حذر باحث أمريكي، من أن عجز العراق عن إجراء إصلاحات جوهرية في نظامه السياسي واقتصاده، سينتهي بثورة شعبية عنيفة لا تفرق بين الأحزاب، وستؤدي إلى الإطاحة بالقادة السياسيين الحاليين بالجملة “إما إلى القبور مبكرا أو المنفى”.
في مقاله بمجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية، أكد مايكل روبن، الباحث المقيم بمعهد “أمريكان إنتربرايز”، أن الثورة المتوقعة ستسفر عن أزمة مهاجرين أشبه بتلك التي تواجهها حكومة إقليم كردستان العراق “الفاسدة”.
ويرى الكاتب أن نزول الشباب العراقي إلى الشوارع في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2019 احتجاجا على الفساد المستشري والحكومة العاجزة التي يقودها رئيس الوزراء آنذاك عادل عبد المهدي، كان بمثابة طلقة تحذير.
واعتبر أن المحتجين حينها “كانوا على استعداد لمنح القادة العراقيين فرصة لإجراء إصلاحات، لكن رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي أهدرها”.
ويصف الكاتب الكاظمي بأنه “لا يتمتع بالجاذبية” وأنه “ضعيف سياسيا” في بلد يعج بالشخصيات البارزة، مشيرا إلى أن المهمة التي أوكلت إليه ارتكزت على وضع حد لحالة العجز التي يعاني منها العراق، والإشراف على الإصلاحات الجوهرية وقيادة البلاد إلى انتخابات جديدة.
غير أن الباحث الأمريكي يرى أن الكاظمي أخفق في المهمة رغم مرور أكثر من عام ونصف على رئاسته للفترة الانتقالية. لكن روبن أكد أن النظام الانتخابي العراقي لطالما كان معقدا. وأنحى باللائمة في ذلك على الحاكم الأمريكي المؤقت للعراق بول بريمر، وموظفي الأمم المتحدة، الذين اتفقوا على إجراء انتخابات بنظامي التمثيل النسبي والترشح بالقائمة الحزبية بدلا من الدوائر الانتخابية، وكان هدفهم من ذلك السرعة في إنجاز المهمة.
ويشدد الباحث على أن حالة عدم الاستقرار طويلة الأجل التي تسبب فيها هذا النظام الانتخابي كانت جليّة، فقد كان المرشحون مدينين لقادة أحزابهم ببقائهم السياسي، عوضا عن خضوعهم للمساءلة أمام ناخبيهم.
ويرى مايكل روبن أن الكاظمي لم يستخدم موقعه السياسي المهم أو سلطته الأخلاقية لرعاية الإصلاحات الجوهرية التي سبق لرئيس الجمهورية برهم صالح أن اقترحها على عادل عبد المهدي، مضيفا أن تلك الإصلاحات كانت ستساعد في استقرار العراق لو وجدت طريقها للتنفيذ.
وبحسب الكاتب، فبدلا عن ذلك، أفرغ نواب البرلمان المنتخبون في ظل النظام الانتخابي القديم -الذي كان يشجع على المحسوبية والفساد- الإصلاحات من معناها الحقيقي. ووفقا للباحث الأمريكي، فإن الزعماء السياسيين العراقيين أنفسهم منخرطون اليوم في المساومات والمقايضات السياسية ذاتها التي تثريهم وتساعد في تمكينهم، لكنها تبعدهم عن العراقيين الذين يدعون أنهم يمثلونهم.
ويعتقد أن الإصلاحات قد تثير عداء الزعماء السياسيين، الذين يحتاج الكاظمي إلى دعمهم للاستمرار في منصبه بعد الانتخابات.
ويعتقد الباحث أنه ربما يكون البيت الأبيض ودوائر الاستخبارات ممتنين للكاظمي على الوعد الذي قطعه بالتصدي للمليشيات المدعومة من إيران، لكنه بدا -من وراء الكواليس- متساهلا معهم مثل أسلافه من رؤساء الحكومات المتعاقبة.
ويقول إن المظاهرات وحتى محاولات الاغتيال والخطوط الحمراء التي لا يميل الكاظمي إلى تجاوزها، تؤكد على أن أكبر معضلة تنال من جهود رئيس الوزراء لدرء التهديدات على سيادة العراق لا تكمن في الخوف بقدر ما هي في الطموح. و يرى أن الإفراط في التصدي لإيران من شأنه تقويض أمله في الحصول على موافقة تلك الحركات السياسية المدعومة من إيران.
واستشهد الكاتب بأمثلة على الفساد والمحسوبية الضاربة أطنابها في العراق، من بينها كشوفات الرواتب المتضخمة، والمغالاة في التعيينات على الوظائف، وقيام مسؤولين حكوميين بمنح أنفسهم مكافآت في شكل قطع أراض تقدر بملايين الدنانير.
وبحسب الباحث، لا ينفك الكاظمي عن التظاهر بتأييده الإصلاحات، بيد أنه لا يمضي إلى أبعد من ذلك؛ لأنه إذا فعل فقد يعادي المصالح الراسخة لأناس هو في حاجة إلى دعمهم له الآن في وقت تتحول فيه مهمته من الإصلاح إلى تمديد فترة ولايته.
ويختم الباحث بالقول إن ما ينقذ الكاظمي اليوم وينقذ النظام الذي يشرف عليه ليس نجاح الإصلاحات، بل ارتفاع أسعار النفط، في حين يستمر تعداد سكان العراق في الزيادة ليصل إلى أكثر من 45 مليون نسمة بحلول عام 2025، وسيتجاوز عتبة 50 مليونا بنهاية العقد الحالي.
القدس العربي