تطور الأحداث الميدانية على الساحة الأفغانية وقرار حكومة طالبان بتشكيل الحكومة المؤقتة والإعلان عنها في ١١ أيلول ٢٠٢١ أعطى واقعا سياسيا جديدا ذو أبعاد واتجاهات تتعلق بكيفية الإعداد لمرحلة قادمة في العلاقات الدولية والإقليمية وفسح المجال لتفاهمات سياسية تساعد على منح الثقة والاطمئنان للمجتمع الدولي وسعي حركة طالبان لتأكيد دورها الجديد وابعاد رؤيتها القادمة والتعاون مع دول الجوار وتحقيق المصالح المشتركة لجميع البلدان التي ترغب في التعامل معها ،بدورها تحاول الحركة الحصول على التأييد والاعتراف الدولي لكي يساعدها على المضي في سياستها المعلنة وتنفيذ برامجها نحو بناء علاقات وثيقة ومتينة أساسها توسيع دائرة الأمن والاستقرار في مرحلة مهمة يمر بها المجتمع الأفغاني ووجود العديد من التحديات والمواجهات التي تنتظر هذه الحكومة وعليها البدأ بإعداد برامجها وصيغ تعاملها واثبات وجودها على الساحة السياسية العالمية ومنح أفغانستان دورها الإقليمي والدولي وحماية مصالحها الاقتصادية وادامة العلاقة السياسية مع جميع دول العالم ورؤيتها في حل جميع الإشكالات التي يثيرها البعض تجاه طبيعة التعامل مع حركة طالبان .
سارعت دول الجوار في عقد اجتماع موسع لوزراء خارجية بلدان(طاجكستان وأوزبكستان وتركمستان وإيران وباكستان والصين ) في السابع من أيلول ٢٠٢١ أي قبل الإعلان عن تشكيل الحكومة الأفغانية الجديدة برئاسة محترم الحاج ملا حسن ، وأكدت على عدة مضامين أهمها منع حالة التدهور الاقتصادي في أفغانستان واعلنت الصين انها ستقدم مساعدات عاجلة تتمثل في إرسال مواد غذائية ومساعدات طبية ولقاحات ضد وباء كورونا ومستلزمات شتوية بقيمة ٣١ مليون دولار وابدت استعدادها لتنفيذ عدة مشاريع تنموية واقتصادية تساهم في تحسين الأوضاع المعاشية بعد تعزيز الجوانب الأمنية في أفغانستان، كما أوضحت الدول الأخرى المجتمعة موقفها من الاعلان من تشكيل الحكومة الأفغانية ورأت انها بداية جيدة ودعوة صريحة للاستقرار السياسي والأمني في منطقة آسيا الوسطى.
تابعت حركة طالبان جميع مجريات المواقف الدولية والإقليمية وأوضحت أن من أهم أولويات تشكيل حكومتها هي تنظيم العلاقة مع جميع دول العالم وفق المصالح المشتركة وبالتعاون مع التيارات والجهات وزعماء القبائل في الداخل الأفغاني وإجراء انتخابات تشمل جميع الأطراف وإشراك الكفاءات العلمية والاقتصادية والفكرية في إدارة الدولة ومنح فرص المشاركة السياسية بما يحقق الوحدة الوطنية بعيدا عن مفهوم الطائفية السياسية والعرقية ،وأن قادة الحركة أصبحوا الآن أمام مسؤولية واختبار عظيم تجاه الشعب الأفغاني بعد أن قدموا التضحيات الكبيرة والدماء الغالية في سبيل الوصول إلى لحظة التحرير من براثن الاحتلال الامريكي ولهذا فهم يرون أن الجميع شركاء في الوطن وعلى المسؤولين السابقين العودة للبلاد والمساهمة في إعادة البنية المجتمعية وإعداد البرامج التنموية والاقتصادية وبناء أسس دولة عصرية قوامها تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية والأمن والاستقرار وتحسين الظروف المعاشية للشعب الأفغاني ونبذ حالات الفرقة والتناحر وان زمن أراقة الدماء قد انتهى دون رجعة.
بهذه الرؤية الميدانية والأهداف السياسية والطموحات الاقتصادية تعمل حركة طالبان على إرسال عدة إشارات واضحة حول كيفية إدارتها لمنظومة الحكم والسياسية الداخلية المتبعة للتعامل مع جميع أطياف الشعب الأفغاني وانعكاساتها على التأثير الإقليمي والدولي في فهم واستيعاب التغيير الحاصل في أفغانستان، وفهم التحدي في العلاقات الدولية وتركيزها على احترام جميع المواثيق والأعراف الدبلوماسية والاتفاقيات المعقودة بين أفغانستان والدول الأخرى ضمن إطار المنفعة الإيجابية والمصالح الخاصة الشعب الأفغاني والإشادة ببعض المواقف المعلنة من قبل الصين وباكستان وروسيا واحترام أمن وسلامة دول الجوار واستعدادها التام لبناء علاقات قائمة على أساس الثقة المتبادلة واحترام اختيارات الشعوب ، وعلى الصعيد الداخلي منعت جميع أفرادها من تفتيش واقتحام منازل المواطنين واحترام الحريات وصيانة حقوق الإنسان وفق مبادئ الشريعة الإسلامية وملاحظة حاجة المرأة للعمل والتعليم والانخراط في الأنشطة الاجتماعية والسياسية ضمن ضوابط محددة، وفي الجانب الأمني والعسكري فقد واجهت تحديا استراتيجيا ميدانيا تمثل في مواجهة قوات تحالف الشمال في منطقة (بنجشير) الشمالية بقيادة احمد شاه مسعود مع عدد المسؤولين السياسين وأفراد الجيش الأفغاني السابق وتمكن مقاتلي الحركة من السيطرة على الإقليم الذي كان خارج سيطرة جميع الحكومات السابقة بسبب وعورة المنطقة الجبلية ووجود الوادي الاستراتيجي الذي كانت تحتمي فيه قوات عبد الرشيد دوستم واحمد إسماعيل وشاه مسعود منذ عقود زمنية ولم تستطع السيطرة علية قوات الجيش السوفياتي أثناء غزوها لاراضي أفغانستان نهاية عام ١٩٧٩ وكذلك حركة طالبان أثناء حكمها للبلاد من ١٩٩٦ إلى ٢٠٠١ .
تستمر طبيعة التطورات الميدانية بكافة صورها وأدواتها بالتفاعل اليومي على الأرض الأفغانية تصاحبها رؤية دولية وإقليمية وانتظار لما ستؤول إليه الأحداث ومتابعة طبيعة الإدارة السياسية للحكم الطالباني واسلوب العبارة مع الوسط الاجتماعي الداخلي وحقيقة البرامج والتوجهات التي أعلنت من قبل مسؤولي الحكومة الجديدة ومدى قابلتها على مواجهة التحديات القائمة.
وحدة الدراسات الآسيوية