شهدت منطقة الخليج منذ عام 1980 وحتى يومنا هذا حروبًا كبرى كان العراق طرفًا أصيلًا فيها فيما اختلف العدو مرارًا، فكان أولًا إيران ثم التحالفُ الدولى بقيادة الولايات المتحدة وأخيرًا الولاياتُ المتحدة نفسها وحلفاؤها. وقد تسببت الحربُ العراقية – الإيرانية، والتي استمرت ثمانى سنوات طوال منذ العام 1980 وحتى وقف إطلاق النار عام 1988، في خسائر مادية وبشرية كبيرة بالنسبة للطرفين أُطلق عليها اصطلاحًا “حربُ الخليج الأولى” لتمييزها عن الحرب الثانية “حرب تحرير الكويت، عاصفة الصحراء “. وقادت الولاياتُ المتحدة الأمريكية عام 1991هذه الحرب لتحرير الكويت التي اجتاحها نظام صدام حسين، ثم اندلعت حربُ الخليج الثالثة عام 2003 عندما ادعت مصادرُ استخبارية أمريكية وبريطانية تابعةٌ لقوات التحالف امتلاك العراق لأسلحةِ دمارٍ شامل تهدد أمن المنطقة والعالم. ويرى بعضُ المراقبين أن إيران كانت طرفًا مشاركًا وخفيًا فى تلك الحروب كافة.
كشفت حرب الخليج الثانية عن زيف الشعار المسمى بالتدفق الحر للأنباء والمعلومات الذي أرست مبادئه الولايات المتحدة
أولا- حرب الخليج الثانية (غزو العراق للكويت 1991):
عندما بدأ الغزو البري للكويت والعراق في فبراير 1991، تّم تشكيل وحدات البث المتقدم ليكون الصحفيون قريبين من مواقع المعركة. وهكذا، تحكمت المؤسسةُ العسكرية في الصور الفوتوغرافية عن طريق تقييد توافر أجهزة البث الفضائي، وكان هذا التحليل هو الذي نبّه إلى أن بث الصور الرقمية الفيديوية في حرب الخليج ساعد على خلق ما يسمى “مشهدًا إعلاميًا” Media Scope يتم فيه إحلالَ الوجودِ الظاهري لمشاهد الحرب محل الصور “الحقيقية” للحرب ببشاعتها ومأساويتها.
وهناك صورة واحدة من الصور الشهيرة التي تحدت فكرة “الحرب النظيفة” هي صورةُ جندى عراقي متفحمٍ ومتدلٍ من مركبةٍ عسكرية في أعقابِ مذبحةِ القوات العراقية المنسحبة عن طريق البصرة في فبراير 1991، ونُشرت هذه الصورة فقط في صحيفة “الأوبزرفر” البريطانية تحت عنوان “الوجه الحقيقي للحرب”. وبإجراء تحليل خطاب بسيط يتضح – بمفهوم المخالفة – أن صور “الحرب النظيفة ” الأخرى تمثل أوجهًا “غير حقيقية” للحرب، وقد عزا جيم جاننز رئيس تحرير مجلة “لايف” الأمريكية عدم نشرها إلى عدم ملاءمتها للنشر العام، إذ من الممكن أن تسبب صدمة للأطفال، وهو ما رآه كلينر فشلًا حتى في تبرير التعتيم الإعلامي والتأثير المؤسسي الطاغي من جهة، ومظهرًا من مظاهر المقاومة المترسبة في لا وعي المشتغلين في الإعلام في الغرب لأي صورة تتحدى مفهوم الأيقونة (Iconism) سواء كانت أيقونة القوة (صور صواريخ كروز والقنابل الذكية) أو أيقونة الديكتاتورية والهتلرية. وهي المقاومة المتشبثة بالحنين إلى الماضي التليد في الحرب العالمية الثانية. وهي خاصية ما بعد حداثية كما يراها كلينر، وقد أجريت عديدٌ من الدراسات في هذا الصدد.
واستهدفت دراسة (Marie,2005) المعنونة بـ “حرب العراق هي الحرب الأكثر فتكًا بالإعلاميين منذ حرب فيتنام” The War in Iraq: The Most Deadly One for the Media Since Vietnam إلى بيان حجم الخطر الذي يهدد الإعلاميين الغربيين والمحليين في أثناء تغطيتهم لأحداث حرب العراق، إذ بينت أن العراق هو أكثر دول العالم خطرًا على حياة الصحفيين، أو اختطافهم حتى في الأيام الأولى من الحرب، حيث تناولت الدراسة تأثير هذا الخطر في التغطية الإخبارية والإعلامية في العراق بشكل كبير. وأوضحت أن الاتصالات والعلاقات بين الإعلاميين والسكان المحللين أصبحت قليلة جدًا. كما بينت أن هذا الوضع المتوتر للغاية لم يترك سوى خيارات محدودة لدى الصحفيين ووسائل الإعلام الأجنبية في وجودها بالعراق؛ فقد أثارت حرب الخليج الثانية عديدًا من القضايا الخاصة بالتناول والإدارة الإعلامية للأزمات ومنها قضية الموضوعية والرقابة الإعلامية ومصداقية وسائل الإعلام. فكشفت حرب الخليج الثانية عن زيف الشعار المسمى بالتدفق الحر للأنباء والمعلومات الذي أرست مبادئه الولايات المتحدة.
