في عالم تسوده العولمة، يصعب احتواء أزمة الطاقة على المستوى الأوروبي، لا سيما في سياق تضرر سلاسل التوريد والاندفاع لخفض الاستثمار في الوقود الأحفوري.
في تقرير نشره موقع “أويل برايس” (oil price)، تقول الكاتبة إيرينا سلاف إن أزمة الطاقة التي بدأت في أوروبا -في وقت سابق من الشهر الجاري- في طريقها حاليا للوصول إلى الولايات المتحدة.
في الوقت الراهن، يتمتع مصدرو الغاز في الولايات المتحدة بزيادة كبيرة في الطلب من آسيا وأوروبا نتيجة تعافي النشاط الاقتصادي وارتفاع الطلب على الكهرباء.
ووفقا لتقرير أصدرته صحيفة “فاينانشال تايمز” (Financial Times) البريطانية مؤخرا، هناك حرب مزايدة حقيقية على شحنات الغاز الطبيعي المسال الأميركية بين المشترين الآسيويين والأوروبيين.
كما ارتفعت صادرات الفحم، خاصة بعد خلاف سياسي جعل الصين تحجم عن استيراد الفحم الأسترالي، ولكن وكالة “أرغوس” (Argos) -وهي إحدى الوكالات المعتمدة من “أوبك” (OPEC) لتقدير إنتاج المنظمة شهريا- ذكرت في وقت سابق من هذا الشهر أن الإمدادات بدأت تتقلص.
كما أشارت التقارير إلى أن صادرات فحم الكوك الأميركية انخفضت شهر يوليو/تموز الماضي بنسبة تصل إلى 20.3% على أساس شهري مقارنة بشهر يونيو/حزيران، مؤكدة أن العرض كان محدودا بسبب قلة التمويل ونقص العمالة في العديد من الصناعات بسبب الوباء.
وحسب الكاتبة، فإن هذه الأخبار تعتبر جيدة لمنتجي الوقود الأحفوري في الولايات المتحدة، لكنها قد تصبح أخبارا سيئة مع اقتراب فصل الشتاء. وكتب جينجو لي في صحيفة “وول ستريت جورنال” (Wall Street Journal) الأميركية -في وقت سابق من هذا الأسبوع- أن أسعار الطاقة المرتفعة قد تشكل أزمة قريبة في الولايات المتحدة.
واستند جينجو لي إلى بيانات تظهر أن تجديد مخزون الغاز كان أقل من المعدلات العادية خلال هذا الموسم، وأن الغاز المخزن في أوائل سبتمبر/أيلول الجاري كان أقل بـ7.4% من متوسط الأعوام الخمسة الماضية.
كما انخفضت نسبة مخزونات الفحم بسبب زيادة الصادرات، وارتفعت أسعار الفحم الحراري 3 مرات عما كانت عليه قبل عام. ووفقا لبيانات إدارة معلومات الطاقة، قد تنخفض مخزونات الفحم في الولايات المتحدة إلى أقل من نصف مستويات مخزون العام الماضي بحلول نهاية العام.
وتؤكد الكاتبة أنه يمكن اعتبار التطورات في أوروبا مقدمة لما قد يحدث في أميركا، فالولايات المتحدة تعتبر أكثر استقلالية في مجال الطاقة من المملكة المتحدة. ومع ذلك، فإن زيادة معدلات التصدير تثير المخاوف، وهو ما يتطلب تدخلا حكوميا لجعل منتجي الغاز يخفضون الصادرات.
وفي خطوة تدل على حجم الأزمة، طلبت منظمة مستهلكي الطاقة الصناعية في أميركا -وهي منظمة تمثل الشركات المنتجة للكيميائيات والمواد الغذائية- من وزارة الطاقة وضع قيود على صادرات الغاز الطبيعي المسال، من أجل تجنب ارتفاع الأسعار ونقص الغاز خلال فصل الشتاء.
هل تتدخل الحكومة الأميركية؟
يبدو أن الآراء تختلف حول إذا ما كان ارتفاع صادرات الغاز الطبيعي المسال يضر بالمستهلكين الأميركيين، ولكن الحقيقة –وفقا للكاتبة- هي أن أسعار الغاز تمثل بالفعل ضعف ما كانت عليه قبل عام.
ووفقا لجمعية ائتمان الطاقة الدولية، فإن أسعار النفط ليست عالية بما يكفي لتحفيز زيادة إنتاج الغاز الطبيعي، ومن أجل تخزين كمية كافية من الغاز لفصل الشتاء، يجب على حكومة الولايات المتحدة فرض تخفيض في الصادرات.
ولكن منتجي الغاز الطبيعي المسال يقفون ضد هذه القرارات، حيث أكد المدير التنفيذي لمركز الغاز الطبيعي المسال -في تصريح لرويترز- أن معظم صادرات الغاز الطبيعي المسال يتم شحنها بموجب عقود طويلة الأجل ذات سعر ثابت، ولا علاقة لها بأسعار الغاز القياسية وتحركاتها.
ونقلت رويترز عن رئيس جمعية ائتمان الطاقة الدولية، بول سيسيو، قوله “مشترو الغاز الطبيعي المسال -الذين يتنافسون على الغاز الطبيعي مع المستهلكين الأميركيين- شركات مملوكة لدول ومرافق تسيطر عليها حكومات أجنبية بتكلفة تلقائية، ولا يمكن للمصنعين الأميركيين التنافس معهم على الأسعار”.
وفي الصين، تبدو المشكلة الأساسية حاليا هي الفحم وليس الغاز، وذكر تقرير حديث لـ”بلومبيرغ” (Bloomberg) أن مشغلي محطات توليد الطاقة بالفحم في الصين يكافحون لشراء ما يكفي من الفحم لتشغيل محطاتهم، ويضطر البعض إلى الإغلاق بسبب عدم كفاية إمدادات الفحم.
ومع ذلك، فقد تؤدي أزمة الفحم إلى زيادة الطلب على الغاز لضمان ما يكفي من الكهرباء والتدفئة لفصل الشتاء، وهو ما سيؤدي بدوره إلى تفاقم الفجوة بين العرض والطلب على صعيد عالمي.
وقد تمتد أزمة الطاقة الأوروبية إلى مناطق أخرى، مع تقدم خطط شركة “غازبروم” الروسية لتنفيذ مشروع “نورد ستريم 2” الذي وافقت عليه ألمانيا.
وأوضح كريستوفر لوني، المسؤول عن إستراتيجيات السلع في “رويال بنك” (Royal Bank)، أنه لا يزال من غير الواضح مقدار ارتفاع الأسعار بسبب الفجوة بين العرض والطلب، معربا عن مخاوفه من أن تزيد الأمور سوءا خلال هذا الشتاء.
المصدر : أويل برايس