لندن – عمقت ظاهرة الهجرة واللجوء خلال السنوات الأخيرة أزمات العديد من الدول لأسباب متباينة من بينها السياسية والأمنية والاقتصادية، حيث صارت قضية تقض مضاجع الكثير من البلدان خاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي وجدت نفسها مضطرة إلى التعايش مع هذه المعضلة مع طرح حلول بدت للمراقبين مجرد أفكار بالنظر إلى طبيعة كل بلد.
واتخذت الأمم المتحدة عبر منظماتها المتخصصة إلى جانب دول أوروبية وعربية منذ انتفاضات “الربيع العربي” أسلوب التشارك في معالجة الانعكاسات السلبية لمسألة النزوح وتأثيراتها على التركيبة الديموغرافية للسكان والواقع الجيوسياسي، والتي أحدثت تغييرات عميقة في الحياة الاجتماعية ومستويات معيشة سكانها فضلا عن الجوانب الثقافية. لكن تلك الجهود اصطدمت بعدة عراقيل متنوعة زادت من وطأتها الجائحة.
وفي الوقت الذي كافحت فيه الدول الأوروبية لاستقبال الأعداد الهائلة من اللاجئين من مختلف الأماكن، اتجهت الأنظار إلى المنطقة العربية التي يبدو أنها لم تفلح بعد في تشخيص الأزمة بشكل دقيق، رغم أن البعض منها طرح مبادرات تضمنت حلولا بدت غير واقعية ولم تجد طريقها إلى التنفيذ. فما الذي تقوم به حكومات المنطقة للمساهمة في مواجهة هذه الأزمة؟
ظهرت مؤخرا محاولات لإعادة قراءة المشهد، حيث شارك البرلمان العربي في حوار دولي حول “الاستعراض الإقليمي للاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية في المنطقة العربية” الذي نظمته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا) والمنظمة الدولية للهجرة بالتعاون مع أعضاء شبكة الأمم المتحدة الإقليمية للهجرة لوضع الإصبع على أوجه القصور في مسألة حوكمة الهجرة.
الدول العربية غير مهيأة لترك بصمتها على مشكلة اللجوء بفعل أوضاعها الأمنية والسياسية والاقتصادية الضاغطة
وفي خضم الضغوط على البنية التحتية والخدمات والبيئة بالإضافة إلى التنافس على فرص العمل، وهو ما يشكل تحديا كبيرا لقدرة التحمل التي تبديها الدول العربية المضيفة والتي يعيش فيها اللاجئون على نحو مبعثر ومشتت، ويؤثر سلبا على العلاقات بين المجتمعات المحلية والاستقرار الاجتماعي، برزت الأزمة الصحية المتأتية من جائحة كورونا لتزيد من تعقيد المشكلة.
ورأى علي المحروقي عضو لجنة الشؤون الاجتماعية في البرلمان العربي خلال الحوار الدولي أن أبرز التحديات التي تواجه اللاجئين تتمثل بالأساس في الظروف الأمنية المتوترة والاضطرابات السياسية والتداعيات الاقتصادية والاجتماعية لانتشار الوباء، إضافة إلى تراجع أوضاع العمالة المهاجرة وإسهاماتها في دعم التنمية نتيجة لفقدان فرص العمل وتدني مستويات الأجور.
ومع أن قضية الهجرة تعتبر من القضايا المحورية في المنطقة العربية، خاصة بعد ما شهدته من تزايد كبير في موجات النزوح والفرار من النزاعات على مدار السنوات السبع الماضية مع استمرار وتيرة الأزمات، ولعل موجة نزوح السوريين إلى دول الجوار في مقدمتها لبنان والعراق أحد أبرز الأمثلة على ذلك، إلا أنه من الواضح أن تلك الدول غير مهيأة بفعل وضعها الاقتصادي الضاغط.
والشرق الأوسط بوصفه من أكثر بؤر التوتر في العالم نتيجة صراعات سياسية وحروب وأزمات داخلية من بين المناطق التي تعاني من قضية اللاجئين. وهو الحال الآن في النزاع الفلسطينيّ – الإسرائيليّ والحرب في سوريا وما تعرض له العراق من حروب، فضلا عن اليمن الذي بات من أشد الدول العربية تأثراً بمشكلة اللاجئين بسبب الحرب وكذلك السودان.
وتشير الأمانة العامة لجامعة الدول العربية إلى أن المنطقة العربية تستضيف لوحدها ما يقرب من نصف إجمالي عدد اللاجئين على مستوى العالم والمقدر عددهم بحسب بيانات المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين بنحو 79.5 مليون شخص بما في ذلك 5.4 مليون لاجئ فلسطيني في مناطق عمل منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
ولبنان أحد أكثر الدول العربية استقبالا للاجئين، حيث تقدر الحكومة وجود 1.5 مليون لاجئ سوري، إلى جانب 18.5 ألف لاجئ إضافي من كل من العراق والسودان وإثيوبيا ودول أخرى، بالإضافة إلى أكثر من مئتي ألف لاجئ فلسطيني.
ويقول المسؤولون اللبنانيون إن وجود مثل هذا العدد الكبير من اللاجئين في بلد صغير يكافح من أجل الحفاظ على توازنه الديموغرافي الدقيق واستعادة نموه الاقتصادي، يؤثر بشكل متزايد على مساحة الحماية وعلى الدعوات والإجراءات الموجهة نحو العودة السريعة للاجئين إلى سوريا.
وتعتبر دول الخليج العربي النفطية الأغنى بين مثيلاتها في المنطقة، فإضافة إلى تفوقها الاقتصادي ينظر إليها على أنها المكان المثالي الذي يجب أن يتوجه إليه اللاجئون السوريون نظرا لاشتراكها معهم في اللغة والعادات، إلا أنه رغم هذه المعطيات فهي لا تستقبل لاجئي سوريا التي تمزقها الحرب منذ سنوات.
واستقبلت الدول الخليجية بضع مئات من اللاجئين في الوقت الذي تحملت فيه الدول المحيطة بسوريا عبء استقبال 5 ملايين لاجئ بحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وهو رقم كبير بالنظر إلى قدرات تلك البلدان الاقتصادية مقارنة مع قدرة دول الخليج.
ورغم دعم الحكومات الخليجية للمنظمات الإنسانية في سياق دولي حتى تساعد النازحين واللاجئين المنتشرين في البلدان العربية المستضيفة، لكنها تحتاج إلى رؤية مغايرة من أجل إبراز دورها بشكل أكبر كما هو الحال مع تونس التي سعت هيئاتها الحقوقية منذ سنوات إلى سن قانون خاص باللاجئين.
وفي حال المصادقة عليه سيصبح أوّل مشروع قانون خاص باللاجئين في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، حيث من المتوقع أن يسهم في حل مشكلة التعامل الأمني مع اللاجئين ومنحهم حرّية التنقل وحق العمل والتعليم والخدمات الصحية كما سيحدد صفة اللاجئ ويضبط حقوقه.
العرب