من صيدلية إلى أخرى، يجوب المواطن الإيراني مهران (52 عاما) شوارع طهران بحثا عن علاج “إينوكسبارين” (Enoxaparin) لابنته مرجان التي تعاني داء التخثر الوريدي منذ 4 أعوام، “إلا أن نفاد بعض الأدوية خلال الأشهر الماضية فاقم معاناة ذوي المرضى”، كما يصف معاناته مع أزمة الدواء في بلده.
ويشكو مهران تقلب أسعار الأدوية الأجنبية بين الفينة والأخرى في بلاده، ويقول للجزيرة نت إنه عندما تخفق كل محاولاته للحصول على العلاج في الصيدليات الحكومية حينها سيجد نفسه مضطرا لاقتنائه من السوق السوداء وبأسعار خيالية.
جذور الأزمة
ولمعالجة الأزمة، لا بد من معالجة جذروها التي يراها مراقبون لا تتجاوز عاملين، النقص في الإنتاج الداخلي والخشية من إلغاء العملة المرجحة (تعادل 42 ألف ريال للدولار الواحد) المخصصة لاستيراد السلع الأساسية ومنها الأدوية.
من جانبه، حذر “همايون سامه يح نجف آبادي” عضو لجنة الصحة البرلمانية، من أن إلغاء الدعم الحكومي نهائيا عن استيراد الأدوية سيؤدي إلى مضاعفة أسعارها أكثر مما هي عليه، وكشف عن عقد اجتماعات مكثفة في البرلمان الإيراني لتدارك الأمر وثني الحكومة عن قرارها.
وعزا -في حديثه للجزيرة نت- سبب ارتفاع أسعار الدواء إلى العجز في الدعم الحكومي للسلع الأساسية واستيراد بعض الشركات الدواء والمستلزمات الصحية بالعملة الحرة (الدولار الواحد يعادل 270 ألف ريال إيراني)، ما أدى إلى ارتفاع أسعار بعض الأدوية ونفاد بعض أصنافها عقب تقليص المصانع إنتاجها من بعض النسخ.
وخلص إلى أن إلغاء الدعم الحكومي بشكل نهائي سيرفع أسعار الأدوية المنتجة في الداخل إلى أكثر من 30% في حين سيضاعف أسعار الدواء المستورد من 3 إلى 5 مرات على أقل تقدير.
من جانبه، ألقى رئيس لجنة اقتصاد الصحة في غرفة التجارة الإيرانية محمود نجفي عرب، كرة ارتفاع أسعار الدواء في ملعب الحكومة الإيرانية السابقة، متهما إياها بتخصيص مبالغ غير كافية لقطاع الأدوية في ميزانية العام الماضي.
ونقلت وكالة الأنباء العمالية (إيلنا) عن عرب قوله، إن ارتفاع استهلاك الأدوية في البلاد منذ بداية جائحة كورونا ساهم في ارتفاع أسعارها إلى جانب ظاهرة تهريب الأدوية للخارج، ما أدى إلى نفاد بعض الأصناف منها داخل البلاد.
مساعدات حكومية
ومع ارتفاع شكاوى المواطنين ومتلقي العلاج خلال الأشهر الماضية، جراء ارتفاع أسعار الأدوية في إيران ونفاد بعض أصنافها، تسعى الحكومة لاحتواء الأزمة عبر تخصيصها مساعدات مالية لاستيراد بعض أصناف الأدوية وسد عجز السوق الداخلية.
وفي السياق، أعلن المصرف المركزي الإيراني عن تخصيص مليار دولار كمساعدة إضافية لتغطية واردات الأدوية، مؤكدا أن الحكومة قد خصصت 3 مليارات دولار لهذا الغرض منذ 20 مارس/آذار الماضي.
من ناحيته، وصف عضو لجنة الصحة البرلمانية همايون سامه يح نجف آبادي، المساعدات الحكومية بمثابة مسكن موقت لا يستطيع معالجة المشكلة، وحث الحكومة على حل أزمة الدواء عبر معالجة جذورها.
نفقات إضافية
ورغم الأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار إلا أن الحكومة الإيرانية تجد نفسها مضطرة لإلغاء الدعم الحكومي أو تغيير طريقة تخصيص العملة المرجحة، وفق الباحث الاقتصادي غلام رضا مقدم الذي يرى أن الدعم الحكومي لاستيراد السلع الأساسية تسبب في فساد مالي وحمّل الاقتصاد الوطني نفقات إضافية في ظل العقوبات الأميركية.
وأشار مقدم -في حديث للجزيرة نت- إلى أن بعض الموردين اعتادوا خلال الفترة الماضية على بيع العملة الصعبة المدعومة من الحكومة في السوق الحرة أو استيراد بضائع أخرى لا تندرج في قائمة السلع الأساسية، على حد قوله.
من ناحيته، كشف المدير العام لشؤون الأدوية في منظمة الغذاء والدواء الإيرانية حيدر محمدي عن أن مخزون بلاده من الأدوية تراجع من 6 إلى 3 أشهر خلال السنوات الأخيرة، وأن هذه الكمية لا تتناسب مع حجم الطلب عليها.
وأوضح في تصريحات صحفية أن إيران تعاني نقصا في 40 صنفا من الأدوية وأن حذف سعر الصرف الرسمي للعملة الصعبة اللازمة لاستيرادها من الخارج قد يزيد النقص إلى 500 صنف.
وبعد مضي 6 أشهر فقط من إعلان مهدي صادقي نياركي مساعد وزير الصناعة، أن إيران تنتج 97% من احتياجاتها من الدواء في الداخل قد لا يجد بعض المواطنين الإيرانيين سبيلا لعلاج مرضاهم سوى عبر اقتنائه من دول الجوار، إلا أن طريقه نقله للداخل لا تبدد هواجسم والخشية من فساده بسبب عدم تأمين درجة الحرارة اللازمة.
المصدر : الجزيرة