أفصحت الانتخابات الايرانية الاخيرة والتي جرت في 18 حزيران 2021 وأنتهت بالاعلان عن فوز (ابراهيم رئيسي) رئيسا قادما لايران عن العديد من الأهداف والنوايا التي يسعى اليها النظام الايراني في المرحلة الراهنة وطبيعة ادارة الصراع الاقليمي والدولي من وجهة نظر السياسة الايرانية في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي والابعاد المستقبلية لكيفية تقبل المجتمع الدولي للرؤية الايرانية والتعامل مع رئيس جديد يحظى بتأييد واسع من قبل المرشد الأعلى علي خامنئي وجميع الأوساط العسكرية والاستخبارية تحديدا قيادات الحرس الثوري الايراني التي تدير معظم مناحي الحياة السياسية والاقتصادية في ايران وتشكل عاملا رئيسيا في توجيه مديات التعامل السياسي الخارجي وفق أهدافها وطموحاتها في تعزيز تواجدها داخل ايران وامتداداتها نحو العواصم والأقطار العربية ومناطق النفوذ الدولي والاقليمي .
كانت الحقائق الواضحة والوقائع الميدانية والأسس الثابتة في السياسة الايرانية قد ألق بظلالها على مجمل ما جاء بالمؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس الايراني الجديد ابراهيم رئيسي يوم الاثنين الموافق 21 حزيران 2021 بعد ثلاثة أيام من اعلان نتائج الانتخابات والذي تحدث فيه عن طبيعة ادارته للحكم في ايران والأسس والثوابت التي سوف ينتهجها في توجهاته الداخلية وسياسته الخارجية ضمن اطار المحافظة على سياق الأحاديث التي سبق وأن تحدث بها (علي خامنئي) وجاءت جميعها مطابقة في الرؤية والنظرة المستقبلية للتعامل الميداني مع الأوضاع السائدة في ايران وكيفية الوصول الى ايجاد الطرق والوسائل لمعالجتها والحفاظ على استمرارية وبقاء النظام السياسي القائم في طهران .
وبغية اثبات حقيقية قربه من الشعوب الايرانية التي أعطت رأيها بالعزوف الكبير عن المشاركة في الانتخابات والامتناع عن الذهاب الى مراكز الاقتراع ، ولكن (رئيسي) أراد أن يوجه كلاما يعلم مدى مصداقته في التعامل الميداني وأن الشعوب الايرانية سوف لا تتفاعل مع جوهر الحديث ومع هذا فقد أقر وأعترف بالفساد الاقتصادي والمالي الذي تعيشه المنظومة السياسية الايرانية وانعكاساته على طبيعة الأحوال المعاشية التي يعيشها المواطنون وسعيه للعمل على اعادة وتوطيد ثقة الشعوب الايرانية بالحكومة القادمة وتحسين الأوضاع الاقتصادية ومحاسبة الفاسدين ومحاربة أوجه الفساد وترشيد السيولة النقدية والعمل على رفع مستوى الانتاج المحلي والمباشرة بالاصلاحات الاقتصادية في محاولة لاستعادة مكانة المحافظين لدى أبناء وطبقات المجتمع الايراني .
