في زيارة غير مُعلن عنها، وصل يوم الإثنين الفائت وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، برفقة رئيس الأركان يشار غولر، إلى العاصمة العراقية بغداد في زيارة رسمية. وفور وصوله إلى العراق قال آكار إن “أنقرة تحترم وحدة العراق وسيادة أراضيه”، لكنه في نفس الوقت أشار إلى أن “الإرهاب” في شمال العراق يمثل تهديدا للبلدين، في إشارة إلى حزب العمال الكوردستاني. وأضاف آكار أن “التعاون والتنسيق يلعبان دورا مهما في مكافحة التنظيم الإرهابي حزب العمال الكردستاني”، معرباً عن استعداد بلاده لدعم العراق.
وخلال السنة الماضية، وإثر إطلاق القوات التركية عملية عسكرية واسعة لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية ودون تنسيق مع حكومته، احتجّت بغداد أكثر من مرّة على انتهاك تركيا لسيادة العراق ولحرمة أراضيه، خصوصا وأن العملية التي حملت اسم “مخلب النمر” أوقعت قتلى وجرحى مدنيين وعسكريين عراقيين.
وفي أغسطس الماضي، وفيما كانت حكومة العراق تنتظر اعتذارا من أنقرة على قتل ضابطين وجندي من القوات العراقية في قصف جوي تركي على منطقة برادوست بإقليم كردستان العراق، بادرت تركيا إلى تحميل الجانب العراقي مسؤولية ما حدث، متهمة إياه بالتغاضي عن أنشطة حزب العمال، متوعّدة بمواصلة عملياتها عبر الحدود العراقية ضد مسلحي الحزب إذا استمرت بغداد في التغاضي عن وجودهم في المنطقة.
وقالت وزارة الخارجية العراقية حينها إنّ بغداد ألغت زيارة لوزير الدفاع التركي إلى البلاد، واستدعت السفير التركي لإبلاغه “برفض العراق المُؤكّد لما تقوم به بلاده من اعتداءات وانتهاكات”.
وردّت وزارة الخارجية التركية في بيان أن وجود حزب العمال الكردستاني يهدد العراق أيضا، وإن بغداد مسؤولة عن اتخاذ إجراءات ضد المسلحين، لكن تركيا ستدافع عن حدودها إذا سُمح بوجود تلك الجماعة الكردية.
وظهرت في الشهر الماضي توافقات أمنية بين الجانبين التركي والعراقي في إطار مكافحة الإرهاب، تجلت في زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تركيا مع وفد حكومي رفيع المستوى في زيارة اعتبرها مسؤولون مهمة للعراق وتندرج تحت بند تعزيز العلاقات بين البلدين. وكان على رأس الملفات في زيارة الكاظمي لتركيا، لقاؤه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشهر الماضي، وبحثه معه سبل تعزيز التعاون الثنائي التجاري والأمني، والتعاون من أجل المياه بين البلدين كي لا يكون ملفاً للنزاع. وقال أردوغان حينها، إنه “قرر وبالتعاون مع حكومة العراق مواصلة مكافحة الأعداء المشتركين المتمثلين بتنظيمات داعش وبي كا كا وغولن الإرهابية، كي لا يكون لهم مكان في مستقبل تركيا والعراق وسوريا”.
و كما جاءت زيارة وزير الدفاع التركي إلى بغداد وأربيل ضمن إطار الخطوات التي تقوم بها تركيا لتأمين جبهات وجودها في الخارج، قبل بدء إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن النظر في الملفات الخارجية.
وعقد أكار ورئيس الأركان التركي خلال الزيارة لقاءات في بغداد مع نظيره العراقي جمعة عناد، والتقى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ووزير الداخلية العراقي عثمان غانمي، واستقبله الرئيس العراقي برهم صالح. كما التقى في أربيل رئيس وزراء إقليم كردستان نيجرفان بارزاني، والرئيس السابق للإقليم مسعود بارزاني، وزار مكتب «الجبهة التركمانية» العراقية في أربيل، مساء أول من أمس، وكان في استقباله وفد من المسؤولين، أبرزهم وزير شؤون المكونات في إقليم كردستان، عضو اللجنة التنفيذية للجبهة، أيدن معروف سليم، وأكد أكار «استمرار دعم الجبهة التركمانية العراقية».
وخلال اللقاء الذي جمع خلوصي أكار بالكاظمي أعرب الأخير عن رفض العراق “أي تهديد أو نشاط إرهابي” يستهدف تركيا انطلاقا من الأراضي العراقية، ودعا إلى تفعيل ما سبق إقراره من اتفاقيات بين البلدين خلال زيارته الأخيرة إلى أنقرة. من جانبه، أعرب أكار عن استعداد الجيش التركي لتقديم الدعم والمشورة في مجالات مكافحة الإرهاب والتدريب والمناورات المشتركة.
منذ سنوات فرضت مجموعة عوامل نفسها في تكييف العلاقات التركية العراقية، فعلى الجانب التركي ، تركيا تنظر بعين القلق على تواجد حزب العمال الكوردستناني على الأراضي العراقية وخاصة في منطقة سنجار، فبحسب معلومات خاصة حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية يتواجد عناصر حزب العمال الكوردستاني ضمن قضاء سنجار على شكل سيطرات ومرابطات وربايا في مناطق متعددة من مدينة سنجار وجبل سنجار وتضم مقاتلين من جنسيات وطوائف مختلفة وكما يلي:
1- الجنسية العراقية ” العرب السنة” : تتراوح اعدادهم من ” 500″ إلى “700” مقاتل.
