في مواجهة الهجمات التي تقودها حركة طالبان ألقى الرئيس الأفغاني أشرف غني باللائمة على الولايات المتحدة بعد تدهور الوضع الأمني في بلاده حيث تشهد العديد من الجبهات معارك عنيفة من أجل سيطرة المتمردين على المدن الرئيسية في أفغانستان وهو ما يثير مخاوف من استيلاء الحركة بقوة السلاح على السلطة مع اقتراب إتمام الانسحاب الأميركي من البلاد.
قندهار (أفغانستان)- حمّل الرئيس الأفغاني أشرف غني الاثنين الولايات المتحدة مسؤولية تدهور الأوضاع الأمنية في البلاد وذلك على وقع هجمات متصاعدة لحركة طالبان التي تسعى إلى إحكام السيطرة على المدن الرئيسية.
وتُحاول القوات الأفغانية المُنهكة والتي تفتقد للغطاء الجوي الأميركي منع سقوط أول مدينة رئيسية في أيدي طالبان بعد هجمات شنها المتمردون على مراكز حضارية في تصعيد كبير للحركة التي قصفت في وقت سابق مطار قندهار.
وهاجم عناصر طالبان عواصم ثلاث ولايات على الأقل هي لشكر قاه وقندهار وهرات، بعد نهاية أسبوع شهدت مواجهات عنيفة نزح على اثرها الآلاف من المدنيين في ظل تقدّم المسلحين.
واحتدمت المعارك في لشكر قاه، عاصمة ولاية هلمند، حيث شن مسلحو الحركة هجمات منسقة استهدفت وسط المدينة وسجنها، قبل ساعات فقط من إعلان الحكومة نشر مئات من عناصر الوحدات الخاصة في المنطقة.
وارتفع مستوى العنف في أنحاء أفغانستان منذ مطلع مايو عندما أطلقت طالبان عملية في أجزاء واسعة من البلاد تزامنا مع بدء الجيش الأميركي آخر مراحل انسحابه مسدلا الستار على حرب استمرت 20 عاما. وفي وقت تكافح قوات الأمن لصد المتمردين، حمّل الرئيس أشرف غني واشنطن الاثنين المسؤولية عن تدهور الوضع الأمني في بلاده.
وقال في خطاب توجه به إلى البرلمان إن “سبب الوضع الذي نحن فيه حاليا هو أن القرار اتُّخذ بشكل مفاجئ”، مضيفا أنه حذّر الأميركيين من أن الانسحاب ستكون له “عواقب”.
أشرف غني: حذّرت الأميركيين من أن الانسحاب المفاجئ ستكون له عواقب
وتواصل القتال في لشكر قاه (جنوب) حيث صدّت القوات الأفغانية هجوما جديدا لطالبان. وقال الجيش في هلمند “صدّت القوات الأفغانية الهجوم برا وعبر الضربات الجوية”. وتحدّثت امرأة تقطن لشكر قاه تدعى حواء ملالي عن تنامي الأزمة في المدينة. وقالت “هناك معارك وانقطاع للكهرباء ومرضى في المستشفيات فيما شبكات الاتصالات معطّلة. لا توجد أدوية والصيدليات مغلقة”.
وكانت هلمند على مدى سنوات مركزا للحملة العسكرية الأميركية والبريطانية في أفغانستان، لتنزلق أكثر في أتون الفوضى. وتوفر حقول الخشخاش الشاسعة في الولاية حصة الأسد من الأفيون المستخدم في تجارة الهيروين، ما يجعلها مصدرا مربحا للضرائب والسيولة للمتمردين.
ومن شأن خسارة لشكر قاه أن تمثّل ضربة استراتيجية ومعنوية كبيرة للحكومة التي تعهّدت بالدفاع عن عواصم الولايات مهما كان الثمن بعد خسارتها معظم المناطق الريفية لصالح طالبان خلال الصيف.
وتصاعد القتال في بعض مناطق ولاية قندهار، المعقل السابق للمتمرّدين، وعلى أطراف عاصمتها. وليل الأحد تعرّض مطار قندهار لهجوم إذ أطلق عناصر طالبان صواريخ تسببت بأضرار على المدرج، ما أدى بدوره إلى تعليق الرحلات الجوية على مدى ساعات.
