منذ تحرير مدينة عدن الجنوبية الساحلية في تموز/يوليو، تنخرط القوات الموالية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وحلفاؤها من دول «مجلس التعاون الخليجي» في هجوم متعدد الجوانب لدحر سيطرة الحوثيين على الجنوب. وتقوم فرقة عمل اللواء الآلي للإمارات العربية المتحدة والقوات المصرية الخاصة المدعومةً بالمروحيات الإماراتية والسعودية من نوع “أباتشي AH-64″، بالقتال حالياً للسيطرة على تعز، ثالث أكبر مدينة في اليمن. وقد انتشرت فرق عمل مماثلة في كلّ من محافظات أبين، والبيضاء، وإب، فتقدّمت إلى حدود مائة كيلومتر من العاصمة وقامت بتحرير محطة بلحاف النفطية.
ولكنّ المقاومة الحوثية تزداد قوة في الأسابيع الأخيرة. ففي 25 آب/أغسطس، وقع طابور عسكري يحظى بدعم إماراتي في كمين حوثي قرب مكيراس في محافظة البيضاء، وخسر ما لا يقلّ عن سبع “مركبات مقاومة للألغام ومحمية من الكمائن” زودته بها دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد توقّف التقدم شمالاً نحو صنعاء بينما تنشأ جبهة ثانية من الشرق.
الجبهة الشرقية ضد صنعاء
في 7 آب/أغسطس، دخل طابور مدرّع محافظة مأرب اليمنية من المملكة العربية السعودية عند معبر الوديعة، وكان يتألف من قوات برية إماراتية ومحاربين موالين للرئيس هادي تلقّوا تدريباتهم في السعودية. وفي 21 و22 آب/أغسطس، عبرت قوة أخرى مدرّبة من السعودية بقيادة الشيخ هاشم الأحمر إلى مأرب تحت غطاء المروحيات و”مركبات «أوشكوش» مقاومة للألغام ومحمية من الكمائن” تدعمها عدة ناقلات قذائف هاون من نوع “Agrab RG-31”. ثم حوّلت قوات التحالف مصفاة “السفير” النفطية ومحطة توليد الكهرباء النائية إلى قاعدة عمليات متقدمة قادرة على الحفاظ على التقدّم الشرقي نحو صنعاء، مع مهبط للطائرات. وبعد ثلاثة أيام من وصول معدات الإطفاء العسكرية والدعم الأرضي الإماراتية، بدأت طائرات الـ “أباتشي” تصل إلى مهبط الطائرات، وانضمت إليها في وقت لاحق مروحيات من نوع “بلاك هوك UH-60” و “شينوك CH-47D”. ونتيجةً لذلك، أصبح للجبهة الشرقية الآن قاعدة إعادة تزويد قريبة من جبهة القتال.
إن البناء التدريجي للقوات في السفير مثير للإعجاب. فإلى جانب فرق قوات المغاوير التابعة لـ “الحرس الرئاسي الإماراتي” و”القوات الخاصة السعودية”، انتشرت هناك قوات بحجم لوائيْن، بما فيها كتيبة من دبابات إماراتية من نوع “لوكلير”، وسرية مشاة ميكانيكي معززة من “الجيش البحريني الملكي” مع مركبات مدرّعة من نوع “Otokar Arma”، وكتيبة من “القوات البرية الأميرية القطرية” مع مركبات مقاتلة مدرّعة من نوع “Piranha II”، وكتيبة مشاة ميكانيكي مصرية مع سرية دبابات مرافقة لها. وقد انضمت إليها عدة كتائب من الجنود القبليين اليمنيين غير النظاميين المدرَّبين من قبل السعودية والإمارات العربية المتحدة، ومجهّزة بـ “مركبات تكتيكية مقاومة للألغام ومحمية من الكمائن” وأخرى من نوع “نمر”. وتتواجد هناك أيضاً مركبات سعودية لإزالة الألغام من نوع “Aardvark”. ويتمّ توفير دعم المدفعية من قبل مجموعة من مدافع هاوتزر إماراتية من نوع “G6” وقاذفات متعددة الصواريخ من نوع “M142 HIMARS”. كما تمّ نشر أنظمة الدفاع الجوي الإماراتية من نوع “Pantsir-S1” ومدفعيات “باتريوت” المضادة للصواريخ بأعداد أكبر، وخاصة بعد أن تسبّب هجوم صاروخي بتاريخ 4 أيلول/سبتمبر بمقتل ستين شخصاً من قوات دول «مجلس التعاون الخليجي».