هذه المحاولات سوف لا تلقي اهتماما واسعا في الشارع الايراني بسبب سوء الأحوال المعاشية وارتفاع نسبة البطالة داخل ايران حتى وصلت الى (42%) وفقدان فرص العمل والحياة الكريمة بحيث وصلت نسبة الفقر الى (62%) مع تأثير واضح لاستمرار العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي أوقفت تصدير النفط الايراني وأبقته خارج السوق العالمية ومنعت استحصال الموارد المالية التي تسعف الانهيار الذي يشهده الاقتصاد الايراني وأدى الى هبوط واسع في قيمة العملة المحلية وجعل الشعوب الايرانية تعيش في حالة من الفقر والعوز وأصبحت ترى في السياسة الايرانية عجزا عن مواجهة الأزمات وايجاد الحلول الكفيلة بالخلاص من نفق العقوبات المفروضة على النظام الايراني الذي يرى أن هدفه الرئيسي هو الحفاظ على ديمومته واستمرار بقائه على سدة الحكم بعيدا عن الآلآم والمعاناة التي يعيشها المواطن والتي بدأت تظهر بوادرها في استمرار التظاهرات الشعبية المطالبة بتحسين الأوضاع المعاشية ورفض السياسات الايرانية والمشاريع الخارجية التي تثقل كاهل المواطنين وتنعكس سلبيا على حياتهم بسبب الانفاق المالي الكبير على طموحات ومشاريع الطبقة السياسية في أروقة النظام الايراني وسوء الادارة والاستخدام السليم للثروة النقطية والموارد المالية وتبديد المشاريع التنموية وضياع الأموال العامة واستنزاف خزينة الدولة باستمرار سياسة التوسع والنفوذ والتواجد خارج ايران والتي تنتهجها القيادات العسكرية والأنية في قيادات الحرس الثوري تنفيذا للارادة اليباسية لولي الفقيه .
بقي الخطاب الذي تحدث به (رئيسي) أسير التوجهات المركزية للمرشد الأعلى (خامنئي) في تأكيده أن المفاوضات الجارية حاليا في العاصمة النمساوية(فيينا) بخصوص البرنامج النووي الايراني (سوف لا تكون من أجل المفاوضات فقط ولا نسمح بذلك وسنعمل على الغاء كل إجراءات الحظر على ايران ) ورأى أن الدول الأوربية لم تطبق التزاماتها تجاه ايران وأن الولايات المتحدة الأمريكية انتهكت بنود الاتفاق وعليها الغاء اجراءات الحظر ، كما وأن الحديث عن برنامج الصواريخ الباليستية (غير قابل للتفاوض) وأن الوجود النفوذ والوجود الايراني ودعم الجماعات المسلحة في المنطقة جزء من السياسة الاقليمية لإيران ، وهذا يتطابف وحديث (علي خامنئي) في 31 كانون الثاني 2021 عندما أشار الى أن ( الصواريخ بعيدة المدى هي جزء من الدفاع عن الأمن القومي الايراني وأن النفوذ الايراني في المنطقة هو من أسس وثوابت الثورة الاسلامية وأهدافها ) .
جاءت هذه المواقف لتؤكد مواقف السياسة الايرانة وأن التغيير في قيادة ايران لا يشكل منعطفا جديدا في أسلوب العلاقات مع المجتمع الدولي والاقليمي وخاصة مع الادارة الامريكية ووجود الحزب الديمقراطي ورئاسة (جوبايدن) الذي رفض (رئيسي) اللقاء به أو تحقيق أي اتصالات مع إدارته وهذا النهج أثار حفيظة الأمريكان الين سعوا الى الرد عليه عبر التصريح الرسمي للمتحدثة باسم البيت الأبيض ( باسمة جين ساكي ) بقولها ( أن صانع القرار في ايران هو المرشد علي خامنئي بصرف النظر عن هوية الرئيس الايراني سواء أكان روحاني أو رئيسي وأن واشنطن ليس لها أي علاقات دبلوماسية مع ايران ولا خطط لأي لقاء على مستوى القادة في البلدين ) .
هذا الموقف الأمريكي سبق لمركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية وضمن متابعته للانتخابات الايرانية ورصد المواقف السياسية لأقطاب النظام أن أشار اليه في منشوره الموسوم ( السلوك الايراني والمبادرات الدولية) والذي نشر في الاول من أذار 2021 وتحديدا الفقرة الثامنة من التوقعات والاستنتاجات حول الأهداف المستقبلية والتوجهات الدولية والاقليمية للنظام الايراني بالقول (أن الرأي الأخير في المنظومة السياسية الايرانية هي للمرشد الأعلى علي خامنئي وعلى جميع الأطراف أن تدرك هذه الحقيقية مهما يكن الفائز محافظا أو ليبراليا).
وحدة الدراسات الإيرانية