وتعد المنشأة أساسية للمحافظة على الإمدادات اللوجستية والدعم الجوي من أجل منع طالبان من السيطرة على المدينة، كما توفر الغطاء الجوي اللازم لمناطق واسعة من جنوب أفغانستان، بما فيها لشكر قاه القريبة. وفي أثناء ذلك، يُدافع المئات من عناصر القوات الخاصة عن هرات غربا بعد أيام من المواجهات العنيفة. وقال الناطق باسم قوات الأمن الأفغانية أجمل عمر شينواري للصحافيين مساء الأحد “مستوى التهديد مرتفع في هذه الولايات الثلاث.. لكننا عازمون على صد هجماتهم”.
وبينما قللت الحكومة مرارا على مدى الصيف من أهمية المكاسب المتتالية التي حققها المتمرّدون باعتبار أنها لا تنطوي على قيمة استراتيجية، إلا أنها فشلت بدرجة كبيرة في مواجهة الزخم الذي حققوه في المعارك.
وأشار غني إلى أن السلطات وضعت خطة لمدة ستة أشهر لهزيمة طالبان، لكنه أقر بأن المتمرّدين لم يعودوا “حركة مشرذمة تفتقد للخبرة”. وتابع “نواجه قيادة منظّمة مدعومة من ائتلاف آثم للإرهاب الدولي والدوائر الداعمة له”.
ومن شأن سيطرة طالبان على أي مدن كبرى أن يفتح فصلا جديدا في المواجهة ويثير مخاوف حيال إمكانيات الجيش الأفغاني. وقال الخبير في الشأن الأفغاني المقيم في أستراليا نيشانك موتواني لفرانس برس “إذا سقطت المدن الأفغانية.. سيُنظر إلى قرار الولايات المتحدة الانسحاب من أفغانستان على أنه من بين الأخطاء الاستراتيجية الأبرز في السياسة الخارجية الأميركية”.
يذكر أن طالبان انتزعت في الماضي مدنا عديدة لكنها فشلت في إبقاء سيطرتها عليها لفترة طويلة. وبموازاة ذلك، تواصل الولايات المتحدة تركيز جهودها على إجلاء الأفغان الذين عملوا معها خشية انتقام طالبان منهم.
عناصر طالبان هاجموا عواصم ثلاث ولايات على الأقل بعد نهاية أسبوع شهدت مواجهات عنيفة نزح على اثرها الآلاف من المدنيين في ظل تقدّم المسلحين
وأعلنت واشنطن الاثنين أنها ستستقبل الآلاف من اللاجئين الأفغان الإضافيين، خوفا على سلامة الأشخاص المرتبطين بالولايات المتحدة فيما تطوي واشنطن صفحة تدخلها العسكري في أفغانستان الذي استمر 20 عاما.
وأكدت وزارة الخارجية الأميركية أنها ستوسع قائمة الأفغان الذين يستحقون بأن يتم استقبالهم كلاجئين ليتجاوز عددهم 20 ألفا تقريبا تقدّموا بطلبات حتى الآن (تم إجلاء بعضهم) بموجب برنامج مخصص للمترجمين الذين ساعدوا القوات الأميركية.
وجاء في بيان لوزارة الخارجية “في ضوء ارتفاع مستويات العنف الذي تمارسه طالبان، تعمل الحكومة الأميركية على توفير فرصة لأفغانيين معيّنين، بمن فيهم أولئك الذين عملوا مع الولايات المتحدة، لإعادة توطينهم كلاجئين في الولايات المتحدة”. وأضاف “يوسع هذا التصنيف الفرص لإعادة توطين الولايات المتحدة بشكل دائم الآلاف من الأفغان وأفراد عائلاتهم المباشرين الذين قد يكونون عرضة للخطر نظرا لارتباطهم بالولايات المتحدة”.
وأكدت وزارة الخارجية بأن قائمة المستحقين ستشمل الأفغان الذين عملوا مع منظمات إعلامية مقرها الولايات المتحدة ومنظمات غير حكومية أو على مشاريع مدعومة بتمويل أميركي في أفغانستان.
العرب