارلي إيبدو” الفرنسية، لكن الجميع امتنع عن المطالبة بمقاطعة المنتجات الفرنسية، بما في ذلك حزب الله الذي يتلافى إلى حد الآن إطلاق تصريحات تستفز فرنسا أو تقلل من حظوظه في لعب دور من داخل المبادرة الفرنسية التي وُجدت أساسا لتأهيله في مواجهة الفيتو الأميركي.
ويعتبر أغلب اللبنانيين أن المبادرة الفرنسية بمثابة الفرصة الأخيرة لتجنب انهيار اقتصادي ومالي كامل في البلد.
وترى أوساط لبنانية أن لا أحد يريد مقاطعة البضائع الفرنسية ولا المال الفرنسي في ظل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الحادة، وأن الجميع ينظرون إلى مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أنها حبل نجاة، ولأجل ذلك هم غير معنيين بالتصعيد بما في ذلك حزب الله اللبناني.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن حزب الله سمح لإعلامه وأنصاره بإطلاق تصريحات وشعارات من باب رفع الحرج وامتصاص غضب جمهور تعوّد على الشعارات، وقد يسمح الحزب باحتجاجات خفيفة بعد صلاة الجمعة، لكن في النهاية هو سيضغط لأجل أن تهدأ موجة الاحتجاجات لأنها ضد مصالحه، وخاصة مصلحته المتأتية من المبادرة الفرنسية ومن حكومة جديدة ظاهرها اختصاصيون وباطنها حفاظ الحزب على وزاراته ووزارات حلفائه.
وقالت الكاتبة اللبنانية سمر قاضي، في تصريح لـ”العرب”، “إن حزب الله امتنع عن إدانة السلطات الفرنسية علنا بخصوص الرسوم الكاريكاتيرية، وهذا يدل على أن لبنان لا يستطيع أن يواجه فرنسا التي منحته طريقا للخلاص”.
وجاء استنكار نشر الرسوم من رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الشيخ عبدالأمير قبلان، الذي دعا المرجعيات الإسلامية والمسيحية إلى مواجهة كل ما يضر بمكانة الأنبياء وقدسيتهم.
ودعا إلى “أوسع حملة إدانة على مستوى الدول والشعوب لردع ومعاقبة من تسول له نفسه الإساءة إلى الرموز الدينية ولاسيما النبي محمد”.
وتقود فرنسا، التي كانت القوة الاستعمارية في لبنان، ورئيسها إيمانويل ماكرون جهود مساعدة لبنان على تجاوز أسوأ أزمة اقتصادية ومالية يمر بها. فإثر الانفجار الذي ضرب مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس، زار ماكرون لبنان مرتين ليؤكد دعم فرنسا الكامل للبنانيين وليثبت أنها تنوي مساعدة أولئك الذين تضرروا من الانفجار الذي أودى بحياة 200 شخص وأصاب الآلاف وشرّد 300 ألف شخص.
ويقول متابعون للشأن اللبناني إن الاحتجاج على الرسوم الكاريكاتيرية لن يعطل مساعي تشكيل الحكومة، بل على العكس قد يساعد هذا الأمر الطارئ جهود رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري خوفا من توتر جديد في الشارع قد يديم الأزمة ويغذي الانتفاضة الاجتماعية ضد الفساد.
وأعلن مكتب رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، الأربعاء، أن الحكومة الجديدة قد تبصر النور في غضون أربعة أيام أو خمسة إذا بقيت الأجواء إيجابية.
ويراهن اللبنانيون على أن عودة الحريري لرئاسة وزراء لبنان ستؤدي إلى رفع الحواجز أمام المساعدات الفرنسية المعلّقة، ومن المرجح أن تُسهم في إرساء الاستقرار الاقتصادي في البلاد، لكنها ستطلق جولة جديدة من الاضطرابات من خلال تعزيز التصورات الشعبية التي لا تتوقع أي إصلاح سياسي من الحريري الذي بات وجها مألوفا ومرتبطا بالأزمات.
ومن المرجح أن يضع الحريري إدارة تكنوقراط تركز على تنفيذ إصلاحات اقتصادية تلبي الشروط الفرنسية وتؤدّي إلى رفع العراقيل أمام المساعدات المالية الموعودة.
وسيحافظ القادة السياسيون من مختلف الخلفيات، الذين سينضمون إلى حكومة الحريري، على رأسمالهم السياسي والاقتصادي ومصالحهم أثناء تشكيل الحكومة، التي قد تكون حكومة سياسية من وراء واجهة الاختصاصيين الذين يتم انتقاؤهم بدقة ووفق حسابات مضبوطة، لا شك أن لحزب الله دورا رئيسيا فيها.
ووعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمساعدات مالية للبنان تقدّر بملايين الدولارات، مقابل إصلاحات اقتصادية وسياسية، بما في ذلك إجراء تغييرات على إدارة شركة الكهرباء الفاسدة، وتغيير كيفية تنظيم عمليات الشراء الحكومية، وتحسين الرقابة على الفساد، ووضع خطة لتخفيف الدعم دون إثقال كاهل فقراء لبنان بعبء لا مُوجب له.
وقد يقود اعتماد الحريري على حكومة محاصصة تراعي مزاج حزب الله وحلفائه إلى استفزاز العديد من المواطنين اللبنانيين المتحمسين للتغييرات الهيكلية، مما سيشعل جولة جديدة من المطالب الشعبية المنادية بإصلاحات سياسية أعمق.
وحذر مركز ستراتفورت للدراسات الإستراتيجية والأمنية من أن الاضطرابات قد تستمر بالتزامن مع محاولات الحريري تشكيل حكومة حلفاء غير حزبيين منافسة للنخبة السياسية القائمة، نظرا إلى أن هذه الحكومة تنتهك مطلبا رئيسيا لحركة الاحتجاج المناهضة للفساد.
كما تتضاعف شكوك العديد من اللبنانيين الذين لم تعد لديهم ثقة في قدرة السياسيين على تغيير ظروفهم، مما يعني أن نسب محاولات الهجرة من لبنان ستظل مرتفعة خلال هذه الفترة.
ولاحظت السلطات اللبنانية والقبرصية تزايد محاولات الهجرة غير الشرعية عبر القوارب التي تنطلق من الشواطئ اللبنانية خلال الأشهر الماضية، مما يشير إلى حدّة الأزمة الاقتصادية في لبنان وتراجع التفاؤل بين المواطنين واللاجئين بشأن مستقبل البلاد.
وكان لبنان شهد حركات احتجاجية مناهضة للحكومة منذ أكتوبر 2019؛ اندلعت لتفاقم الأزمة المالية التي أدت إلى تراجع قيمة الليرة وتدهور الأحوال المعيشية.
وقال مركز ستراتفورت في تقرير له إن هناك عوامل تاريخية جعلت عملية إصلاح النظام السياسي في لبنان صعبة، لأنه تأسس من أجل إنهاء حرب أهلية، ويعطي الأولوية لجلب جميع الطوائف اللبنانية إلى طاولة المفاوضات على حساب الحكم الناجع والفعّال.
العرب