ولقد لجأت وزارةُ الدفاع الأمريكية إلى تقييد التغطية الإعلامية لأزمة الخليج الثانية من خلال الحد من عدد الصحفيين في ميدان المعركة، ودائمًا ما كانت تلازمهم شخصياتٌ عسكرية يراجعون تقاريرهم الإخبارية قبل إرسالها، فمع وصول الطلائع الأولى للقوات الأمريكية لم يُسمح سوى بتأشيرةٍ واحدة لكل مؤسسة إعلامية. لذلك ضم الوفد الأول الذي دخل المملكة السعودية بعد بدء وصول القوات الأمريكية بسبعة أيام (87) مراسلًا يمثلون مجموعة “الإعلام القومي الأمريكي”، ومراسلي وكالة “رويترز” Reuters، والشبكة الإخبارية للإذاعة الدولية، وصحيفة “لوس أنجلوس تايمز” Los Angeles Times، ومجلة “التايم” Time وغيرها.
وما من شك في أن الإعلامَ قد استُخدم كجزءٍ من عمليةِ خداعٍ كان هدفُها إخفاءَ أهداف الولايات المتحدة الحقيقية من وراء هذه الحرب. لذا فقد كانت الرقابة العسكرية الصارمة على تحركات المراسلين في مسرح العمليات تفوق تلك التي تفرضها عادة نظم الحكم في العالم الثالث المتهمة بمعاداة حرية الصحافة ورفض التدفق الحر للأنباء والمعلومات، كما أن أصبح المراسلين الصحفيين في مسرح العمليات أُسارى للقيادة العسكرية وأوامرها الصارمة المقيدة لحرية التغطية الإعلامية.
وأكد هذا (Girffin & lee) (1995)، في دراستهما بعنوان ” وصف وتصوير حرب الخليج: صورة حرب الخليج في المجلات الإخبارية الأمريكية مثل “نيوزويك” Newsweek و”تايم” Time و”وورلد ريبورت” U.S news World report ، وكانت دراسةٌ تحليلية لعدد 1104 صورة صحفية نُشرت خلال حرب الخليج في المجلات الثلاث، واعتمدت الدراسة على أسلوب تحليل المضمون من خلال أسلوب الحصر الشامل للصور التي نُشرت خلال الفترة من 21 يناير وحتى 18 مارس 1991. وقام الباحثان بتصنيف الصور ليس فقط عن طريق المحتوى والمضمون الدعائي، ولكن أيضًا طبقًا للأسلوب ومضمون الحدث ذاته اعتمادًا على طبيعة الصور ذاتها مثل نشر صور تستعرض الأسلحة مقابل صور تصور تحركاتها في مسرح الأحداث، وأيضًا نشر صور جنود أثناء التدريبات أو خلف خطوط المعركة مقابل نشر صور جنود أثناء في ميدان القتال، ونشر صور حية من المواقع العسكرية مقابل نشر صور مستخرجة من الأرشيف.
وقد أشارت نتائج التحليل إلى ضيق نطاق الإيحاءات الذهنية للصور، وأن التأكيد على تنوع واستعراض وتفوق الأسلحة ووسائل التقدم التكنولوجي قد سيطر على التغطية المصورة للحدث، كما أشارت نتائج الدراسة إلى شيوع وانتشار الصور التي تشرح وتوضح أنواع الأسلحة خلال تغطية الحرب، وصور للقادة السياسيين والزعماء العسكريين، وصور الجنود في ميدان المعركة.
هذا بالإضافة إلى أنه قد انكشف الوهم الغربي الخاص بحرية تدفق المعلومات؛ ففي استطلاع للرأي نشرته جريدة “لوموند” Le Monde الفرنسية عن حرب الخليج الثانية يكشف عن قلق الإعلاميين الغربيين. وقد أوردت الصحيفة نتيجة الاستطلاع الذي استهدف عينةً من الصحفيين جاء فيه أن 61% من الصحفيين يعدون أنفسهم غير راضين عن عمل وسائل الاتصال فيما يتعلق بالحرب، وأن 84% يشعرون أنهم كانوا أدواتٍ بيدِ السلطاتِ العسكرية، وأن 53% يعتقدون أن الثقة التي يوليهم إياها الجمهور سوف تنخفض بعد هذه الحرب.
وفي الواقع كانت الرقابةُ العسكرية هي الأسلوب الأشد وطأة الذي سلكته القيادة العسكرية لقوات التحالف للسيطرة على التغطية الإعلامية وإدارتها، فقد مارس الجيشُ الأمريكي أشكالًا متعددة من الرقابة على وسائل الإعلام الأمريكية والدولية خلاف فرض سيطرته على المراسلين الذي شاركوا في تغطية حرب الخليج الثانية، ومن هذه الأشكال سحب البطاقات الإعلامية الممنوحة لوفدٍ من الصحفيين الفرنسيين، حيث قام الوفد بالتقاط صورٍ لمنشآت وتحركات عسكرية ممنوع تصويرها، وقد بلغ عدد المراسلين الذين عانوا من هذا المصير نحو (24) مراسلًا.
