صندوق النقد الدولي يحذر من تفاقم المخاطر جراء جائحة الديون

صندوق النقد الدولي يحذر من تفاقم المخاطر جراء جائحة الديون

هيمنت التحذيرات من خطر تفاقم الديون السيادية وجبال الديون الرديئة المترتبة على الحكومات والشركات والأفراد على اجتماعات الربيع السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في وقت تتسع فيه حالة التشاؤم بسبب الحرب في شرق أوروبا التي قوضت ابتعاد الاقتصاد العالمي عن دوامة الانكماش.

واشنطن – حملت تحذيرات صندوق النقد الدولي من اتساع المخاطر على أداء الاقتصاد العالمي جراء ارتفاع أعباء الديون في كثير من الدول في طياتها علامات قلق من تحول المشكلة إلى معضلة حقيقية لن تتمكن الحكومات من حلها ما لم يتم حشد الجهود لمواجهتها.

وجاءت هذه التحذيرات خلال اجتماعات الربيع السنوية للبنك وصندوق النقد الدوليين التي بدأت في واشنطن الاثنين الماضي وتستمر حتى الجمعة المقبل.

وبينما كان العالم يكافح لتجاوز تداعيات جائحة كورونا، والحد من آثار التغير المناخي، جاءت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا لتضيف المزيد من الغموض على مستقبل الاقتصاد العالمي.

ديفيد مالباس: نُعد حزمة مساعدات لدعم الدول بقيمة 170 مليار دولار

وعشية هذه الاجتماعات دفعت هذه التطورات مؤسسات مالية واقتصادية دولية مجتمعة إلى التحذير من تداعيات هذه الحرب لاسيما على الاقتصادات الضعيفة.

وأجمع البنك وصندوق النقد الدوليين ومنظمة التجارة العالمية وبرنامج الغذاء العالمي في بيان مشترك على أن الحرب في أوكرانيا ستؤدي إلى تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي برمته، وستكون تداعياتها أشد وطأة في الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل.

واتخذت الحكومات حول العالم تدابير استثنائية لدعم اقتصاداتها مع بدء تفشي الفايروس قبل عامين، ومن بينها تعليق سداد الديون أو تقديم قروض واسعة النطاق.

لكنّ هذه البرامج أدت إلى ارتفاع مستويات المديونية في بعض القطاعات، بما في ذلك الأكثر تضررا من الفايروس مثل السياحة والمطاعم، فضلاً عن الأسر منخفضة الدخل، وفق ما أفاد الصندوق الذي يتخذ مقرا في واشنطن.

وفي فصل من تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمي، قال صندوق النقد إن “عبء الديون قد يعيق النمو في البلدان المتقدّمة بنسبة 0.9 في المئة، وفي الأسواق الناشئة بنسبة 1.3 في المئة، على مدى السنوات الثلاث المقبلة”.

وأضاف أن “الأُسر التي تعاني من ضغوط مالية والشركات الهشة زادت من حيث العدد والنسبة خلال الجائحة وستخفض على الأرجح إنفاقها وبخاصة في الدول التي تعاني من عدم فعالية في إجراءات مواكبة الإفلاس ومن محدودية هوامش المناورة في الميزانية”.

ولتجنّب تفاقم المشكلات، دعا الصندوق الحكومات إلى “ضبط وتيرة” الإلغاء التدريجي للمساعدات وبرامج الإنفاق. وقال “حيثما يسير التعافي بشكل جيّد وتكون الميزانيات العامّة في حالة جيدة، يمكن تخفيض الدعم المالي بشكل أسرع، ما يسهّل عمل البنوك المركزية”.

وبالنسبة إلى القطاعات المتعثّرة، يمكن للحكومات تقديم المساعدة لمنع حالات الإفلاس، أو تقديم حوافز لإعادة الهيكلة لتجنّب عمليات التصفية.

وأكّد الصندوق أنه “لتخفيف العبء على المالية العامة، يمكن دراسة فرض ضرائب أعلى مؤقتة على الأرباح الطائلة. وهذا من شأنه أن يساعد في استرداد بعض التحويلات من الشركات التي لا تحتاج إليها”.

وقدرت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني ارتفاع قيمة ديون حكومات العالم إلى مستويات قياسية بنهاية العام الماضي بنحو 260 في المئة متجاوزة حاجز مئتي تريليون دولار، رغم إمكانية خدمة هذه الديون دون صعوبة بسبب انخفاض أسعار الفائدة.

في المئة من الدول منخفضة الدخل تعاني من مديونية مفرطة أو معرّضة بشدّة لذلك

وقالت فيرا تشابلن، مدير أول التحليل المالي لدى الوكالة إن “تراكم المديونية كان ضروريا في ضوء استجابة السياسة الاقتصادية للتعامل مع جائحة كورونا”. وأوضحت أن ارتفاع المديونية مع ضعف مؤشرات الجدارة الائتمانية في ظل تعافي الاقتصاد العالمي من قيود الإغلاق ربما ينتج عنه المزيد من حالات التعثر.

وسجل حجم الديون زيادة بواقع 14 نقطة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بعد أن تضخَّم بفعل التراجع الاقتصادي الناجم عن الوباء، والاقتراض الزائد الذي اضطرت الحكومات والشركات والأسر إليه.

وكان الدين العالمي قد ارتفع بنهاية 2020 بسبب قيود الإغلاق المنجر عن الأزمة الوبائية إلى نحو 281 تريليون دولار مسجلا زيادة بمقدار 24 تريليون دولار.

وأعلن رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس مع انطلاق اجتماعات الربيع أنه يعدّ حزمة من المساعدات بقيمة 170 مليار دولار على مدى 15 شهرا لدعم الدول في مواجهة الأزمات المتعدّدة وفي مقدّمها الأزمة الغذائية والإنسانية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا.

وقال “نتوقع أن تستمر أزمة الديون في التفاقم عام 2022″، مشيرا إلى أن هذه الدول تعاني “ضغوطا مالية خطرة”. وفي الإجمال، فإنّ 60 في المئة من الدول منخفضة الدخل تعاني من مديونية مفرطة أو معرّضة بشدّة لأن تصبح كذلك. وكان مالباس جدّد الأسبوع الماضي الدعوة إلى تحسين إطار العمل المشترك لمجموعة العشرين لإعادة هيكلة الديون.

واقترح حينها وضع جدول زمني يسمح للجنة الدائنين بتعليق مدفوعات خدمة الدين وغرامة الفائدة كما أوصى بإشراك الدائنين من القطاع الخاص في وقت مبكر من عملية إعادة الهيكلة. وفي بداية الجائحة عرضت دول مجموعة العشرين الغنية على البلدان الفقيرة تأجيل سداد خدمة ديونها حتى نهاية عام 2020، وقد مددت في وقت لاحق التأجيل حتى نهاية عام 2021.

وبالتوازي مع مبادرة تعليق خدمة الديون، وضعت دول مجموعة العشرين في نوفمبر 2020 “إطارا مشتركا” يهدف إلى إعادة هيكلة أو حتى إلغاء ديون البلدان التي تطلب ذلك لكنّ تنفيذ هذا الإطار يصطدم حتى الآن برفض الدائنين من القطاع الخاص، ولاسيما الصينيين.

العرب