وقد تمّ تقسيم هذه المجموعة القتالية إلى فرق مدرّعة مع غطاء مروحيات “أباتشي” للبدء بالتقدّم في اتجاه صنعاء (مباشرة إلى الغرب) ومعاقل الحوثيين (في الشمال الغربي). وفي 14 أيلول/سبتمبر، تعرّض طابور إماراتي/يمني متوجّه نحو الجوف ومدينة مأرب لخسائر كبيرة بعد وقوع القوات القبلية ضعيفة التدريب في حقول الألغام والكمائن الحوثية، مما جعله يفقد العديد من “المركبات المقاومة للألغام والمحمية من الكمائن”. وفي وقت لاحق قامت قوات هذا الطابور بتطويق مدينة مأرب وواصلت تقدمها لإحكام سيطرتها على سدّ مأرب ومديرية صرواح الواقعة حوالى 100 كلم شرق صنعاء. وقد حصل سيناريو مماثل في محافظة شبوة في الجنوب: فبعد وصول قوات يمنية مدرّبة من السعودية من مأرب في 16 آب/أغسطس، قامت بالسيطرة على عتق، عاصمة المحافظة، مما أتاح للقوات الموالية لهادي في الشمال والجنوب بالالتقاء وإنشاء خطّ مستمر من الاتصالات البرية من السعودية إلى عدن.
الخطوات المضادة للحوثيين
استجابت وحدات الحوثيين وقوات الجيش اليمنية السابقة الموالية لعلي عبد الله صالح إلى البناء التدريجي لقوات التحالف في مأرب من خلال زيادة غاراتها عبر الحدود على محافظات عسير وجازان ونجران السعودية. ومنذ منتصف آب/أغسطس، تقوم فرق المشاة الخفيفة الحوثية التي تتمتّع بقوة فصيلة باجتياح الحصون الحدودية وإيقاع [الجانب المقابل في] كمائن قاتلة. وقد شملت الخسائر السعودية الكبيرة مروحية “أباتشي” حربية، وثلاث دبابات من نوع “M1 Abrams”، وثلاث دبابات أخرى، ومركبة قتالية للمشاة من نوع “M2 Bradley”، وأربع ناقلات جنود مدرعة مجنزرة، بالإضافة إلى أكثر من 24 من “المركبات المقاومة للألغام والمحمية من الكمائن”، وعربات “الهمفي”، والمركبات الخفيفة. وفي 23 آب/أغسطس، قُتل قائد اللواء 18 لـ “القوات البرية الملكية السعودية”، اللواء ركن عبدالرحمن الشهراني خلال مواجهة حدودية في جازان. ومنذ ذلك الحين، تصاعدت وتيرة الغارات لتصبح مواجهات أكثر استمراراً، مما أجبر السعوديين إلى الدعوة إلى شن غارات جوية داخل الأراضي التي يسيطرون عليها.
وزادت القوات الحوثية وقوات صالح أيضاً من هجماتها الصاروخية في المملكة. وفي 26 آب/أغسطس، اعترض صاروخ “باتريوت” سعودي صاروخ “سكود” كان قد تمّ إطلاقه باتجاه محطة توليد الكهرباء في جازان، كما تعرّض مطار نجران لهجوم بصواريخ من نوع “BM-27 Uragan” بتاريخ 2 أيلول/سبتمبر. ومنذ شهر تموز/يوليو أُغلقت المطارات في محافظات عسير وجازان ونجران نظراً لخطر الهجوم بالصواريخ. وكان الحادث المذكور بتاريخ 4 أيلول/سبتمبر الهجوم الصاروخي الأكثر دموية، وقد قامت خلاله القوات الموالية لصالح بإطلاق صاروخ من نوع “SS-21 Scarab” (الذي يُعرف أيضاً باسم “OTR-21 Tochka”) أصاب موقف سيارات في قاعدة العمليات المتقدمة في السفير، مما أسفر عن مقتل 45 إماراتياً، و10 سعوديين، و5 بحرينيين. وزعمت مصادر إعلامية مؤيدة للحوثيين أنه قد تمّ تدمير أربع مروحيات “أباتشي” و40 مركبة أخرى.
التداعيات على التعاون الأمني الأمريكي
تتقدّم العمليات البرية الهادفة إلى دحر السيطرة الحوثية بسرعة أكبر مما توقع العديد من النقاد حول القدرة العسكرية التي يتمتع بها «مجلس التعاون الخليجي». ويعني ذلك أن المقاومة الحوثية هي شديدة القوة، وما زالت هناك مهمة صعبة متمثلة بتحرير المراكز الحضرية، مثل تعز وصنعاء. وحتى الآن، أبرزت الحملة مجموعة من التحديات التي يمكن للولايات المتحدة أن تساعد حلفائها في «مجلس التعاون الخليجي» على تخطيها:
· تكتيكات الدفاع الصاروخي. يؤكّد هجوم 4 أيلول/سبتمبر على الخطورة الشديدة التي تشكّلها صواريخ العدو أرض-أرض على قوات التحالف في اليمن والمدنيين السعوديين على حدّ سواء. وبالإضافة إلى دعم الدفاعات الصاروخية لـ «مجلس التعاون الخليجي» في مسرح العمليات العسكرية، ينبغي أن يركّز المستشارون العسكريون الأمريكيون جهود دول «مجلس التعاون الخليجي» على قضايا المرونة والاستعداد، مثل تعزيز القواعد، وتوفير تحذيرات الدفاع الصاروخي والتدريبات للقوات، والتخطيط لعمليات الإجلاء الطبي في حالات الطوارئ لسيناريوهات الإصابات الجماعية. كما ينبغي أن يقدّموا أيضاً المشورة بشأن الأمن العملياتي لمنع حصول العدوّ على بيانات الاستهداف القيّمة من خلال المشاركات على مواقع التواصل الاجتماعي، كما يمكن أن يكون قد حصل في حالة قاعدة العمليات المتقدمة في السفير.
