تسود حالة من التفاؤل في الشارع العربي، منذ الإعلان عن فوز المرشح الديمقراطي، جو بايدن، في الانتخابات الرئاسية الأميركية، الأسبوع الماضي. وهو تفاؤل، وإن كان له ما يبرّره، خصوصاً في ظل ما شهدته وعايشته المنطقة العربية من كوارث ومآسٍ سياسية في السنوات الأربع الماضية التي حكم فيها دونالد ترامب أميركا، إلا أن ثمّة إفراطاً فيه، على الأقل لدى بعضهم، بأن المنطقة سوف تشهد تغيراً جذرياً يقطع فيه بايدن مع إرث ترامب الثقيل. ولذلك، من المهم تفكيك الملفات المختلفة المتوقع أن يشتبك معها بايدن في السنوات الأربع المقبلة، من أجل معرفة ما إذا كنا سنشهد بالفعل قطيعة مع إرث ترامب أم لا.
ستظلّ الصين قضية ذات أولوية ملّحة على سلم أولويات بادين خارجياً
قبل ذلك، تجب الإشارة إلى أن من غير المتوقع أن تحتل المنطقة العربية أهمية كبيرة في توجهات السياسة الخارجية الأميركية في عهد بايدن بوجه عام. ومردّ هذا الأمر إلى أسباب عديدة، يتعلق بعضها برؤية بايدن، والتي لا تختلف كثيراً عن رؤية الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، للساحة العالمية، ولمساحات الصراع الدولي وملفاته، والتي تعطي آسيا والمحيط الهادئ أولوية على كل ما عداها. ومنها أيضاً ما يتعلق بالمسألة الصينية التي باتت تمثل ملفاً مهماً على طاولة أية إدارة أميركية، جمهورية كانت أو ديمقراطية، فالصعود الصيني المخيف يمثل تهديداً أمنياً وجيواستراتيجياً لأميركا، وذلك بشهادة كل أجهزة الاستخبارات الأميركية عن هذا الخطر منذ أكثر من عقد. وهو ما جعل أوباما، ومعه أيضاً وزيرة خارجيته في فترته الرئاسية الأولى هيلاري كلينتون، يغيّرون بوصلة السياسة الخارجية الأميركية طوال سنوات حكم أوباما نحو الصين ومنطقة المحيط الهادئ، باعتبارها منطقة صراع ونفوذ بين البلدين. لذا لن يختلف جو بايدن كثيراً عنهما، وستظلّ الصين قضية ذات أولوية ملّحة على سلم أولوياته خارجياً. ويزداد الأمر إلحاحاً بعدما فعله ترامب مع الصين طوال السنوات الأربع الماضية، وقدرته على وضع حد لما يراه المواطن الأميركي العادي زحفاً صينياً وهيمنة على الأسواق العالمية بشكل يأتي على حساب أميركا. وسوف يقارن هذا المواطن بين أداء بايدن وسلوكه مع الصين بما فعله ترامب معها، والذي يراه بعضهم قد حقق انتصاراً تاريخياً عليها، من خلال فرض الجمارك والرسوم على صادراتها إلى أميركا. وتكاد المسألة الصينية تكون من المسائل التي عليها إجماع بين الأميركيين على اختلاف توجهاتهم، من حيث أهميتها وخطورتها، وإن كان هناك اختلاف في كيفية مقاربتها والتعاطي معها، فبينما يستخدم الجمهوريون، خصوصاً مع ترامب، أسلوب المواجهة من خلال استراتيجية “الضغط الأقصى”، يفضّل الديمقراطيون الحوار والتعاون مع بكين.