وثمة شكل آخر للرقابة تمثل في وضع قواعد تحذر من نشر أخبار ليس لها علاقة بالأمن العسكري؛ فعلى سبيل المثال تم حظر جميع صور الأكفان التي تصل إلى القاعدة الجوية في “دوفر” Dover بالولايات المتحدة بهدف الحد من تغطية الخسائر الأمريكية، كما أن بعض المعلومات والحقائق تم تصنيفها على أنها سرية للغاية دون أن يكون لها علاقة بالحرب، كذلك فإن صور القصف الجوي للعراق لم يتم إعطاؤها للصحافة حتى لا تظهر للرأي العام بشاعة القصف الأمريكي. هذا وقد ظهر مدى النقص الشديد في الصور الحربية بصفة عامة وصور الجنود والمدنيين والجرحى والقتلى بصفة خاصة في حرب الخليج الثانية، وهو ما عبر عنه المراسلون الصحفيون عندما ذكر روبرت شتترلين، أحد محرري الصور في وكالة “رويترز” أنه ليس هناك أي توثيق بالصور للقتال الحقيقي في الخليج، كما أشار مايكل جيتلر مساعد مدير تحرير صحيفة “واشنطن بوست” Washington Post إلى أن حرب الخليج شهدت أكبر تحرك للدبابات الحربية في التاريخ، ولكن لم يره أحد ولا توجد أي صورة له، لا يوجد أي شيء، وأن معظم الصور المرعبة التي نشرتها مجلة “لايف” Life كانت صورًا لجثث من الحرب الإيرانية – العراقية، حيث شكك بعض منتقدي وسائل الإعلام الأمريكية Media Critics في إمكانية تحقيق خبطات صحفية أو انتصارات تافهة إزاء عدم وجود صور حقيقية للحرب.
دعمت الصور الصحفية في حرب الخليج تدعم التفوق الأمريكي العسكري والتكنولوجي حيث تتجاهل جوانب عديدة مهمة كالتكلفة البشرية للصراع
ولقد ظهر هذا جليًا من الكم الكبير من المعلومات التي أُخفيت عن المراسلين والصحفيين والمصورين في حرب الخليج الثانية. والدليل على ذلك ما ذكره بيتر آرنيت Peter Arnett مراسل شبكة التليفزيون الأمريكى CNN في مذكراته قائلًا: “حينما تحركت مع المصور فوق حطام مبنى دمرته طائرات أمريكية في حرب الخليج الثانية دخلنا الردهة في الطابق العلوي لأحد المباني كشفت لنا المصابيح المضيئة عن منظر بشع كان رجال الإطفاء يزحفون بين الحطام، وكانت الطبقة العازلة قد انفصلت عن الجدران وأسياخ الحديد الخرسانية قد التوت، كان هناك حريق في كومة من الملابس وانزلقت قدماي فوق شىء طري وإذا به جثة متفحمة، ودفعني اثنان من رجال الإطفاء جانبًا، فقد كانا يحملان جثةً أخرى، لقد قُتل ما يزيد على ثلاثمائة شخص في هذا الملجأ، أغلبهم من النساء والأطفال بفعل صاروخين أطلقتهما طائرة أمريكية، ولقد سجل شريط الفيديو الذي أرسلناه إلى محطة CNN أكثرَ مناظر الحرب بشاعة.
لذلك تعرض بيتر آرنيت للهجوم من قِبَلِ الحكومةِ الأمريكية لأنه قام بعرض مشاهد هذه المذبحة التي حدثت في بغداد خلال حرب الخليج الثانية والتي راح ضحيتها قُرابة 400 من المدنيين أغلبهم من النساء والأطفال بالإضافة إلى عديدٍ من الصور التي أخفتها وسائلُ الإعلام في حرب الخليج الثانية، والتي تُظهر مدى المآسي التي ارتكبتها قوات التحالف، حيث كان لا يُسمح بالتصوير إلا عن طريق قوات التحالف دون جهدٍ حقيقي لنقلِ المعلومات خاصة عما تعرض له المدنيون. وقد أُجريت عديدٌ من الدراسات العربية في هذا الصدد، منها دراسة حسين أمين بعنوان ” معالجة الصورة الصحفية لأزمة الخليج”، وقد استهدفت هذه الدراسة معالجة الصور الصحفية في الصحف المصرية أثناء حرب الخليج الثانية عن طريق تحليل مضمون الصور التي تصدرت الصفحات الأولى في أربع صحف مصرية قومية وحزبية وهى: “الأهرام” و”الأخبار” و”الوفد” و”الأهالي” ، وقد تبين من الدراسة أن الصحف الحزبية استخدمت الصور الصحفية بشكل أكبر من الصحف القومية، سواء من حيث العدد أو الفاعلية، ورصدت الدراسة تأثير الموقف السياسي لصحف الدراسة على عملية انتقاء صور الصفحات الأولى.
