في مقابلة متلفزة مع شبكة بي بي سي الفارسية، قال زعيم عصائب اهل الحق قيس الخزعلي بأن “هناك نقاش (ضمن الاطار التنسيقي) اما نختار جميعا طريق مقاطعة العملية السياسية واما معارضة، واكثر القوى السياسية تُرجح اختيار مقاطعة العملية السياسية”.
وأضاف: “انا لا أقول بان الوضع سيمضي بسهولة، انا لا استطيع ان اضمن بانه لا تحصل احتكاكات، تشنجات، وانا بشكل واضح اقطع بان الحكومة القادمة لن تستطيع ان تنجح في عملها ولن تستطيع تقديم خدمات او توفر فرص عمل”.
بالمقابل ازداد التيار الصدري اصرارا بالمضي بتشكيل حكومة الأغلبية مع شركاءه في التحالف الثلاثي، ويرفض زعيم التيار مقتدى الصدر التنازل عما يعتبره استحقاقا انتخابيا وسط دعم التحالف الثلاثي او ما يسمى تحالف انقاذ وطن الذي يضم نحو 162 نائبا فضلا عن احتمال انضمام آخرين في القريب العاجل.
تحالف الأقوياء
من الواضح ان التحالف الثلاثي والذي سمي بتحالف انقاذ وطن تأسس من تفاهم واتفاق ثلاث قوى تعتبر نفسها هي الأقوى حضورا في الساحة السياسية للمكونات الثلاث اليوم والتي يميزها مركزية القرار الى جانب فوزها اللافت في الانتخابات وماحصدته من مقاعد برلمانية تفوقت بها على قوى كانت تعد هي الأقوى قبيل انتهاء ماراثون الانتخابات.
يقود التحالف الثلاثي مقتدى الصدر، وهو صاحب مشروع حكومة الأغلبية وكسر طوق التوافق السياسي الذي انتج الحكومات السابقة منذ 2006. يستمد الصدر قوته هنا من حجم كتلته التي يبلغ قوامها 74 نائبا وسيطرته التامة على توجهات الكتلة، والصدر يدير المفاوضات ويخطط لتشكيل الحكومة القادمة مع شركاءه في التحالف الثلاثي مع ابقاء الباب مفتوحا امام بعض القوى الشيعية الأخرى للانضمام اليه ليتخطى حاجز الأغلبية المريحة، لكن تماسك الاطار التنسيقي وعدم التحاق أي من القيادات الشيعية التقليدية بالصدر، يحول دون تحقيق مسعاه حتى اللحظة.
الى ذلك يتمتع الحزب الديمقراطي الكوردستاني هو الآخر بقوة كتلته البالغ عددها 31 نائبا، الى جانب دور الحزب وزعيمه مسعود بارزاني في توحيد الاطراف السنية بتحالف اعاد للبيت السني وحدته، ليصبح للديمقراطي الكوردستاني حضورا مؤثرا في المشهد السياسي وبقوة هذه المرة. وسيزداد تأثيره الفاعل في حال نيله موقع رئيس الجمهورية ونائب رئيس مجلس الوزراء الى جانب وزارات خدمية وواحدة سيادية فضلا على احتفاظه بمنصب نائب رئيس مجلس النواب من جانب ورئاسة الإقليم وحكومته من جانب آخر ليمسك العصا من طرفيها دون منافس، ليصبح تأثيره السياسي موازيا لتأثير التيار الصدري في الساحة السياسية ان لم يتفوق عليه بحكم تراكم الخبرة في الحكم والسياسة.
رئيس تحالف تقدم من جانبه تمكن من تشكيل كتلة قوية قبل الانتخابات وحقق فوزا ساحقا نال بموجبه 37 مقعدا من المكون السني وهذه هي المرة الأولى التي يجتمع بها اكثر من نصف النواب السنة في كتلة واحدة، بل زاد من قوته بتحالفه مع رئيس تحالف عزم خميس الخنجر وضمن فوزه برئاسة مجلس النواب للمرة الثانية ليصبح اول سياسي يحظى برئاسة مجلس النواب لدورتين على التوالي بعد 2003.
التحالف الثلاثي سيصبح نواة تشكيل الحكومة القادمة ويرى بعض المراقبين انها ستكون حكومة الأقوياء التي بامكانها اجراء الإصلاحات التي يطالب بها الشارع العراقي، ولن يكون بإمكانهم التنصل من تلك المسؤولية لانهم امام مواجهة حقيقية مع الشارع، وان أي اخفاق سيحسب عليهم بشكل مباشر دون غيرهم. بالإضافة الى ان هذه الكتل لديها الامكانية لتمرير مشاريع القوانين المطلوبة واتخاذ القرارات المصيرية لتحديد مسار الحكم في السنوات القادمة. فيما يرى البعض الاخر من المراقبين بان هذه الحكومة سوف تواجه مشاكل كبيرة ولن يكون الطريق معبدا لها بالورود، اذ ان عدم مشاركة قوى سياسية مؤثرة على الشارع والساحة السياسية ووجود معارضة قوية يجعلان عمر هذه الحكومة قصيرا.
