علاقة الثقافة بالاقتصاد والتنمية

علاقة الثقافة بالاقتصاد والتنمية

258798294032

يطلق العلماء على الأنشطة الثقافية اسم القوة الناعمة، وتنعت الدول التي حققت نجاحا كبيرا في مجال الأنشطة الثقافية بأنها دول حضارية متقدمة، بل الحضارة نفسها تعرف بأنها مجموعة الأنشطة الثقافية التي تنتشر في مجتمع ما وتشكل وتبلور هويته، ونذكر على سبيل المثال أن الحضارة الغربية اكتسبت سيادتها من مجموعة الأنماط الثقافية التي تمارسها.

ولذلك إذا أردنا أن نجلل مجتمعا من المجتمعات لا نبحث أولا عن آلة الحرب أو آلة الاقتصاد أو آلة السياسة، وإنما نبحث أولا عن آلة الفكر والتنوير والثقافة، ونسأل عن النظريات التي قدمها المنظرون في هذا المجتمع لعلاج أمراض البشرية، ما الفنون التي برع فيها الفنانون والمثقفون؟ كم عدد المتاحف التي حفظت التراث الإنساني؟ وكم عدد الأكاديميات التي تحتضن المواهب لتسهم في الحفاظ على استمرارية حضارة الإنسان؟ وكم عدد المكتبات العامة التي حفظت نتاج العقول عبر العقود والقرون؟ كم عدد الأوبرا التي تمارس فيها أشكال وألوان الفنون الإنسانية الراقية؟ من علماء ورموز الفكر والفن الذين غيروا وطوروا الحياة إلى الأفضل؟

إذا كنا نفخر أن السعودية تحتل مكانتها الوثيرة في قائمة العشرين في مجال الاقتصاد الدولي، فيجب أن نتساءل أي موقع تحتله المملكة في قائمة الثقافة العالمية؟

مع الأسف نحن أكثر الدول بعدا عن الاهتمام بثقافة العصر، بل اتخذنا مع الأسف مواقف عدائية من تراثنا الإسلامي والعربي، خاصة والتراث العالمي عامة، وحرمناه علينا وعلى أولادنا، ولذلك لم نقع في قائمة العشرين ولا الثلاثين ولا المائة في عالم الثقافة العالمية!

إذا كنا نسلم أن التنمية المتوازنة هي عمل مشترك من كل مؤسسات المجتمع، فإننا نستطيع القول إن دور المثقفين السعوديين في برامج التنمية ضعيف وهزيل.

والسبب الرئيس لغياب دور المثقفين في التنمية أن المؤسسات الثقافية في المملكة ما زالت هشة وضعيفة، ولا توجد مواقف مشهودة للمؤسسات ثقافية يمكن أن نعتبرها مساهمة في التنمية، بينما لدينا مؤسسات وأندية ومنشآت رياضية يمكن أن نعتبرها علامات مضيئة وواجهة مشرفة في بلادنا.

وإذا كنا نعتبر الجامعات السعودية من المؤسسات الثقافية، فإننا قد نعتبرها كذلك لأننا لا نجد المؤسسات الثقافية المتخصصة والمعنية بتمثيل الثقافة السعودية، ولذلك نقترب كثيرا من الجامعات ـــ ونعطيها بشكل أو بآخر ـــ دورا ثقافيا رئيسا، ولكن لنكن صرحاء ونسمي الأشياء بأسمائها، ونقول إن الجامعات هي مؤسسات تعليمية بالدرجة الأولى.

أما إذا تجاوزنا حدود الثقافة وصنفنا المؤسسات الصحفية ــ كما يحلو للبعض ــ كمؤسسات ثقافية، فإن الدور الذي تلعبه الصحف السعودية هو دور لا يتعدى المساحة المحدودة الممنوحة للصحافة، وهو الدور الناقد لبرامج التنمية لا المساهم في بنائها وعمارها.

إذن ما يمكن أن يمثل المؤسسات الثقافية هو الأندية الأدبية وجمعية الفنون وجمعية الطوابع، والمفروض أن تكون هناك صروح للثقافة وبيوت للثقافة تعنى بكل فنون الحياة ابتداء من الفن التشكيلي حتى السينما والمسرح وحتى بناء المتاحف الوطنية الكبرى، وكذلك بناء الأكاديميات والمعاهد العليا لتخريج كوادر الفنون وكوادر السينما والمسرح والآثار، وبناء ونشر المكتبات العامة في المدن والقرى والمراكز.

لذلك لا توجد لدينا كوادر ثقافية مؤهلة تأهيلا علميا نضع على كاهلها مسؤولية تصميم مشروع النهضة الثقافية السعودية، ليس لدينا كوادر يمكن مقارنتها بنظيراتها في العالم أو حتى في عالمنا العربي، بينما لدينا كوادر ونجوم في عالمنا الرياضي يمكن مقارنتهم مع نظرائهم في العالم وفي عالمنا العربي.