وتُشير عديدٌ من الأدبيات إلى أن الملمحَ الأساسي في التغطية الإعلامية الغربية لحرب الخليج الثانية (1990-1991) يكمن في أن التناول الإعلامي للحرب قدم العالمَ الواسع من خلالِ منتجٍ رمزي أكثر منه واقعي، وقد أظهرت الدراسات التي أُجريت عن حرب الخليج الثانية أن تقديم وسائل الإعلام للمعاني والصور والرموز والأساطير قد احتل الأولوية مقارنةً بتقديم الحقائق أو الوقائع، وأن التصورات التي صاغها الخطاب الإعلامي حول هذه الحرب قد اتسمت بالأسطورة من خلال استخدام الصياغة اللغوية المتمسكة بالأخلاق، وتحويل صدام حسين إلى شيطان.
وكانت الصور المتعلقة بالجريمة والعقاب، والخير في مقابل الشر، والحرية في مقابل الظلم أو الاضطهاد هي الدعامة الأساسية للشرعية التي تسعى إليها الحرب من خلال التحالف الذي تزعمته الولايات المتحدة آنذاك، كما تم التركيز على تهديدات صدام حسين باستخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية وتدمير الكويت والخسائر البيئية مثل إهدار كميات هائلة من البترول والطيور المصابة والنيران المشتعلة في الخليج، ومن ثم يمكن القول إن التغطية الإعلامية لحرب الخليج قد اتسمت بالاهتمام بالتكنولوجيا الاتصالية أكثر من التركيز على الحرب نفسها.
كما كشفت إحدى الدراسات التي أُجريت على الصور الصحفية في المجلات الأمريكية إبان حرب الخليج الثانية عن أن هذه الصور قد تركزت على المعدات العسكرية والتسليح وأن صناعة القوة العسكرية الأمريكية أصبحت الملمح الأساسي لصورة الحرب، بما يعني أن الصور الصحفية للحرب تدعم التفوق الأمريكي العسكري والتكنولوجي حيث تتجاهل جوانب عديدة مهمة كالتكلفة البشرية للصراع – مثل ضحايا الصراع والمصابين – كما قل الاهتمام بالصور المتعلقة بالجهود السياسية المرتبطة بالحرب كمناقشات الأمم المتحدة والمظاهرات المؤيدة للعراق في الشرق الأوسط أو السياق الثقافي المحيط بالصراع في الدول العربية.
وحظيت حربُ الخليج الثانية باهتمام عديدٍ من البحوث العربية؛ فأجرى محمد عبد الحميد دراسة عن حدود الاتفاق بين نتائج تحليل محتوى النصوص والصور الصحفية (1991)، لاختبار العلاقة بين نشر النصوص والصور الصحفية في الجريدة اليومية من خلال تحليل محتوى صحيفة “الأهرام” لمدة ستة أسابيع من 25 أغسطس إلى 25 أكتوبر 1990، والتي توسطت مرحلة تصاعد الأزمة وشهدت تحديد اتجاهات أدوار المشاركين فيها، وهي من الدراسات الوصفية واستخدم الباحث منهج المسح وأداة تحليل المضمون، واستهدفت الدراسة الكشف عن مدى الارتباط بين نشر كل من محتوى النص، ومحتوى الصورة الصحفية.
وأشارت النتائجُ إلى وجود اتفاقٍ إلى حدٍ كبير بين نتائج تحليل كلٍ من النصوص والصور الصحفية يؤيد الاتجاه إلى اعتبار كل من النصوص والصور الصحفية بديلين لنقل المعاني الاتصالية في الصحف، ويؤيد الاتجاه أيضا إلى إمكانية استخدام نتائج تحليل الصور الصحفية في اختبارات ثبات وصدق تحليل النصوص المنشورة في الصحف. وأكدت دراسة حسين أمين النتيجة نفسها حيث اختبرت هذه الدراسة تقييم الصور الصحفية في مصر خلال أزمة حرب الخليج الثانية، وأشارت النتائج إلى أن 58% من الصور أخذت مساحة مناسبة للنصوص الصحفية المصاحبة، وأن أكثر من نصف الصور ارتبطت إلى حد مناسب بالنصوص الصحفية المنشورة معها. وقد عبرت “الصورة” ما بعد الحداثية عن الرغبات الإنسانية العميقة لحيازة القوة، حيث تمّ “استغلالها” في الدعاية البريطانية والأمريكية في حرب الخليج لـ “قتل” الحقيقة، ولتقدّم مفاهيمَ زائفة عن “حربٍ نظيفة” لم تحدّث أبدًا.
ثانيا- حرب أفغانستان 2001
قامت وسائلُ الإعلام الأمريكية في حربِ أفغانستان أيضًا بمنع بث مشاهد القتل وصور الدمار والخراب الناتج عن الغارات الأمريكية وعن حجم الدمار الذي تسببه الهجمات الأمريكية على أفغانستان حتى لا يؤدي عرض هذه المعلومات والصور إلى التقليل من التأثير الشعبي للهجوم الأمريكي. كما أخفت وسائلُ الإعلام الأمريكية معلوماتٍ عن الضحايا الأمريكيين في حرب أفغانستان ومنعوا تصويرَ جثثِ القتلى الأمريكيين كما تم حظر نشر صور الأكفان أيضًا.
