الرياض – قالت مصادر خليجية مطلعة إن العلاقات السعودية الأميركية التاريخية تواجه واحدا من أصعب امتحاناتها، وأن سلسلة البيانات والخطب والتصريحات التي لا تتوقف عن الإدارة الأميركية الجديدة تكشف أن الرئيس الأميركي جو بايدن وفريقه الدبلوماسي والأمني وضعا الرياض كأولوية سياسية في حين يبدو الفريق متراخيا في فتح الملف الإيراني.
وأشارت المصادر إلى أن لغة دبلوماسية متشنجة سادت التصريحات الأميركية على الرغم من التجاوب الذي تبديه السعودية مع مواقف واشنطن وتأكيدها المستمر على العمل المشترك للوصول إلى صيغة توافقية تأخذ بالاعتبار التحسبات الأمنية الاستراتيجية السعودية في منطقة تواصل إيران اختراقها بشكل مباشر أو عبر تشكيلات سياسية وميليشياوية.
وخلال يومين، تبنت الولايات المتحدة قرارات ومواقف في عدة قضايا استراتيجية تمس الأمن القومي لمنطقة الخليج ككلّ، وسارعت السعودية من جانبها إلى الإعلان أنها ستعمل مع الإدارة الأميركية الجديدة على الوصول إلى صيغ عمل مشتركة.
وإلى جانب سحب الدعم الأميركي من الحرب في اليمن وإعادة النظر في تصنيف جماعة الحوثيين كمنظمة إرهابية، عمدت الإدارة الأميركية إلى توجيه أمر تنفيذي إلى وزارة الدفاع الأميركية بقطع كل الدعم غير القتالي.
وقال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي إنه بناء على تعليمات الرئيس بايدن، “قطعت وزارة الدفاع كل الدعم غير القتالي، بما في ذلك الاستخبارات وبعض الاستشارات والدعم التكتيكي”.
ويعني حرمان السعودية من المعلومات الاستخبارية، وخصوصا الرصد الذي توفره الأقمار الصناعية الأميركية لتحركات الحوثيين ونقلهم الصواريخ والمسيّرات، أن على الرياض الاعتماد على مصادر أخرى أو أن تلجأ إلى تسيير طائرات رصد وتعقب للقيام بمهام المراقبة ومنع الحوثيين من تثبيت منصات الصواريخ التي تستهدف السعودية ومنشآتها العسكرية والنفطية والمدنية بشكل دوري.
وأمعنت الإدارة الجديدة في تبني خطاب متشدد في مواجهة حليفها بالحديث عن قضايا حقوق الانسان ورفع السرية عن ملف أعدته وكالة الاستخبارات الأميركية سي آي إيه عن حادثة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
وقالت جين ساكي المتحدثة باسم البيت الأبيض، الجمعة، إن الولايات المتحدة تتوقع أن تحسّن السعودية سجلها في حقوق الإنسان بما في ذلك الإفراج عن النشطاء المدافعين عن حقوق المرأة والسجناء السياسيين الآخرين.
وأفرجت السلطات السعودية، الخميس، عن بدر الإبراهيم، وهو اختصاصي أوبئة وصحافي، وصلاح الحيدر المعلق الإعلامي وابن عزيزة اليوسف الداعية البارزة لحقوق المرأة. وقد اعتقلا في عام 2019 باتهامات مرتبطة بالإرهاب.
وتجنبت ساكي الإجابة عن سؤال في إفادة بالبيت الأبيض حول ما إذا كانت الإدارة ستفرض عقوبات على السعودية بسبب مقتل خاشقجي، لافتة إلى أن إدارة بايدن تعزم رفع السرية عن تقرير استخباراتي أميركي عن هذه “الجريمة المروّعة”.
وقال مراقب سعودي استطلعت “العرب” رأيه في موقف الإدارة الجديدة والتصعيد مع السعودية “من المستغرب أن تقوم إدارة بايدن بكل هذا في أول أيامها. كنا ننتظر أن يكون الملف الإيراني هو الأولوية. ولكن الإدارة الجديدة تتصرف وكأنها تريد الانتقام من عهد الرئيس السابق دونالد ترامب من خلال استهداف سياسي لمن تعتبرهم مقربين منه.”
وأضاف، بشرط عدم ذكر اسمه، “يجب أن تتفهم واشنطن أن وضعا إقليميا مختلفا يسود المنطقة الآن، وأنها لا تستطيع أن تستكمل من حيث ترك الرئيس الأسبق باراك أوباما.”
وحاول بادين التخفيف من وقع تصريحاته ومواقف إدارته بالتأكيد على استعدادها لدعم المملكة في مواجهة التهديدات، في إشارة إلى الهجمات التي يشنها المتمردون الحوثيون في اليمن باعتماد صواريخ ومسيّرات إيرانية لاستهداف منشآت مدنية ونفطية سعودية.
ويراهن السعوديون على الوقت للتوصل إلى بناء الثقة مع إدارة بايدن بشأن الملفات مثار الخلاف. وذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس”، السبت، أن وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان تلقى اتصالاً هاتفياً، مساء الجمعة، من وزير الخارجية الأميركي الجديد أنتوني بلينكن استعرضا خلاله “العلاقات التاريخية الاستراتيجية بين البلدين الصديقين، بالإضافة إلى عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك”.
وسيكون على الدبلوماسية السعودية استثمار شبكة علاقاتها في واشنطن والعمل على إيجاد صيغة توفيقية مع الإدارة الجديدة، ولفت النظر إلى أن إيران – وليس السعودية – هي أساس مشاكل المنطقة.
ويرى محلّلون أن موقف واشنطن من الحرب في اليمن لا يعني أنها تقف ضد السعودية أو أنها تنحاز إلى إيران والمتمردين الحوثيين.
ووصف برايان كاتوليس من “مركز التقدّم الأميركي” المقرّب من اليسار، موقف بايدن بأنه “أقرب إلى إعادة تكيّف باتّجاه الوضع الطبيعي”. وقال “إنه تحوّل مهمّ… لكن الحقيقة على الأرجح أقل من الظاهر”.
ويعزو الأميركيون موقفهم من اليمن إلى منع معاناة ملايين الناس من الحرب، وهو نفس الموقف الذي يفسر مراجعة إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية.
واعتبر السيناتور الديمقراطي الأميركي كريس ميرفي أن قرار تصنيف الحوثيين “منع توصيل الغذاء والمساعدات المهمة الأخرى داخل اليمن وكان سيمنع التفاوض السياسي المفيد”.
وتستثمر لوبيات توالي دولا معارضة للسعودية في ملفات حرب اليمن وحقوق الانسان وقضية خاشقجي لإدامة زخم استهداف الرياض والتركيز على شخصية وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، وكانت قد ابتدأت حملتها من قبل وصول الإدارة الجديدة، وتواصل العمل الإعلامي بشكل متسارع قبل أن تنشغل الإدارة بقضايا الملف النووي الإيراني والاقتصاد الأميركي في ظل تداعيات الوباء، وقبل أن يركز بايدن على القضايا السياسية الداخلية ويسلم ملفات الخارجية والأمن القومي إلى فريقه.
العرب