تأخذ الانتخابات الإيرانية المقبلة في حزيران 2021 اهتماما واسعا ومتابعة جدية من المهتمين بقضايا الشرق الأوسط وانعكاسات نتائجها على طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة الامريكية والنفوذ الإيراني في الوطن العربي وكيفية التعامل مع مبدأ الحد من العقوبات المفروضة على النظام الإيراني، ولكن يبقى هناك عامل مهم وحاسم في طبيعة إجراء سير ونتائج الانتخابات والمتعلق بالصراعات والخلافات داخل البنية السياسية للنظام الإيراني، وأبعاد ومسببات هذه الصراعات ومدى انعكاساتها على مستقبل الإيرانيين وبقاء وديمومة النظام واستمراره في تنفيذ مشروعه في التمدد والنفوذ، وسعيه ليكون قوة إقليمية مؤثرة في الأحداث القائمة في منطقة الشرق الاوسط .
تابع مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية والسياسية أهم التطورات القائمة في توجهات التيارات والشخصيات الدينية والسياسية والأمنية الإيرانية وسعيها للاستحواذ على المقعد الرئاسي الإيراني ومدى قدرتها على خوض الانتخابات المقبلة، وكيفية مواجهة التدخلات الأمنية والاستخبارية لقيادة الحرس الثوري الإيراني، وسعيه للهيمنة على القرار السياسي وتوجهات النظام إقليميا ودوليا من خلال ترشيح أحد قياداته المؤثرة للرئاسة الإيرانية.
وهنا يبرز أسم (اللواء سعيد محمد) من مواليد 1969 كان يعمل طيارا في القيادة الجوية التابعة للحرس الثوري ويحمل شهادة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية التي أهلته لاستلام مسؤولية منصب رئيس شركة (خاتم الأنبياء) من 2018-2021 ، وقدم استقالته في السابع من اذار 2021 لترشحه للانتخابات الرئاسية الايرانية بدعم من قيادات الحرس الثوري .
ولكي تكون الصورة معمقة وذات دلالات دقيقة لكيفية اختيار (سعيد محمد) علينا أن نوضح أهمية الشركة التي كان يقودها وطبيعة الأعمال التي تقوم بها والمهام المسندة إليها وتأثيرها في الحقل الاقتصادي الايراني ومدى فعاليتها في المجتمع الايراني.
تعد شركة خاتم الأنبياء من أهم وأكبر شركات المقاولات الهندسية في منطقة الشرق الأوسط والتابعة للحرس الثوري الايراني ويبلغ رأسمالها (250) مليار دولار وأنشئت بداية عام 1987 للمساعدة في بناء واعمار ايران بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية وتوجه النظام السياسي الحاكم لتنفيذ المشاريع التنموية والانشائية وإعادة البنية التحية للحياة العامة في البلاد وأوكلت العديد من البرامج التنموية لهذه الشركة ثم تنوعت مهامها لتؤسس شركات تابعة لها في مجال (الهندسة الميكانيكية وشؤون الطاقة والدفاع والنقل) وبدأت تحظى باهتمام ورعاية المرشد الاعلى علي خامنئي وهي الأن أكبر كيان اقتصادي لديه القدرة على التحكم والسيطرة على جميع الشؤون المالية والاقتصادية في ايران بعد امتلاكها (800) شركة للبناء والاعمار والاستثمار في مجال الغاز الطبيعي والنفط والصناعات البحرية والنقل البري والزراعة والبرامج الثقافية والتعليمية ويتبع لها مركز علمي بحثي للدراسات والابحاث التي تخدم مسيرة وتوجهات الشركة ويساعدها على تنفيذ العديد من المهام الموكلة اليها ، ويضم المركز شخصيات وكوادر علمية وثقافية من خريجي الجامعات الايرانية ويتمتعون بعلاقات وطيدة مع قيادات الحرس الثوري الايراني .
جاء الترشيح موازيا لتوجهات الحرس الثوري ومن المؤسسة الاقتصادية الكبرى التي تهيمن على الاقتصاد الايراني ولديها تأثيرات كبيرة داخل المجتمع الايراني لتوظف هذه الامكانيات في دعم مرشحها (سعيد محمد) الذي أصبح أسمه يتداول في أروقة السياسة الايرانية ويحظى بدعم من علي خامنئي الذي يرى فيه شابا قائدا يمكن أن يساهم في (تعزيز الأسس العقائدية والسياسية الاستراتيجية) للنظام الايراني بحسب قوله.
ومن هنا بدأت أوجه الصراعات السياسية تأخذ أبعادا أكثر تأثيرا في الواقع الميداني الايراني وبرزت تحركات قيادات الاصلاحيين والمحافظين بعدما أحست أنها ستواجه مصاعب ومشاكل في عملية الهيمنة على منصب رئاسة الجمهورية في ايران ومعرفتها أن القول الفصل سيكون للتوجيه الذي يصدر من خامنئي حول دعم المرشح الذي يحظى بالمقبولية من قبله، ولكن تبقى الشخصيات السياسية التي لديها أدوات وأدوار عملية في تأسيس النظام السياسي الايراني وتأثيراتها وعلاقتها التي من الممكن أن تؤثر على طبيعة سير الانتخابات ومنها (محسن رضائي قائد الحرس الثوري الايراني السابق ورئيس البرلمان الحالي محمد باقر قالبياف ومستشار المرشد الاعلى ووزير الدفاع السابق حسن دهقان وأمين عام مجلس الامن القومي علي لاريجاني) .