في المجال الرياضي نتحدث بكل فخر عن المنشآت الرياضية التي نفذتها الحكومة بنجاح منقطع النظير في كل المناطق، ونتحدث عن الكوادر السعودية الضخمة في مؤسساتنا الرياضية، ولدينا منشآت جامعية ومنشآت مدرسية ومنشآت حكومية ضخمة في كل التخصصات إلا في الثقافة، ليس لدينا كوادر وليس لدينا منشآت، ليس لدينا مكتبات مركزية عامة في المدن والقرى السعودية، ليس لدينا متاحف إسلامية وطنية كبرى في مناطق مختلفة من المدن السعودية، رغم أننا البلد الذي شع منه نور الإسلام الحنيف، وبه كل الآثار الإسلامية الجليلة التي أهدرنا الكثير منها ـــ مع الآسف الشديد ـــ ليس لدينا بيوت أو قصور للثقافة، ليس لدينا “أوبرا” نعرض فيها فنوننا وفنون العالم وإبداعاته.

إذن نحن في أمس الحاجة إلى مراجعة شاملة لمفهوم الثقافة، وأتمنى أن تحمل شعار مشروع الملك سلمان للثقافة والتنوير، لأننا في حاجة إلى بناء مؤسسات وطنية ثقافية تقوم بدور واضح في وضع وتصميم برامج التنمية الثقافية، ويجب أن ُنشهر اعترافنا بالثقافة ودورها، أما نضع معظم أنشطة الثقافة في مرمى الاستنكار والاستخفاف، بينما العالم كله يجلل الثقافة وينميها وينشرها في ربوع البلاد، فهذا ما يجب أن نعيد النظر فيه.

إن أمام وزارة الثقافة والإعلام دورا كبيرا على طريق بناء المؤسسات الثقافية، وأزعم أنه بعد أن صدر الأمر الملكي بتأسيس هيئة الإذاعة والتلفزيون وكلفت الهيئة بالاختصاص في الإذاعة والتلفزيون، فلم يبق لوزارة الثقافة والإعلام إلا الثقافة، وأمامها مجال كبير لبناء المؤسسات الثقافية الوطنية الكبرى ولا سيما أنه لا يوجد لدينا ــ كما أشرنا ــ مؤسسات ثقافية بالمعنى الحرفي غير الأندية الأدبية وجمعية الطوابع وجمعية الثقافة والفنون.

والمؤسف أن نشاط هاتين المؤسستين محدود للغاية ومخجل للغاية وتقع معظمها في بيوت شعبية مخجلة، بل نستطيع القول إنه لا يوجد نشاط ثقافي في هذه البيوت، ولا توجد منشآت وطنية ثقافية نشير إليها بالبنان، كما نشير إلى بقية المنشآت الحكومية سواء في مجال الرياضة أو في مجال التعليم أو في مجالات حكومية كثيرة.

إذن لا تثريب على وزارة الثقافة والإعلام أن تباشر من الآن في بناء متاحف إسلامية وطنية في المدن الرئيسة من مملكتنا الغالية، خاصة في المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وفى العاصمة الرياض التي اعترفت “اليونسكو” بآثارها الحضارية المبهرة، وفى جدة، وفى الأحساء آثار وآثار حان الوقت أن نعلن احترامنا لها، وغير ذلك من المدن السعودية التي شهدت الكثير من الحضارات القديمة الغابرة.

إن المجتمع يجب أن يتوازن، وحتى يتوازن فلابد أن يأخذ بالخطط التنموية الشاملة في كل مجالات حياته، في مجالات الاقتصاد، والثقافة، والسياسة، والرياضة، أما أن نهتم بمحاربة الفقر اقتصاديا، وننسى محاربة الفقر ثقافيا، فهذا مأخذ نؤاخذ عليه، ولن تكون فى بلادنا تنمية متوازنة إلا إذا نفذنا مشاريع التنمية في جميع المجالات.

إن المملكة دولة عظمى ويجب أن تكون لها مؤسسات ثقافية بحجم عظمتها وكبرها ودورها المعاصر، ونعلم جيدا أن كل الدول العظمى لها مؤسسات ثقافية مبهرة، لها متاحف ولها مكتبات مركزية عامة، ولها دور للسينما، ولها دور للأوبرا، ولها دور للمسرح، ولها بيوت أو قصور للثقافة، ولها كليات ومعاهد عليا لنشر الثقافة في ربوع البلاد، وهنا أتساءل إلى متى نبقى دون منارات ومنابر ثقافية؟ وإلى متى نقبل كل أشكال وألوان استنكار الفنون المعبرة عن الحضارة الإنسانية؟ وإلى متى نقبل بأن نظل أسيري الأفكار المحنطة التي ترمي الثقافة بمخالفتها للتقاليد والشرائع؟!

إن بناء المنشآت الثقافية الوطنية الكبرى كما بنينا وعمرنا المدن الرياضية الكبرى.. سيغير من قناعات من كان يستنكر الكثير من أنشطة الثقافة، ويجب أن نتذكر أن الرياضة كانت في مرمى الاستنكار من كثير من فئات المجتمع، ولكن حينما بنينا الأندية الرياضية والمدن الرياضية والاستادات الرياضية انخرط الكل في تأييد ودعم النشاط الرياضي.

د.امين ساعاتي

* نقلا عن الاقتصادية