نظام دفاعي إقليمي لحماية إسرائيل ومواجهة إيران

نظام دفاعي إقليمي لحماية إسرائيل ومواجهة إيران

في التاسع من شهر يونيو الحالي تقدمت مجموعة مؤيدي «اتفاقات إبراهام» في مجلسي الكونغرس، مدعومة بمنظمات الضغط الإسرائيلية، بمشروع قانون إلى مجلسي النواب والشيوخ، يكلف وزير الدفاع بالسعي إلى وضع هيكل لنظام إقليمي للدفاع الجوي والصاروخي في الشرق الأوسط، يضم دول مجلس التعاون الخليجي الست مع إسرائيل والأردن والعراق ومصر. ونص المشروع على أن يقدم الوزير للكونغرس، خلال مدة أقصاها ستة أشهر استراتيجية واضحة في هذا الخصوص.
وكنت قد نشرت في هذه الصحيفة مقالا بتاريخ 6 يوليو من العام الماضي بعنوان «شبكة مضادة للصواريخ والطائرات المسيرة.. بداية نظام دفاعي جديد للشرق الأوسط» نبهت فيه إلى سعي الولايات المتحدة لإقامة نظام دفاعي إقليمي بقيادة إسرائيل، يبدأ بإقامة شبكة دفاع جوي وصاروخي، يملأ الفراغ العسكري الذي تخلفه أمريكا وراءها في الشرق الأوسط، بسبب حاجتها للتركيز على صراعها مع كل من الصين وروسيا، ويقيم حلفا عسكريا ضد إيران.
وتناولت في المقال تفاصيل ما نراه حاليا على الأرض من ترتيبات إقامة نظام للإنذار المبكر، وتبادل المعلومات، والمناورات العسكرية المشتركة، والتنسيق بين غرف العمليات العسكرية، ودور الولايات المتحدة في دعم وتيسير إقامة التحالف العسكري المنشود. مشروع القانون في حال إقراره سيصبح بمثابة الإطار التشريعي الذي ينظم التزامات الولايات المتحدة العسكرية في الشرق الأوسط، بصرف النظر عن تغير الإدارة، ويهدف مباشرة إلى إقامة هيكل دفاعي ستقوده إسرائيل، هدفه: «ردع قوات العدو وزيادة قدرات الدفاع الإقليمي».

من يقف وراء مشروع القانون؟

تقدم بمشروع القانون أعضاء مجلس الشيوخ جون إرنست، جيمس لانكفورد، جاكي روزين. كما قدّم النواب براد شنايدر، كاثي مكموريس رودجرز، ديفيد ترون، آن واجنر، دون بيكون، جيمي بانيتا نسخة مماثلة إلى مجلس النواب. القائمة ضمت أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في مجلسي الكونغرس، كما ضمت أعضاء من «لجنة القوات المسلحة». وعلى التوازي مع تقديم مشروع القانون، أصدر عدد من المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة بيانات تأييد قوية له، ودعت إلى أن يتحول بسرعة إلى قانون نافذ، حتى يصبح مشروع الدفاع الإقليمي حقيقة واقعة. من أهم المنظمات التي أعلنت تزكية مشروع القانون وتأييده «المجلس اليهودي الأمريكي»، و»فيدراليات المجالس اليهودية في أمريكا الشمالية»، و»المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي»، و»المنظمة الصهيونية للمرأة في أمريكا»، ومجموعة كبار الباحثين في برنامج الشرق الأوسط والخليج في «مجلس الاطلنطي» للدراسات. المجموعة الأخيرة، التي تضم قيادات عسكرية ودبلوماسية ومخابراتية سابقة، لها خبرة واسعة بالعمل في دول الخليج، أعدت دراسة مهمة عن طبيعة التحديات الأمنية التي تواجهها منطقة الخليج، وأوصت بضرورة أن تقوم الولايات المتحدة بتقديم المساعدات المطلوبة من أجل إقامة نظام دفاعي إقليمي في مواجهة إيران. وتم نشر ملخص للدراسة في مجلة مجلس الاطلنطي منذ ثلاثة أشهر.

منطقة الشرق الأوسط تعاني من فراغ عسكري كبير، يمثل إغراء للقوى المختلفة من داخل المنطقة وخارجها لمحاولة زيادة نفوذها، أو حتى الهيمنة الكاملة عليها