وشهد مطلع القرن الحادى والعشرين أيضًا اهتمامًا بالصور الصحفية، فقد شغلت صورُ انهيار برجي مركز التجارة العالمى في واشنطن دول العالم، واحتلت مراكز الصدارة في وسائل الإعلام العالمية إلى درجة اعتبارها من صور القرن الحادى والعشرين الأكثر بروزًا. فنشرت الصحف صورَ الأشخاص الذين قفزوا من النوافذ من ارتفاع 300 مترًا وصورًا لآلافِ الأشخاص الذين قضوا نحبهم تحت الأنقاض من ذوي المواقع والمستويات الكبرى في العالم، إضافةً إلى صور المفقودين الـ (800) في البنتاجون والـ (266) مسافرًا على أجنحة الطائرات المخطوفة و(78) رجلَ شرطة من نيويورك سقطوا مع سقوطِ البرجيْن، ويُرجع البعضُ أهميةَ أحداث 11 سبتمبر إلى أنها تمت في اللحظة نفسها، فظهرت الصور، وكأن التصوير مخطط له مسبقًا، غير أنه لم توجد صورة للطائرة وهي تقترب من مبنى البنتاجون لتقصفه.
وفي الأيامِ الأولى من الحربِ الأمريكية على حركة طالبان، نقلت الصور عما يدور في جبال تورا بورا وقندهار، الأمر الذي لم يُرضِ الأمريكيين، وكان الحلُ الوحيد هو نشرُ الهيمنة والتخلص من الرؤية للحرب وضرب مكتب قناة الجزيرة بالخطأ كما ادعى الأمريكيون، وبدأ البنتاجون يتحالف مع شبكة “سي إن إن” الأمريكية ليسيطر على الصورة وهذا ما يبحث عنه تُجار الحروب. فمن المعروف أن الأمريكيين لا يكتفون بالإستراتيجية العسكرية فقط، وإنما يركزون على الحرب النفسية والدعائية من أجل التلاعب والسيطرة على العقول والأفكار والاتجاهات ومن ثم الرأي العام، وهذا ما جعلهم يسيطرون على الإعلام منذ سنوات لكسب عقول الناس.
شهد مجال الصورة الصحفية إسهامات كبيرة للمصورين العسكريين في إظهار بشاعة الغزو وقتل المئات من المدنيين والعراقيين
ثالثا- حرب الخليج الثالثة (الحرب الأنجلو- أمريكية على العراق 2003):
مع بداية الحرب الأنجلو. أمريكية على العراق ظهرت حربٌ أخرى، حربُ البيانات والصور بين الطرفين؛ سعيد الصحاف وزير الإعلام العراقي من جهة والناطق باسم البنتاجون من جهةٍ أخرى. وأصبح العالم يتابع نوعًا آخرَ من الحرب، الحرب النفسية، حرب التضليل والتعتيم، حتى أصبحت حربُ البيانات والمؤتمرات الصحفية والصور أهم بكثير مما يدور في ميدان العمليات، وأصبح الصراعُ يدور حول من يسيطر ويتحكم في أخبار صور الحرب، وهو ما دفع الأمريكيين إلى تجهيزِ مركزٍ إعلامي بالسيلية بدولة قطر حتى يستجيبَ لأهميةِ وإستراتيجيةِ الحدث.
وفي أثناء الغزو الأمريكي البريطاني للعراق عام 2003، حرصت الإدارةُ الأمريكية أثناء الحرب من خلال فريق عمل إعلامي يضم (500) صحفى منهم (375) أمريكيًا، 80% منهم أمريكيون والباقي من بقية دول العالم قاموا بمصاحبة القوات الأمريكية وتم تزويدهم بـ (13) صفحة من التعليمات التي أقرها البنتاجون والتي تحدد لهم نطاق التغطية الإعلامية وحدودها، فالبنتاجون يشرف عليهم ويوجههم للأماكن التي يريدها ويتدخل فيما يكتبونه ويبثونه من صور إلى مؤسساتهم الإعلامية، وقد بدأ المشهد الإعلامي الأمريكي في الأيام الأولى للحرب أقرب إلى الارتباك والتيه وغاية في التناقضات والأكاذيب، بسبب اعتماده على أسلوب بث الشائعات لخلق حالة من الذعر الجماعى بين الجماهير العراقية وإحداث بلبلة لدى الرأي العام. وقد أدى ذلك إلى فقدانه المصداقية التي تجلت في جملة الأكاذيب والافتراءات التي استهل بها إعلام الغزو الأسبوع الأول من الحرب، واستمرت على مدى المعارك ضد المدنيين من الشعب العراقي، وأبرزها ما قيل عن هروب طارق عزيز، ومقتل طه ياسين رمضان، ومصرع صدام حسين، وسقوط أم القصر والناصرية والبصرة واستسلام الفرقة (51) من القوات العراقية. وقد أجرت إيمان جمعه (2004) دراسة بعنوان “معالجة الصحافة المصرية لتطورات الحرب الأنجلو أمريكية على العراق واتجاهات الجمهور المصري نحوها”. تناولت الدراسة ثلاثَ صحفٍ مصرية هي “الأهرام” و”الوفد” و”الأحرار”، واستخدمت الدراسة أسلوب تحليل المضمون للفترة الممتدة من نوفمبر 2002 إلى يونيو 2004، وهى الفترة التي امتدت من صدور قرار مجلس الأمن لضرب العراق إلى تاريخ انتقال السلطة من الإدارة الأمريكية إلى الحكومة العراقية المؤقتة آنذاك، وخَلُصت الدراسة إلى نتائج عديدة منها تشابه مفردات المعالجة الصحفية في الصحف الثلاث، وغلبة الطابع السلبي على وصف الفاعلين الأساسيين في الحرب، وبروز استخدام الصور الموضوعية في المعالجة الصحفية لأحداث الحرب وارتفاع نسبة الأخبار المنسوبة إلى مصادرها وانخفاض نسبة الأخبار غير المنسوبة إلى المصدر.
