القدس المحتلة- في الوقت الذي تحقق المصارف والبنوك التجارية الإسرائيلية العاملة في المجتمع العربي بالداخل الفلسطيني المحتل أرباحا عالية، فإن الزبائن العرب يشكون من سياسة تمييز عنصري في كل ما يتعلق بالحصول على قروض واعتمادات بنكية لمصالحهم التجارية.
وقد عانت المصالح التجارية العربية بالداخل المحتل، خلال السنة الأخيرة، ضائقة جدية بسبب جائحة كورونا، الأمر الذي يعزز الاقتراض من السوق السوداء.
وفي ظل غياب خطة اقتصادية للمصالح التجارية العربية، يبقى صندوق القروض بكفالة الدولة هو الخيار الوحيد للحصول على دعم وقرض بقيمة بين 8% إلى 16% من الدورة المالية السنوية للمصلحة التجارية، بحيث إن الشرط للحصول على القرض هو أن تبلغ الدورة المالية للمصلحة التجارية 10 ملايين دولار، وهو ما تفتقر إليه الغالبية العظمى من المصالح التجارية العربية التي تتراوح دورتها المالية سنويا بين 100 ألف دولار إلى مليون دولار.
وفي ظل جائحة كورونا، سجلت كبرى البنوك والمصارف التجارية أرباحا عالية في الربع الثاني من عام 2021، بحيث بلغت أرباح بنك “لئومي” 469 مليون دولار، يليه بنك “هبوعليم” بأرباح بلغت 440 مليونا، وسجل بنك “مزراحي طفاحوت” أرباحا بواقع 309 ملايين، فيما بلغت أرباح بنك “ديسكونت” 269 مليونا.
أزمات وتداعيات
وعلى الرغم من هذه الأرباح التي حققتها المصارف التجارية، حذر بنك إسرائيل في “تقرير الاستقرار المالي” للنصف الأول من عام 2021، من أن “الصعوبات التي ما تزال تواجهها أجزاء من قطاعات الأعمال والمصالح التجارية وخاصة الصغيرة والمتوسطة، قد تؤدي إلى زيادة حالات الإفلاس وخاصة بصفوف أصحاب المصالح التجارية العربية”.
وشهد عام 2020، المعروف بعام كورونا والأزمة الاقتصادية، إقبالا على فتح 51 ألف مصلحة تجارية صغيرة التي تشكل 7.3% من مجمل المصالح التجارية النشطة في البلاد، بينما أغلقت 38 ألف مصلحة تجارية أبوابها بسبب تداعيات جائحة كورونا، علما أن إجمالي المصالح التجارية الصغيرة والمتوسطة 660 ألفا توفر 3.7 ملايين فرصة عمل، علما أن هناك 300 ألف عاطل عن العمل بالبلاد منهم 60 ألفا من العرب، بحسب دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية.
وبحسب الإحصاءات التي أوردها مركز المصالح الصغيرة والمتوسطة “معوف”، بلغ إجمالي المصالح التجارية في البلدات العربية 62 ألف مصلحة، إضافة إلى 12 ألف مصلحة عربية بالبلدات المختلطة، حيث أغلقت 9 آلاف مصلحة تجارية عربية أبوابها بسبب الأزمة الاقتصادية التي واجهتها وانعدام السيولة المالية وعدم استفائها للشروط لحصول على الدعم والقروض البنكية في ظل جائحة كورونا.
معاناة وتمييز
ويعتقد مدير فرع وكالة المصالح الصغيرة والمتوسطة التابع لوزارة الاقتصاد والصناعة (معوف) في شفاعمرو، الدكتور نايف خالدي، أن جائحة كورونا أتت لتعكس المعاناة والتمييز التراكمي الذي تعانيه المصالحة التجارية في البلدات العربية، مقابل سياسة التفضيل والدعم من قبل المصارف التجارية للمصالح التجارية ومبادرات الأعمال في البلدات اليهودية، وهذا ما تجلى بالعام الأول من كورونا، بحيث إن الدعم الحكومي للمصالح التجارية اليهودية حال دون إغلاقها وحفز الكثير من رجال الأعمال على فتح مصالح تجارية جديدة.
وأوضح خالدي، في حديثه للجزيرة نت، أن الحكومة الإسرائيلية، رصدت ميزانية بقيمة 65 مليار دولار لدعم المصالح التجارية والعاطلين عن العمل، بحيث إن غالبيتها العظمى رصدت للمصالح التجارية اليهودية، إذ حالت الشروط والتقييدات دون حصول الغالبية العظمى من المصالح الصغيرة والمتوسطة في البلدات العربية على مخصصات الدعم والقروض بضمان الدولة، على الرغم من أنها بأمس الحاجة لذلك، وعليه لوحظ أن الغالبية العظمى من المصالح التي أغلقت أبوابها وأفلست كانت لرجال أعمال عرب.
