تتواصل التكهنات حول ماهية “الموضوع الإنساني في سوريا” الذي اجتمعت حكومة الاحتلال للتداول بشأنه في اجتماع سري طارئ مساء الثلاثاء، فيما تعرب جهات سياسية وإسرائيلية عن أملها بحصول نهاية سعيدة لهذا الموضوع.
وكانت الرقابة العسكرية قد حظرت نشر تفاصيل حول اجتماع الحكومة الإسرائيلية، وبما أن الحظر لا يسري على وسائل إعلام أجنبية، بادرت السلطات الإسرائيلية لاستصدار أمر قضائي أيضا بمنع النشر. وكشف بعض الوزراء المشاركين في الاجتماع الحكومي الطارئ أنه قد تم بواسطة تطبيق “فيديو كونفرانس” بدلا من تطبيق “زووم” لدواعي الحفاظ على السرية، وأن الحكومة اتخذت قرارا حول موضوع الاجتماع بالإجماع كما أكد نائب وزير الأمن ميخائيل بيطون للإذاعة العبرية العامة أمس.
وقبيل الاجتماع المذكور الذي استغرق ساعة، كانت سكرتارية الحكومة الإسرائيلية قد كتبت في أجندة الحكومة أن الاجتماع سيتناول موضوع “آخر المستجدات الخاصة بعدوى كورونا” ولاحقا تبين أن هذه كانت محاولة للتضليل والتستر على موضوع البحث الحقيقي.
وقد سبقت اجتماع الحكومة الإسرائيلية، مداولات بين رئيسها بنيامين نتنياهو ووزيري الأمن والخارجية بيني غانتس وغابي أشكنازي، وبين نظرائهم الروس حول موضوع “إنساني مرتبط بسوريا”. وقبل أسبوع، أعلن مكتب نتنياهو في بيان مقتضب أنه تحدث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول قضايا إقليمية، وحول استمرار التنسيق بين إسرائيل وروسيا مقابل تطورات أمنية في المنطقة.
وأعلن مكتب غانتس، يوم الأربعاء الماضي، أنه يبحث مع وزير الدفاع الروسي “قضايا إنسانية في المنطقة”، وجاء في البيان أن الوزيرين بحثا خلال المكالمة الملف السوري واتفقا على “مواصلة المشاورات الهامة بهدف ضمان أمن قواتهما، وبشأن الحاجة إلى تفعيل الجهود الإنسانية في المنطقة. وفي اليوم ذاته، اجتمع السفير الإسرائيلي لدى روسيا، ألكسندر بن تسفي، بنائب وزير الخارجية الروسي، بحضور الملحق العسكري الإسرائيلي في موسكو، وأصدرت وزارة الدفاع الروسية بيانا حول الاجتماع جاء فيه أنه “تم تبادل شامل للآراء بشأن مواصلة تطوير التعاون الروسي- الإسرائيلي”، وأنه شهد مناقشة “الجوانب الرئيسية للوضع في الشرق الأوسط”. وفي وقت سابق اجتمع بن تسفي بالمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ونائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف.
تكهنات وترجيحات
تتواصل التكهنات والترجيحات والتساؤلات عما إذا كان “الموضوع الإنساني في سوريا” يرتبط بالبحث عن رفاة جنود إسرائيليين فُقدت آثارهم في معركة “السلطان يعقوب” خلال اجتياح لبنان عام 1982، أو عن رفاة الجاسوس الإسرائيلي التاريخي في سوريا إيلي كوهين.
من جانبه أوضح المعلق العسكري في القناة 13 ألون بن دافيد، المقرب من المؤسسة الأمنية الإسرائيلي، أن الحديث لا يدور عن قضايا مألوفة ومعروفة كرفاة جنود مفقودين، إنما عن مسألة جديدة. معربا عن أمله أن تنتهي “القصة” بنهاية سعيدة قريبا جدا حتى يتسنى الكشف عنها. وهذا ما أكدته الإذاعة العبرية العامة أيضا، منوهة على لسان مصادر أن الحديث يدور عن مسألة طارئة داخل سوريا.
وفي حديث لذات الإذاعة، قال رئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق الجنرال عاموس يادلين، مدير معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، إن روسيا دخلت على خط الوساطة بين إسرائيل وسوريا كما فعلت في الماضي. ونوّه يادلين لتبادل مصالح بين روسيا وسوريا وإسرائيل في هذه المسألة ذات الطابع الإنساني والأمني والسياسي. وهذا ما أكدته القناة الإسرائيلية 12، موضحة أن روسيا ربما تمنح بشار الأسد مكافأة على تعاونه في هذه المسألة علاوة على وجود مصلحة لديه كما لدى روسيا بعدم بقاء إيران صاحبة نفوذ في الأراضي السورية.