2- الجنسية العراقية ” الطائفة الايزيدية” : تتراوح اعدادهم من ” 2500″ إلى “3000” مقاتل من كلا الجنسين ” ذكور وإناث”.
3-الجنسيات غير العراقية: تتراوح اعدادهم من ” 800″ إلى ” 1200″ مقاتل.
وتسعى تركيا عبر التنسيق مع الحكومة العراقية في تضييق نشاط الحزب على الأراضي العراقية. كما أن هناك عامل آخر يقلق تركيا أمنيًا والمتعلق بمخيم مخمور حيث يوجد به حسب معلومات خاصة حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية 13 ألف لاجىء من عوائل حزب العمال الكوردستناني يتولى حمايتهم الأمن الكوردستناني ” أسايش”، ما تخشاه تركيا أن أطفال وأبناء هؤلاء العوائل تغرس في عقولهم وقلوبهم مبادىء حزب العمال الكوردستاني فيكبرون عليها ويحرصون على اتباعها وعدم التخلي عنها. هذا يعني استمرار حالة القلق التركي إزاء ذلك الحزب. كما أن تركيا قلق أيضًا من انتشار مدارس ” فتح الله جولن في العراق”.
أما على الجانب العراقي، هناك مخاوف عراقية من استمرار انتهاك تركيا للسيادة العراقية عبر التدخل التركي العسكري في شمالي العراق، ناهيك عن احتفاظ تركيا بمواقع عسكرية في إقليم كوردستنان والموصل منذ 25 عامًا، وأن لدى العراق أيضًا مخاوف من استخدام تركيا حصته بمياه نهر الفرات للضغط على العراق سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
لكن مخاوف الدولتين لم تمنعهما من تشكيل لجنة استخباراتية مشتركة، واستعداد تركيا تزويد العراق بالمعدات العسكرية وخاصة الطائرات المسيرة. وأن أنقرة ستزود العراق بتجاربها وخبراتها في حلف شمال الأطلسي “ناتو”.
وحظيت زيارة أكار إلى العراق بتغطية مكثفة في وسائل الإعلام التركية، وتم التركيز في هذه التغطيات على القضايا الأمنية وبشكل خاص مكافحة «العمال الكردستاني»، وتحديداً ما يتعلق بمنطقة سنجار. ونشرت صحيفة «أيدنليك» التركية، القريبة من حزب «الوطن» اليساري المتطرف على غلاف عددها الصادر، أول من أمس، خريطة لمنطقة سنجار والمناطق التي تسيطر عليها «وحدات حماية الشعب» المتهمة من جانب تركيا بتبعيتها لـ«العمال الكردستاني» في سوريا، مع عنوان: «سنجار على طاولة المحادثات بين أكار وغولر والمسؤولين العراقيين». وأضافت الصحيفة – نقلاً عن مصادر لم تسمِّها – أن تركيا تولي أهمية كبيرة لمنطقة سنجار، كونها نقطة الوصل التي يستخدمها مقاتلو «العمال الكردستاني» لدعم النفوذ في مناطق شمال شرقي سوريا.
فقد أثمرت زيارة أكار إلى بغداد الوصول إلى اتفاق بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان بشأن قضاء سنجار، وبحسب معلومات خاصة حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، فقد ركز الاتفاق على ثلاث محاور ” الإداري، والأمني، وإعادة الإعمار”.
أولًا- المحور الإداري:
1- اختيار قائممقام جديد للقضاء يتمتع بالاستقلالية والمهنية والنزاهة والمقبولية ضمن الآليات الدستورية والقانونية.
2- يتم النظر بالمواقع الإدارية الأخرى من قبل اللجنة المشتركة المشكلة من الطرفين بعد تسمية منصب القائممقام على أن يراعى في ذلك مبادىء المهنية والنزاهة والتركيبة الاجتماعية للقضاء.
ثانيًا- المحور الأمني:
1- تتولى الشرطة المحلية وجهازي الأمن الوطني والمخابرات حصرًا مسؤولية الأمن في داخل القضاء ويتم إبعاد جميع التشكيلات المسلحة الأخرى خارج حدود قضاء سنجار.
2- تعزيز الأمن في القضاء من خلال تعيين “2500” عنصر ضمن قوى الأمن الداخلي في سنجار مع ضمان اشراك عادل للنازحين في المخيمات من أهالي القضاء.
3- انهاء تواجد منظمة حزب العمال الكوردستناني من قضاء سنجار والمناطق المحيطة بها وأن لا يكون للمنظمة وتوابعها أي دور في المنطقة.
ثالثًا- محور إعادة الإعمار:
تشكيل لجنة مشتركة من الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان لإعادة إعمار القضاء بالتنسيق مع الإدارة المحلية في محافظة نينوى ويتم تحديد مستواها وتفاصيل مهامها من قبل رئيس مجلس الوزراء الاتحادي ورئيس مجلس وزراء اقليم كوردستان.
رابعًا- لغرض متابعة ما ورد في المحورين الإداري والأمني اعلاه يتم تشكيل لجنة ميدانية مشتركة من الجهات المعنية من الطرفين لمتابعة تنفيذ سير ما جاء في الاتفاق.
ما يستشف من هذا الاتفاق أن الحكومة العراقية وإقليم كوردستان العراق أخذ على محمل الجد مخاوف تركيا وعملت على تبديدها من خلال الاتفاق وفي المقابل على تركيا أن تأخذ المخاوف العراقية إزاء تدخلاتها على محمل جد أيضًا، حتى تسير العلاقات بين الدولتين على الطريق الصحيح.
وحدة الدراسات العراقية