حوار الطرشان
حاول رئيس تحالف الفتح الوصول الى تفاهمات مع كل من التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكوردستاني في زيارتيه للنجف واربيل. اذ التقى العامري مع الصدر في الحنانة يوم 15 كانون الثاني بشكل منفرد. حاول العامري جاهدا إقناع الصدر بتشكيل حكومة توافقية يشارك فيها الجميع لكن الصدر رفض مشاركة كل قوى الاطار كونها تتقاطع مع مشروعه القاضي بتشكيل حكومة اغلبية وطنية، وكشف مصدر مطلع عن دعوة زعيم التيار الصدري العامري للمشاركة في حكومته بتحالف فتح مقابل منحه اربع وزارات مع احتفاظ الصدر بحق اختيار رئيس مجلس الوزراء من دون حق الفيتو للفتح، الا أن العامري رفض العرض. ويرى مراقبون ان الكتل السياسية داخل الاطار يخشون ان يستغل الصدر تفوقه العددي وهيمنته على المشهد السياسي لإضعاف خصومه السياسيين عبر عدم منحهم فرصة إعادة تنظيم صفوفهم.
العامري كذلك زار أربيل والتقى برئيسي الإقليم والوزراء ورئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني محاولا اقناعهم بأن التوافق هو الخيار الأفضل للعراق وللعلاقات الكوردية الشيعية، وقد طرح العامري على مسامع الكورد بأن الحديث عن الأغلبية اليوم والاستفراد مع جزء من الشيعة لن يكون في مصلحة الكورد في المستقبل البعيد، اذ ان الخلافات الشيعية سوف تزول وعندها يصبح الشيعة هم الأغلبية ولاينبغي لومهم في حال احتكار المناصب او تمرير القرارات، الا أنه عاد الى بغداد دون الوصول الى أي اتفاق مع الحزب الديمقراطي.
الاتحاد والديمقراطي يتنازعان
اتفق الحزبان الكورديان الديمقراطي والاتحاد الوطني على تشكيل لجنة مشتركة لزيارة بغداد وأفاد مصدر مطلع بان اللجنة اجتمعت اربع مرات وحررت وثيقة متفق عليها من الطرفين لعرضها على القوى السياسية في بغداد. وبدأت اللجنة المشتركة زيارتهم لبغداد في يوم 7 كانون الثاني وكانت اول زيارة لهم للهيئة السياسية للتيار الصدري. واضاف المصدر في الاتحاد الوطني بأن حزبه فوجئ بوجود ورقة تم الاتفاق عليها بين الديمقراطي والتيار الصدري وانهم لم يطلعوا على تفاصيل هذه الورقة الا في الساعات الأخيرة. اقتصرت زيارة الوفد المشترك للقوى السياسية على لقاءات بروتوكولية غير متجانسة لم تسفر عن أي نتيجة تذكر.
انفرد الحزب الديمقراطي بالتحالف مع التيار الصدري وبقي الاتحاد الوطني خارج هذا التحالف، ليصبح منصب رئيس الجمهورية موضع خلاف عميق بينهما. اذ جرى العرف السياسي منذ عام 2006 بأن تتوازن القوى السياسية في الإقليم عبر استلام هذا المنصب من قبل الاتحاد مقابل استلام الديمقراطي رئاسة الإقليم، وقد ازداد المشهد تعقيدا عندما رشح الديمقراطي القيادي هوشيار زيباري للمنصب. ويرى مراقبون ان ترشيح زيباري دليل واضح بان الديمقراطي ينوي بشكل جدي الحصول على رئاسة الجمهورية وان هذا المنصب يدخل ضمن مخطط الحزب السياسي للهيمنة على المشهد السياسي في الإقليم والعراق على حد سواء مستقبلا.
يرى مراقبون ان إبقاء الاتحاد الوطني الكوردستاني خارج التحالف وعدم حصولهم على المنصب السيادي المتعارف عليه قد يعقد المشهد السياسي كثيرا، اذ ان الاتحاد الوطني يحكم السيطرة على محافظة سليمانية وحلبجة ومناطق گرميان الشاسعة، بالإضافة الى امتلاكه نفوذا سياسيا كبيرا في كركوك وقواته القتالية يسيطر على خطوط التماس مع داعش من الحدود الايرانية في ديالى الى جبال حمرين.