ولقد شهد مجال الصورة الصحفية إسهامات كبيرة للمصورين العسكريين في إظهار بشاعة الغزو وقتل المئات من المدنيين والعراقيين. وخير دليل على ذلك ما نشره “الأهرام” عن وكالة “رويترز” لطفل عراقي يدعى “علي إسماعيل عباس” والذى يبلغ من العمر اثني عشر عامًا تحت عنوان “مأساة شعب”، حيث دمر صاروخ أمريكى منزل هذا الطفل وفقد جميع أفراد أسرته، أما هو فقد نالته اليد الغادرة حيث أصيب بحروق عديدة في مناطق متفرقة من جسده وتم بتر ذراعيه حيث توضح الصورة مدى الألم والحسرة التي تكسو ملامح الطفل البريء والدموع تملأ عينيه على ما حدث له ولبلده. ولقد كان لهذه الصورة تأثيرٌ كبير؛ فقد هزت المشاعر الإنسانية وكشفت عن الوجه الحقيقي للاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق عام 2003.
وقد شكلت الصورة الصحفية أحد الملامح الرئيسة للتناول الصحفي لأحداث احتلال العراق في كل من صحيفتيْ “الأهرام” و”الوفد”، حيث لم يعد دورها يقف عند وظيفة جذب انتباه القارىء أو أثاره اهتمامه، ولكن تتم قراءة الرموز التي تتكون منها الصور وما تحمله من أفكار أو معان وما تجسده من أبعادٍ مُضافة وما تُركز عليه من شخصياتٍ ووقائع.
يُضاف إلى ذلك، ما جسدته هذه الحرب في عديد من نتائج الدراسات الخاصة بالصورة واستخداماتها في أوقات الحروب، والتي أكدت ارتفاع نسبة صور أطراف الحروب كمراكز للاهتمام كذلك تعددت التكنيكات الإعلامية التي استخدمت الصور الصحفية في دعمها وفقًا لاختلاف الوضع العسكري والسياسي. وقد استخدمت كلٌ من “الوفد” و”الأهرام” الصورة الصحفية استخدامًا مختلفًا للتعبير عن أحداث الغزو تعبيرًا متسقًا مع سياستها التحريرية ومعبرًا عن إطارها الإعلامي في التناول، حيث ارتفعت نسبة استخدام “الوفد” للصورة الصحفية ارتفاعًا ملحوظًا بلغت 37% مقابل 26.7% في “الأهرام”، حيث اهتمت “الوفد” بنشر صفحات كاملة تناولت فيها تجسيدَ معاناةِ شعبِ العراق مُبرزةً وحشيةِ الممارساتِ الأمريكية في مجموعةِ من الصور متعددةِ الرؤى منها ما جاء على صفحتها الأولى في عددها الصادر في 30 مارس 2003، حيث نشرت مجموعة من الصور ذات الأبعاد الدرامية المؤثرة واكتفت بكتابة بعض التعليقات مثل “هكذا يدافعون عن حقوق الإنسان”، “شهيد في كل بيت”، “الرعب من المستقبل”.
وهكذا اتخذت “الوفد” بُعدَ التأثيرِ الدرامي محورًا لدور الصورة وفاعليتها في الاستخدام، وهو ما اختلف عنه في “الأهرام” التي اعتمدت على الصورة الصحفية بشكلٍ خبري لاستكمال التناول لأحداث الاحتلال بأبعاده المختلفة، ولعل اختلاف الإطار الإعلامي قد وضح في بعض الاستخدامات للصور الصحفية بين الجريدتين منها على سبيل المثال تناول أحداث يوم التاسع من أبريل 2003، والتي تضمنت سقوط بغداد وانهيار النظام العراقي، حيث جسد “الأهرام” تلك الأحداث في عدده ليوم 10 أبريل بمجموعة من الصور الصحفية التي صورت سقوط التمثال الكبير للرئيس العراقي، ورد فعل الشعب العراقى التي تناقلته وكالات الأنباء المختلفة، والتي جسدت ملامحه استشرافًا لعهدٍ جديد يحمل ضمنيًا أبعادًا أفضل، في حين لم تنشر “الوفد” في اليوم نفسه سوى صورة لمدينة بغداد من خلف التمثال نفسه وقد أصابتها حالةً من الإعتام عدا الضوء الناتج عن نيران قنابل قوات الغزو، وهى بذلك تشير ضمنيًا إلى أبعاد الصدمة والظلام الذي يغلف الرؤى المستقبلية.