وضمن متابعة دقيقة وقراءة للمشهد السياسي الايراني يمكن لنا أن نتوقف عند الملاحظات والتوقعات الأتية:
1.حظي ترشيح اللواء سعيد محمد باهتمام المرشد علي خامنئي الذي أطلق مفهوم سياسي واستراتيجية جديدة تحت مسمى (الخطوة الثانية للثورة) يشجع فيها تشكيل حكومة شبابية ثورية عقائدية تتولى مقاليد الحكم في ايران وتكون برئاسة شاب ثوري يلتزم بالمفاهيم الاساسية التي جاءت بها الثورة الايرانية وحسب رأيه تمثل عملية نقل السلطات الى أجيال قادمة للحفاظ على ديمومة وبقاء النظام السياسي الحاكم.
2.تسعى قيادة الحرس الثوري الى إحكام سيطرتها ونفوذها على الرئاسة الايرانية بعد تمكنها من الهيمنة على جميع مرافق الحياة العامة في ايران اقتصاديا وأمنيا واجتماعيا والعمل وفق منظور (سياسة عسكرة السلطة التنفيذية) .
3.أبرزت وسائل الاعلام الايرانية اهتماما واسعا بذكر الانجازات العمرانية والعلمية والدفاعية التي قامت بها شركة (خاتم الأنبياء) التي كان مسؤولا عنها مرشح الرئاسة الجديد (سعيد محمد) مما يشكل دعما وإسنادا له ويؤشر النفوذ الميداني للحرس الثوري على وسائل الاعلام.
4.شكلت عملية التسابق الانتخابي على تواجد شخصيات سياسية وأمنية لم يسبق لها المشاركة في الانتخابات عملية خلط للأوراق وجاءت ترشيحات الحرس الثوري لمقتضيات المرحلة الراهنة التي يمر بها النظام السياسي الايراني ليمنحه دورا سياسيا في عملية التفاوض حول الاتفاق النووي وبرنامج الاسلحة الباليستية ومديات النفوذ الاقليمي الايراني كونه يعد الذراع الرئيس والموجه لتنفيذ المشروع السياسي الايراني .
5.شكل قرار ترشيح اللواء سعيد محمد مفاجأة كبيرة لجميع التيارات والشخصيات السياسية والدينية ولدى المحافظين والإصلاحيين خاصة وأنه مرشح قيادة الحرس الثوري الايراني ويلقى الدعم والاهتمام من علي خامنئي وسيكون لديه التأثير الواسع على مجريات الأوضاع العامة السائدة في المجتمع الايراني وطبيعة التوجهات المستقبلية في إدارة الدولة الايرانية وعلاقتها مع بلدان العالم .
6.يفتقر التيار الاصلاحي الذي تقوده شخصيات سياسية بمستوى روحاني وخاتمي الى استراتيجية واضحة لخوض الانتخابات المقبلة بسبب عدم وجود قواسم مشتركة لعملية الاتفاق على صيغة سياسية موحدة وانعدام القرار السياسي بحيث أدى الى الضعف في مواجهة تحركات وتوجهات تيار المحافظين في ايران وانعكس سلبا على مدى قوة وإصرار الاصلاحيين في السباق الرئاسي المقبل بوجود مرشح للحرس الثوري .
7.يعاني تيار المحافظين اختلافات عدة في وجهات النظر بين قياداته والكل يرى نفسه أحق بالترشيح ولهذا انعدمت صورة الاتفاق على مرشح قادر على منافسة ومواجهة الخصوم السياسيين الآخرين وتشكل عملية التدخل المباشر لمؤسسة علماء الدين المجاهدين ومؤسسة الاعلام الاسلامي عاملا أساسيا يساهم في إضعاف عملية الاختيار المناسب للفوز بمقعد الرئاسة الايرانية .
تسعى جميع الأطراف السياسية الايرانية إلى تحقيق أهدافها ومآربها وطموحاتها في تسيد دفة رئاسة الجمهورية للسنوات الأربع المقبلة وفق برامجها وسياستها التي مهما اختلفت في رؤيتها لكن جوهرها سيكون إرضاء لتوجهات علي خامنئي والحظوة بدعمه واسناده ومواجهة التحديات السياسية التي يعاني منها النظام الايراني وفي أولوياتها تخفيف ورفع العقوبات الاقتصادية والاتفاق على رؤية مشتركة للعودة للحوار والاتفاق النووي واستعادة العلاقات مع الشركاء الأوروبيين الذين يسعون الى إيصال الرسائل والإشارات الأمريكية التي تبديها إدارة جو بايدن نحو النظام الايراني وصولا لإيجاد قواعد مشتركة لبدأ الحوار والذي ستكون من أهم المسؤوليات والمهام التي سيواجهها الرئيس الايراني الجديد.
وحدة الدراسات الإيرانية