الدور الناعم لامريكا وايران
على عكس العادة عند تشكيل الحكومات في السابق نرى غياب الدور الإيراني وكذلك الأميركي حتى ولو من طرف خفي هذه المرة، ولم يترشح أي مؤشر على حضورهما خلف الكواليس كما جرت عليه العادة او على الأقل كما جرى في عام 2018. اذ ان الدور الإيراني والامريكي بات مقتصرا على مراقبة ومتابعة المشهد عن بعد دون تدخل مباشر.
زعيم عصائب اهل الحق قيس الخزعلي، أشار الى الدور الإيراني الجديد في مقابلته المتلفزة بان “إدارة المؤسسات المعنية في الجمهورية الإسلامية في التعامل مع الملف العراقي تغيرت تغييرا كبيرا بعد استشهاد الحاج قاسم سليماني”. وأضاف بان الإيرانيين يقولون “نحن ليس لدينا قرار وانما القرار ما يقرره العراقيون، نحن لن نتدخل”.
مراقبون يعتقدون ان ايران غيرت من سياستها في الداخل العراقي وحددت مصالحها الستراتيجية لتعمل على تحقيق هذه المصالح مع الفاعل السياسي العراقي دون تدخل باختيار أو تفضيل طرف على أخر، لكنهم يتابعون التطورات السياسية عن كثب ولديهم متابعات مع الكتل السياسية، واحدى اولوياتهم محاولة توحيد الموقف الشيعي والحيلولة دون تشظيه، الا ان الملاحظ هنا عدم التوسط بين الكتل السياسية كما في السابق بل إظهار وقوفهم على مسافة واحدة من جميع الاطراف بما فيها التيار الصدري. وجدير بالذكر ان قائد فيلق القدس اسماعيل قاآني متواجد في بغداد منذ 16 كانون الثاني ولم يلتق زعيم التيار الصدري، بل لم يطلب لقاءه بالرغم من زيارته للنجف الاشرف، وهذا دليل بان الجانب الإيراني يراقب ولا يتدخل بشكل مباشر.
يتطابق الموقف الإيراني مع الموقف الأميركي، اذ ان الأميركان غابوا عن العراق تماما ولم نشهد لهم أية زيارة عالية المستوى في الآونة الأخيرة عكس ما كنا نشهده سابقا، ولم يتواجد منهم أحد سوى السفير وفريقه الديبلوماسي، والذي يتابع الوضع السياسي عن كثب مع مراقبة ما يحدث على الساحة السياسية من دون تدخل مباشر. الولايات المتحدة بدورها لديها مصالح ستراتيجية في العراق وتعمل على تحقيق هذه المصالح من دون تدخلات مباشرة في الحوارات والمباحثات الجارية.
ان عدم تدخل أميركا وايران لا يعني بالضرورة موافقتهم على ما يجري على الساحة السياسية، لكنهما يتيحان الفرصة امام القوى السياسية لتنظيم تفاهماتها بعيدا عن تأثيرهما مما يعطي انطباعا ايجابيا لدى جميع الأطراف إزاء هذا الموقف.
حوار تفاهم أم كسر إرادة
المشهد السياسي بات يتسم بالتعقيد مع اقتراب المواعد الدستورية الحاكمة ولايلوح بالأفق أية بوادر لحل الخلافات القائمة بين الكتل السياسية وان الطريق مازال وعرا يشوبه القلق، والعراق يعيش اوضاعا سيئة وسط سلسلة أزمات كانت ومازالت تتهدده. التحالف الثلاثي لا يبدي مرونة بتغيير مواقفه ومازال متمسكا بستراتيجية التفاوض المعتمدة ولا نية له بالوصول الى توافق مع الشركاء.
في الماضي القريب كانت المبادرات التي تطلقها بعض الشخصيات السياسية النافذة كفيلة بإلتقاء الفرقاء عند حلول وسطية تمهيدا لتحقيق تفاهمات وتوافقات تفضي الى نزع فتيل الأزمات القائمة، لكننا اليوم امام قوى فائزة يبدو إنها لا تنوي التعاطي بمرونة كافية لإحتواء القوى الأخرى، وتفصح علنا بضرورة قبول الأمر الواقع بعيدا عن محاولة إرضائهم بمشاركتها غنيمة الفوز الإنتخابي، مراقبون يعتبرون موقف القوى الفائزة دستوري ويعكس اصل وروح الديمقراطية، الا انهم يرون بأن الواقع العراقي لا يحتمل إقصاء قوى سياسية مؤثرة على نحو مفاجئ، بالنهاية، ينبغي على كل الإطراف تقديم تنازلات معقولة الى حد ما بما يضمن تخطي الإنسداد الراهن ويلبي حاجة البلاد للوصول الى خط شروع يضمن تحقيق الاهداف والغايات المشتركة بما يخدم راهن ومستقبل الشارع العراقي.
فرهاد علاء الدين
موقع رووداو