ولقد لجأت “الوفد” لاستخدام الرسالة الصحفية من مواقع مختلفة بدرجة فاقت “الأهرام”، حيث بلغت نسبتها في “الوفد” 6,1% مقابل 6,.% في “الأهرام”، ويأتي هذا الاستخدام متسقًا مع التناول المتزايد من جانب “الوفد” لاتجاهات الرأي العام الشعبي في دول العالم المختلفة تجاه أحداث الغزو. ولا بد من أن ما شنته الولايات المتحدة من حروب على أفغانستان والعراق أثر بشكلٍ كبير على نظرةِ العربِ للغرب. وفي استطلاع رأي لمعهد “بيو” أُجرى بين 20 أبريل و 31 مايو 2005، تبين أن صورة الولايات المتحدة في العالم كانت لا تزال متراجعة خصوصًا بسبب الحرب على العراق.
كما كشفت الصورُ التي نشرتها وسائلُ الإعلامِ العراقية عن حجمِ المقاومة العراقية وما تلاها من أسرٍ وقتلٍ لعديدٍ من الجنود الأمريكيين والبريطانيين، وصور إسقاط مروحيات وطائرات عسكرية، وصور لجثث أمريكيين لقوا مصرعهم أثناء معارك الناصرية جنوب غرب العراق، وصور الجنود الأمريكيين الجرحى في مستشفى البصرة وهم ممدون فوق البلاط، وصورة الأمريكى الذي فقد ولده المشارك في حرب العراق وهو يحمل صورته الفوتوغرافية مخاطبا بوش: “لقد انتزعت مني ولدي الوحيد وصرت بلا ولد الآن. هل أنت مسرور؟ أريد من بوش أن يلقي نظرة على صورة ابني.. إنه ابني الوحيد”، وكذلـك صورة أم أمريكية تتوسل إلى الرئيس الأمريكي لإنقاذ ابنها الواقع في الأسر العراقي ووضع حد لهذه الحرب العبثية، وهو ما جعل وزيرَ الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد يعتبر نشر مثل هذه الصور مخالفًا لاتفاقات جنيف بشأن معاملة الأسرى.
ومن جهة أخرى، شكك إعلام التحالف في مصداقية صور صدام حسين المجهول مصيره وهو يجتمع بكبار المسئولين العراقيين وقال إنه أصيب بجروح أو لقي مصرعه، لكن الواقع كان عكس ذلك، وصور انهيار تمثال صدام ورد فعل العراقيين بعد إزالة التمثال، ونشرت صور السلب والنهب في الموصل وبغداد والتي تظهر أن العراق بدا غابة فعلية، وصور للمطلوبين من القياديين العراقيين، وصور استسلام قائد الفرقة (51) من الجيش العراقي مع أفراد فرقته.
ومنذ الأيامِ الأولى للحرب، برز اهتمامُ إعلام التحالف بصور الأطفال؛ فنشرت صحيفةُ “نيويورك تايمز” New York Times الأمريكية صورةَ جندي أمريكي يحتضن طفلةً عراقيـة وتحتها تعليق: “الجندى يحتضنها لأن أمها قُتلت في الحرب”. وصورة أخرى لضابط أمريكي يداعب طفلًا عراقيًا عرضها الجنرال الأمريكي فنسنت بروكس في مقر قيادته في قطـر، معلقًا أن أطفالَ العراق يتعرفون على الحرية للمرة الأولى في بلدهم. وقد كان يوم 28 أبريل 2003 يومًا داميًا في تاريخ الصحافة العالمية، فخلال تغطية الغزو الأمريكي للعراق، لقى المصورُ الصحفي الأوكراني تاريس بروتسا بوك بوكالة برويتر للأنباء مصرعه، بعد قصف القوات الأمريكية البريطانية لفندق فلسطين الذي يستخدمه الإعلاميون ببغداد، كما شهد هذا اليوم مصرع ثلاثة آخرين وهم طارق أيوب مراسل قناة الجزيرة القطرية، وجوليو إنجوينا بارادو مراسل صحيفة “الموندو” اليومية الإسبانية، وكريستيان ليبيج محرر صحيفة “فوكس” الأسبوعية التي تصدر في ميونيخ، كما أصيب أربعة مصورين ومراسلين لرويترز والجزيرة، وبذلك وصل عدد المصورين والمراسلين الذين لقوا مصرعهم خلال هذه الحرب إلى (12) شخصًا خلال 21 يومًا فقط، إلى جانب عديدٍ من المصابين، وهو ما دفع وسائل الإعلام إلى إعادة تقييم المواقف لاعتبارات سلامة العاملين لديها.