قد لا يدعم بايدن انتهاكات حقوق الإنسان، خصوصاً في مصر والسعودية والإمارات، إلا أنه من غير المتوقع أن يمارس ضغوطاً كبيرة عليها إذا ما استمرت الانتهاكات
وبالعودة إلى المنطقة العربية، الملفات الثلاثة التي قد تسيطر على أجندة بايدن: العلاقة مع إيران، العلاقة مع إسرائيل، العلاقة مع الأنظمة السلطوية العربية، خصوصاً في مصر والسعودية والإمارات. بالنسبة للملف الأول، ربما نشهد تحولاً مهماً في السياسة الأميركية تجاه إيران، خصوصاً ما يتعلق بمسألة العقوبات التي فرضها ترامب طوال السنوات الماضية، ووصلت إلى مستويات غير مسبوقة من التضييق والضغط على طهران بعد الانسحاب الأميركي الأحادي من الاتفاق النووي الإيراني قبل عامين ونصف، فمن المتوقع أن يعيد بايدن الولايات المتحدة إلى الاتفاق، ولكن مع فرض شروط جديدة، لضمان عدم تخصيب إيران اليورانيوم خلال العامين الأخيرين، وذلك مقابل رفع العقوبات عنها ولو جزئياً. وهذا بالطبع ما لم توجّه إدارة ترامب، بالتحالف مع إسرائيل والسعودية والإمارات، ضربات عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض خلال الشهرين المقبلين، على نحو ما يتردد حالياً في وسائل الإعلام المختلفة.
وفيما يخص ملف العلاقة مع إسرائيل، خصوصاً مسألة حل الدولتين والتطبيع مع الدول العربية. من غير المتوقع أن يكون هناك دور أميركي حاسم أو مختلف في المسألتين، فعلى الرغم من تبني بايدن مسألة حل الدولتين ورفضه المحاولات الإسرائيلية فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين، خصوصاً ما يتعلق بالضفة الغربية، إلا أنه من غير المتوقع أن يتخذ بايدن إجراءات فعليه تردع إسرائيل أو تمنعها من تنفيذ خطتها بضم أجزاء من الضفة الغربية التي توقفت قبل شهور نتيجة محاولة إسرائيل الاستفادة منها في تبرير التطبيع مع الدول العربية. وفيما يخص المسألة الأخيرة، ربما يتراجع الضغط الأميركي على مزيد من البلدان العربية كي تقوم بالتطبيع مع إسرائيل، على نحو ما فعلت إدارة ترامب مع البحرين والسودان، لكن هذا لا يعني أن إدارة بايدن سوف تعرقل مثل هذا التطبيع إن حدث. بالعكس، فقد رحب بايدن قبل شهرين بتطبيع الإمارات والبحرين مع إسرائيل. ومن نافلة القول إن مسألة أمن إسرائيل وتفوقها النوعي هي محل اتفاق بين الجمهوريين والديمقراطيين، ولا يمكن لأحد أن يتصور أن هذا سيتغيّر تحت إدارة بايدن.
ربما على المتفائلين في العالم العربي أن يحذروا من المبالغة في تفاؤلهم من إدارة بايدن وما يمكن أن تقوم به
وفيما يخص ملف العلاقة مع السلطويات العربية، خصوصاً ما يرتبط بمسألة احترام حقوق الإنسان والديمقراطية. على الرغم من أن بايدن قد لا يدعم انتهاكات حقوق الإنسان، خصوصاً في مصر والسعودية والإمارات، إلا أنه أيضاً من غير المتوقع أن يمارس ضغوطاً كبيرة عليها إذا ما استمرت هذه الانتهاكات، فلا يتوقع مثلاً أن تقطع إدارة بايدن المعونة العسكرية عن مصر، أو أن توقف مبيعات السلاح للسعودية أو الإمارات، اعتراضاً على حرب اليمن، أو لسجّلهما المزري في مسألة حقوق الإنسان، وذلك على الرغم من تعهد بايدن بذلك في أثناء الحملة الانتخابية. ربما تخرج بيانات وإدانات من وقت إلى آخر، ولكن من الصعب أن تترجم في شكل سياسات وأفعال حقيقية. صحيحٌ أن بايدن لن يعتبر شخصاً مثل السيسي “ديكتاتوره المفضّل”، على غرار ما يفعل ترامب، ولكن الصحيح أيضاً أنه لن يقطع العلاقة معه، أو يعاقبه، بشكل جدّي، على انتهاكاته الفاضحة لحقوق الإنسان في مصر.
لذا، ربما على المتفائلين في العالم العربي أن يحذروا من المبالغة في تفاؤلهم من إدارة بايدن، وما يمكن أن تقوم به في المنطقة. فإذا كان صحيحاً أن عدد الأشرار في العالم سوف ينقص بسبب رحيل ترامب عن السلطة في الولايات المتحدة، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن الأخيار سوف يزدادون مع وصول بايدن إلى السلطة.
خليل العناني
العربي الجديد