هشاشة وافتقار
وعزا خالدي هذا التعامل للمصارف التجارية مع المجتمع العربي إلى التمييز التراكمي من قبل الحكومات الإسرائيلية للعرب في مختلف مجالات الحياة ومن ضمنها الاقتصاد الذي يعتبر عصب الحياة لأي مجتمع، حيث إن الاقتصاد العربي يتميز بالهشاشة ويفتقر لمقومات التطوير والاستثمارات وبالتالي أضحى رهينة، سواء للسياسات الاقتصادية العامة أو تعاملات البنوك.
ولضمان استرجاع القروض مستقبلا، يقول خالدي “تضع المصارف التجارية شروطا تعجيزية تكاد تكون مستحيلة تحول دون حصول صاحب المصلحة التجارية على القروض بسبب الخطورة بالتسديد وجدولة القروض، كما أن المعاملات والفائدة التي يدفعها صاحب القرض العربي تكون مضاعفة مقارنة بصاحب المصلحة التجارية اليهودي”.
وفي ظل غياب الدعم وانعدام الإمكانيات للحصول على قروض من المصارف التجارية وقروض بضمان الدولة، يقول خالدي “اضطر أصحاب آلاف المصالح التجارية العربية لإغلاق أبوابها، ومنهم من وجدوا أنفسهم مضطرين للحصول على قروض من الشركات والمصارف الخاصة التي تجني فائدة قد تصل إلى 20%”.
ويردف خالدي “هناك الكثير من أصحاب المصالح التجارية العربية ومع استمرار تداعيات جائحة كورونا الاقتصادية فقدوا القدرة على إرجاع القروض وخسروا مصالحهم التجارية للشركات المصرفية الخاصة وللسوق السوداء”.
أرباح وخسائر
ويتفق المستشار المالي والاقتصادي للمصالح التجارية، محمد صبري محسن مع طرح خالدي بشأن التمييز التراكمي بمختلف مناحي الحياة للمواطنين العرب، بيد أنه يعتقد بأن المنظومة المصرفية والبنكية في إسرائيل التي تعتبر من أعقد وأصعب المنظومات المصرفية حول العالم، تكرس جل نشاطها وتبرمج سياساتها وتعاملاتها البنكية من منظور تحقيق أعلى الأرباح.
وعليه يقول المستشار المالي “ليس صدفة الأرباح المضاعفة التي حققتها البنوك الإسرائيلية بالنصف الأول من العام الجاري، وكأنه لا يوجد كورونا، ولا يوجد هناك تداعيات اقتصادية على القطاع التجاري”.
وأوضح أنه مع أول أزمة قد تعصف بالاقتصاد العام بالبلاد، مثلما هو الوضع بظل جائحة كورونا، يكون الاقتصاد العربي المتضرر الأول ويتكبد الخسائر التي تصل لحد الإغلاق للمصالح والإفلاس لرجال الأعمال، وذلك بسبب السياسات المصرفية التمييزية، ناهيك عن قلة الوعي والثقافة الاقتصادية لنسبة كبيرة من أصحاب المصالح التجارية، الذين يدخلون حالة تخبط لمجرد أي أزمة مما يظهر قلة الخبرة في مجال الإدارة المالية للمصلحة التجارية.
ووصف المستشار المالي للجزيرة نت نهج وممارسات وتعاملات المصارف التجارية والبنكية سواء مع أصحاب المصالح التجارية أو حتى الزبائن العاديين بـ”العبودية الجديدة”، التي يكرسها النظام الرأسمالي حول العالم، بحيث تعتمد البنوك التجارية سياسة منح القروض بشكل واسع للزبائن بعمولات وفوائد عالية جدا.
تأقلم وارتهان
ويقول محسن “حتى المصالح التجارية التي تأقلمت مع التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا كما الزبون العادي تحولت رهينة للبنوك، وأصبح جل الاهتمام في هذه الحياة هو العمل على مدار الساعة لتوفير لقمة العيش وتسديد القرض البنكي بالوقت، وكأن صاحب المصلحة أو المواطن يعمل من أجل البنك وليس للازدهار والتطور والتوسع”.
وأكد أن البنوك التجارية تضع أمامها أولا قيمة الأرباح التي ستحققها من القرض، وإمكانية الخطورة باسترجاع القرض، والضمانات والمدخرات والكيانات المتوفرة لدى الزبون أو رجل الأعمال عندما تتطلع لمنح القروض لصاحب المصلحة التجارية أو الزبون العادي.
ويقول المستشار المالي “ولأن المواطن العربي -كما صاحب المصلحة التجارية العربية- لا يحظى بالدعم ومصلحته تعاني انعدام انتظام السيولة المالية ولا يوجد لديه الضمانات الكافية، لا يحصل على القروض البنكية أو لا يحصل على قيمة عالية من القروض التي تعرضها المصارف، وذلك على الرغم من حاجة المصلحة التجارية للقرض لتجنب تفاقم الأزمة المالية وتخطي الأزمة الاقتصادية لمنع الانهيار وإغلاق المصلحة التجارية”.
المصدر : الجزيرة