وانضم هؤلاء إلى القائمة الطويلة للمصورين والمراسلين الذين لقوا مصرعهم في تغطية أحداث الصراع في مختلف أنحاء العالم، ويكفى مثالًا لذلك أن وكالة “أسوشيتدبرس” Associated Press قد أعلنت في عام 1993 أن المصور الصحفى هانز كروس الذي لقي مصرعه في مقديشيو بالصومال حين هرع مع زملائه لتصوير أهداف استهدفتها مروحيتان تابعتان للولايات المتحدة أنه رقم ستون من مراسليها الذين لقوا مصرعهم خلال تغطيتهم للأحداث في نحو خمسين عامًا.
ولعل هذا العدد الكبير من المصورين والصحفيين ضحايا تغطية الأحداث يشير إلى اهتمام الصحف بتصاعد ثقافة الصورة، والتي تُعد من أهم النتائج التي أسفرت عن تزاوج تكنولوجيا المعلومات والاتصال لما لقدرة المرئيات من التأثير في حاسة البصر التي تعد أسرع الحواس في تسجيل الصور الذهنية لدى الجمهور.
رابعا- حرب لبنان عام 2006
جذبت حرب لبنان عام 2006 اهتمام الباحثين الإسرائيليين الذين على عكس – نظرائهم اللبنانيين والعرب – أصدروا مجموعة كبيرة من البحوث والمطبوعات نقدت جوانب عديدة من أداء وسائل الإعلام الإسرائيلية وخاصة دعمها المطلق للحرب، حيث قامت مؤسسة “كيشيف” الإسرائيلية عام 2007 بتحليل آلاف المقاطع من نشرات الأخبار التلفزيونية والصحف الإسرائيلية، فوجدت أن وسائلَ الإعلام دعمت الحرب بشكل كلّي، وقدّمت تغطية غير ناقدة. كما تنبّهت إلى أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تجاهلت تغطية العيوب والتناقضات التي شابت أهداف إسرائيل المزعومة ومبرّراتها لخوض الحرب، وقدّمت صورة مزيفة عن قوة القادة الإسرائيليين، متجاهلةً الاختلاف في آرائهم ومتغاضية عن الفشل في حماية السكان في الشمال كما فصلت فصلًا شبه تامٍ بين الأعمال العسكرية والتدمير والقتل الواسع النطاق في لبنان، ومعاناة سكانه المدنيين نتيجة القصف الإسرائيلي، رفعت اللوم عن إسرائيل فيما يتعلق بارتكاب مجزرة قانا. والانتقادات النادرة التي ظهرت دعت إلى ” العمل بشكل أشدّ وأكثر فاعلية للانتقام وإلحاق ضرر أكبر بلبنان”.
وفي موضوع تغطية الأخبار من خلال الصور الفوتوغرافية، تناولت دراسةُ ماسكاعني الصورَ الفوتوغرافية وعناوينها التي نشرتها المجلات الإخبارية الأمريكية. واعتبرت أنّ التصوير الصحفي الأمريكي الناقل للحرب أعاد تقديم الصور النمطية عن المسلمين، ما أثار الخوف والمعاناة، وقدّم السردية الغربية (Western Narrative) التي تبحث عن ضحـّية، وتدعو إلى تدخّل الولايات المتحدة كجهة منقذة في المنطقة، وقد أيّدت الصورُ المنشورة دعمَ السياسة الخارجية الأمريكية لإسرائيل، وأظهرت حزبَ اللـه كجماعة إرهابية، وقد ألمحت الصورُ إلى وجودِ تساوٍ نسبي في الضحايا لدى كلا الجانبين، وهو أمر كذبته حصيلة القتلى.
وقارنت دراسة باري تأطير الصور الصحفية في صحيفتيْ “الجارديان” The Guardian و”التايمز” The Times البريطانيتين، ووجدت أنّ الصور المنشورة في الصحيفتيْن كانت في المقام الأول للمدنيين، وركّزت على الخسائر البشرية والإصابات، ولا سيّما في صفوف المدنيين اللبنانيين. ومع ذلك، فقد صورت الصحيفتان عمومًا “حزب اللـه” كـ “وحدات قتالية صغرى” (Guerilla Groups) متطرفة وغامضة، بينما ركزت الصورُ العسكرية في الغالب على لقطاتٍ للجنود الإسرائيليين والعتاد الإسرائيلى، ووجدت الدراسة أن صور “الجارديان” كانت أكثر واقعية، وأظهرت تعاطفًا أكبر تجاه المدنيين اللبنانيين، واستخدمت في أكثر الأحيان إطارًا يُحمّل إسرائيل مسئولية الموت والدمار، في المقابل حققت “التايمز” توازنًا بين صور الضحايا المدنيين الداعمة لإسرائيل والصور الداعمة للبنان، مع ميلها أكثر إلى نشر صور تُظهر “بطولة أو تعاطف الجنود الإسرائيليين واللبنانيين، إلا أن التساوى في تصوير ضحايا المدنيين من كلا الطرفين يُكذب أرقام الصحيفة نفسها فيما يخصّ محصلة الموت والدمار التي هي أعلى كثيرًا في الجانب اللبنانى.
أ.د. شريف درويش اللبان أ. سارة أحمد يسين
المركز العربي للبحوث والدراسات