ويوضح محلّل الشؤون العسكرية في القناة 12، روني دانيال أن المباحثات الحكومية تمحورت حول “التوجه الإسرائيلي إلى روسيا بطلب للمساعدة في مسألة إنسانية تتعلق بسوريا “. مشددا على أنها لا تتعلق باستعادة رفات الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين أو رفات جنديين إسرائيليين قتلا في معركة السلطان يعقوب عام 1982. وأشار إلى أن “روسيا تتوسط لإسرائيل لدى النظام السوري لتنفيذ مسألة ما” قال إنها “إنسانية”، ملمحا إلى أن إسرائيل قد تضطر إلى لتقديم شيء بالمقابل للنظام السوري.
الجاسوس كوهين
يشار إلى أن روسيا لعبت دور الوسيط بين إسرائيل وسوريا عدة مرات في الماضي، منها استعادة رفاة الجندي زخاريا باومل في الرابع من أبريل/ نيسان 2019 بعد العثور على قبره في سوريا، وهو أحد ثلاثة جنود إسرائيليين فقدت آثارهم في معركة “السلطان يعقوب”. وفي المقابل أفرجت السلطات الإسرائيلية عن ثلاثة أسرى سوريين .
كما استعاد الموساد ساعة يد الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين في يوليو/ تموز 2018، وذلك بعد تعاون روسيا كما أكدت مصادر إسرائيلية وأجنبية وقتها. وتأتي هذه المداولات المعلنة والسرية المكثفة بين مسؤولين إسرائيليين ومسؤولين روس، وسط هجمات إسرائيلية واسعة ضد أهداف إيرانية في سوريا، مما يعكس عمق وحجم التعاون بين روسيا وإسرائيل.
وإلى جانب “الموضوع الإنساني في سوريا” قال موقع “واينت” إن نتنياهو خلال الاجتماع الطارئ السري للحكومة حاول طرح موضوع الخطة الاقتصادية التي بلورها مع وزير المالية يسرائيل كاتس بهدف منح الإسرائيليين المزيد من المنح والمساعدات المالية، لكن وزير الأمن وشريكه الأساسي في الحكومة بيني غانتس رفض ذلك، معتبرا توزيع المساعدات عشية الانتخابات العامة نوعا من الرشوة. وهذا ربما يقود للتساؤل عن توقيت هذه الجلسة السرية الطارئة وعن مسرحتها ومنحها مسحة درامية، وهل رغب نتنياهو بخلط الحابل بالنابل، ومحاولة كسب نقاط من خلال تعزيز صورته عشية الانتخابات بصفته “قائدا كبيرا بقامة زعماء الدول أصحاب الجانب والهيبة”.
مقبرة اليرموك
بين هذا وذاك، هناك من يربط بين هذا الاجتماع الطارئ وبين ما نشرته قناة موقع “ماكو” العبرية في السادس من فبراير/ شباط الجاري، عن أنه منذ الأربعاء الماضي، والجيش الروسي منهمك في سوريا بنبش بعض القبور في مقبرة “مخيم اليرموك” للاجئين الفلسطينيين داخل دمشق، بحثا عن رفات جنديين فقدتهما إسرائيل أثناء معركة “السلطان يعقوب” وهما يهودا كاتس وتسفيكا فلدمان.
يشار إلى أن موقع “صوت العاصمة” السوري أفاد بأن الروس كانوا يستخدمون عربة طبية لجمع عيّنات من الجثث بهدف تحليل الحمض النووي في المقبرة ومحيطها، ومناطق أخرى داخل مخيم اليرموك ضمن عمليات البحث، وأن القوات الروسية أخرجت عددا من الجثامين وأجرت عليها تحليل السلسلة الوراثية قبل إعادتها إلى القبور. وحسب الموقع السوري الذي تداولت تقريره وسائل إعلام عبرية كثيرة، تجري عمليات البحث في منطقة مقبرة اليرموك حيث “فرض الجيش الروسي طوقاً أمنياً في محيطها، ومنع جميع المدنيين من دخولها تحت أي ظرف كان”.
كما ذكر الموقع، ومن دون مصدر أيضا، أن مجموعات تابعة لتنظيم “الدولة” حاولت أثناء سيطرتها على مخيم اليرموك، استخراج جثامين الجنود الإسرائيليين، عبر نبش بعض القبور وفقاً لدلالات أشخاص من أبناء المنطقة، من دون الإعلان عن نتيجة عمليات البحث حينها.
القدس العربي