· صمود الدروع. تحقّق الفرق الحوثية المضادة للصواريخ مستوىً هائلاً من النجاح ومثيراً للقلق بمواجهة السعوديين بأنظمة “9M133 Kornet” و “9M113 Konkurs” و “RPG-29”. وستواجه قوات «مجلس التعاون الخليجي» والقوات المؤيدة لهادي مشاكل مماثلة عندما تخترق المناطق التي يدافع عنها الحوثيون بشكلٍ أعمق. وتحتاج القوات العسكرية السعودية إلى مساعدة عاجلة لتحسين صمود دروعها، تشمل تعزيز الدروع المرتجلة من خلال إضافات وتكتيكات وتدريبات أفضل. وتستحقّ الحلول التي وجدتها إسرائيل لمواجهة فرق الصواريخ المضادة للدبابات التابعة لـ «حزب الله» اهتماماً بالغاً في هذا الصدد.
· عمليات الاستقرار. تقوم قوات «مجلس التعاون الخليجي» ، وخاصة الوحدات الإماراتية، حالياً بمشاريع ناشئة لتوليد فرص العمل في اليمن، وتزويد المستشفيات والمدارس، واستعادة شبكة الكهرباء في عدن. كما تقوم أيضاً بإعادة بناء مراكز الشرطة الثماني عشرة في المدينة وسداد رواتب حوالى ألفين من أفراد الشرطة. وهذا جهد حيوي ينبغي أن تدعمه الولايات المتحدة في مختلف أنحاء البلاد، وخصوصاً لأنّ تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» والتنظيم الذي أطلق على نفسه اسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» يملآن الفراغ في أجزاء كثيرة من وسط اليمن مع تراجع الحوثيين وانتقال الفرق العسكرية الموالية لهادي إلى ساحات قتال جديدة.
· توليد وحدة جديدة. من أجل الاستعداد للمعركة النهائية في الشمال، نشرت كلّ من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن فريقاً من المدربين في عدن، بهدف إعداد “لواء حزم سلمان” (سُمّي بهذا الاسم عليه تكريماً للعاهل السعودي) قويّ يضمّ 4800 مقاتلاً. ولكنّ تطوير هذه الوحدة يتعثّر بسبب فتور الحماسة المتوقع في أواسط الميليشيات اليمنية الجنوبية الانفصالية بشأن انتشارها إلى جانب القوات القبلية التابعة للفصائل الشمالية بقيادة اللواء علي محسن الأحمر و”حزب التجمع اليمني للإصلاح”. وقد أجبر النقص في المجندين اليمنيين المدربين قوات التحالف إلى البحث عن القوى البشرية في مكان آخر، فتقوم دولة الإمارات حالياً بتجنيد متطوعين صوماليين، وتعتزم السودان نشر 6000 جندي من القوات البرية، بالإضافة إلى الطائرات التي سبق أن ساهمت بها بالفعل. وعلى الرغم من أهمية القوى البشرية، ينبغي على واشنطن أن تنصح شركاءها في دول «مجلس التعاون الخليجي» بالتنبه إلى العواقب غير المقصودة المتأتية عن إرسال جنوبيين إلى مناطق قبلية شمالية أو عن استخدام قوات من “منطقة القرن الإفريقي”، إذ يمكن أن يتفاعل السكان المحليون اليمنيون بشكل سلبي مع الموضوع نظراً لاتجاهات الهجرة الاقتصادية الأخيرة والمنافسات التقليدية في البحر الأحمر.
· إنهاء الصراع من خلال الحوار. ربما تمّ طرد الحوثيين من المناطق الجنوبية والشرقية، وربما حتى من صنعاء، ولكن ينبغي على واشنطن أن تبدأ بالتفكير في طريقتها المفضلة لإنهاء الصراع. ويجب إثناء قوات التحالف التي تقودها السعودية عن السعي إلى تحقيق أهداف متطرفة، مثل إخضاع مواطن الحوثيين في صعدة، والذي سيكون صعباً جداً من الناحية العسكرية وقد يؤدي إلى قيام نزاع طويل الأمد مع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين. وتحرص واشنطن لأسباب مفهومة بوضع حدّ للشكوك حول الالتزام الأمريكي تجاه دول «مجلس التعاون الخليجي» من خلال تقديم كلّ الدعم الممكن للحملة في اليمن، ولكنّ الصديق الحقيقي سيساعد دول الخليج على تحديد اللحظة المناسبة لاستئناف المحادثات مع الحوثيين بهدف خلق فرص لوضع حدّ للقتال عن طريق التفاوض.
مايكل نايتس هو زميل “ليفر” في معهد واشنطن. الكسندر ميلو هو المحلل الأمني الرئيسي في “هورايزن كلاينت آكسيس”- الخدمات الاستشارية للطاقة.
معهد واشنطن