معضلة إقامة نظام دفاعي يضم إسرائيل

لا شك في أن منطقة الشرق الأوسط تعاني من فراغ عسكري كبير، يمثل في حد ذاته إغراء للقوى المختلفة من داخل المنطقة وخارجها لمحاولة زيادة نفوذها، أو حتى الهيمنة الكاملة عليها. ومن ثم فإن هذا الفراغ هو أحد محركات التوتر والصراعات في المنطقة. وعلى الرغم من وجود استراتيجيات مختلفة إيرانية وتركية وروسية، وصينية وأمريكية، فإن إسرائيل تحاول السير في طريق آمن لتحقيق استراتيجيتها من دون صدام مع الولايات المتحدة أو غيرها، من خلال إيجاد أرضية مشتركة مع الآخرين، باستثناء إيران، التي تعتبرها عدوها الرئيسي. وقد عبّر المشروع الذي يتبناه رونالد لاودر رئيس «المجلس اليهودي العالمي» عن طموحات يهود العالم في أن تصبح إسرائيل الدولة المهيمنة على الشرق الأوسط، باعتبارها الأكثر قوة إقليميا، والأكثر مصداقية عالميا، من حيث توافق مصالحها مع دول الخليج، واتفاقها معهم، من وجهة نظره، على أن إيران هي العدو الرئيسي، وأنه يجب عليهم العمل مع إسرائيل في مواجهتها، بصرف النظر عن موقف الولايات المتحدة التي تتبنى استراتيجية «الدبلوماسية أولا» في التعامل مع التهديدات الإيرانية. وقد نشر لاودر رؤيته عن إنشاء «منظمة الشرق الأوسط للدفاع – ميدو» في مقال نشره بشكل متزامن في 28 مارس من العام الماضي في صحيفتي «عرب نيوز» السعودية و»جيروساليم بوست» الإسرائيلية. كما قام بزيارة بعض العواصم العربية لترويج رؤيته، منها القاهرة حيث التقي بالرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس المخابرات العامة ووزير الخارجية. لكن رؤية لاودر التي تمنح إسرائيل حجما أكبر من حجمها، ومكانة أكبر منها، تعثرت حتى في الولايات المتحدة. ويبدو أن مشروع القانون الذي تم تقديمه أخيرا إلى الكونرغس يمثل محاولة لتأسيس «أرضية وسط»، تقف عليها الولايات المتحدة وإسرائيل لإقامة النظام الدفاعي المنشود بواسطة الطرفين، من دون حدوث صدام بينهما، تمهد على الأرجح لقيام إسرائيل بدور أكبر تدريجيا. هذه الأرضية المشتركة ستتمثل في استمرار الدور التنسيقي الذي تقوم به القيادة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط «القيادة المركزية»، واستمرار دور الولايات المتحدة كمورد رئيسي للسلاح إلى المنطقة. وفي الوقت نفسه يمنحها الفرصة لنقل قواتها ومعداتها من الشرق الأوسط إلى منطقة الصراع الرئيسي المرتقبة ضد الصين في منطقة المحيطين الهندي والباسيفيكي، من دون أن يؤدي ذلك إلى تمدد نفوذ روسيا في الشرق الأوسط. المشروع يحاول أن يقدم الهيكل الدفاعي الجديد على أنه صفقة على أساس قاعدة الربح المتبادل «أنت تربح وأنا أربح» بصيغة: «توفير الأمن لدول الخليج»، و»حماية إسرائيل من إيران»، و «ضمان مصلحة الولايات المتحدة في عدم تمدد النفوذ الصيني والروسي في المنطقة».

دور الإمارات في فك شيفرة مصر والأردن

النظام الدفاعي المقترح يبدأ بمنصة «هيكل للدفاع الجوي والصاروخي»، يضم دول مجلس التعاون الخليجي الست، وثلاث دول عربية هي مصر والأردن والعراق، مع إسرائيل. هذا التكوين الطموح الذي تضمنه نص مشروع القانون يتجاوز قيود الواقع والسياسات في الدول الشريكة، سواء داخل مجلس التعاون الخليجي أو خارجه. ففي المجلس لا تدخل سلطنة عمان في أحلاف عسكرية، لا ضد إيران ولا ضد غيرها. ولا ينطلق هذا الموقف من أرضية «الحياد»، وإنما ينطلق من أرضية «المصالح القومية العمانية» وسياستها الراسخة التي لا تتغير بتغير أنظمة الحكم أو الحكام، والسعي لصنع السلام لا الحرب. فقد حافظت عمان على علاقات قوية مع إيران في زمن الشاه، لم تنقلب للعكس في زمن الإمام الخميني أو المرشد الحالي. كذلك فإنها حافظت على صلات ودية مع مصر، رغم تغير الحكام والنظم. وتسترشد السياسة الخارجية العمانية بمصالحها وبالثوابت الجيوسياسية من حولها. ولذلك فإن عمان لن تكون جزءا من تحالف عسكري معاد لإيران. وكذلك الحال بالنسبة للسعودية التي ربطت مسألة التطبيع مع إسرائيل بتسوية القضية الفلسطينية أولا، وهو ما يتعارض مع منطق الاتفاقيات التي عقدتها الإمارات والبحرين مع إسرائيل. وليس من المتوقع أن تتغير هذه السياسة، طالما بقى الملك سلمان على قيد الحياة. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة صاحبة فضل عسكري كبير على الكويت، فمن المستبعد أن تنضم إلى تحالف يهدد أمنها، خصوصا وهي تشترك في حدودها مع إيران وبينهما الكثير من المصالح المتبادلة اقتصاديا واجتماعيا. أما خارج دول مجلس التعاون، فإن الحلف العسكري المقترح يواجه أيضا معضلة قد تستعصي على الحل، تتمثل في كيفية إقناع مصر والأردن والعراق بالانضمام إلى تحالف عسكري مع إسرائيل، بينما المشكلة الفلسطينية تتفاقم مع إصرار النخبة الحاكمة في تل أبيب على نسف حل الدولتين. مثل هذا التحالف قد تكون له تداعيات سلبية واسعة النطاق بين الفلسطينيين المقيمين في الأردن والعشائر الأردنية نفسها. كما أنه يتعارض مع ثوابت السياسة الخارجية والدفاعية المصرية، وليس من المتوقع أن تنجح الولايات المتحدة أو الإمارات في إقناع العراق بالانضمام إلى الحلف العسكري المعادي لإيران.
ويبدو أن الإمارات تحاول فتح طرق جانبية للتأثير في الموقف المصري والأردني لمصلحة الانضمام إلى ذلك التحالف الدفاعي. ومن أهم الخطوات التي تم إعلانها مؤخرا إقامة تكامل صناعي بين البلدان الثلاثة، وتعزيزه بصندوق إماراتي بقيمة 10 مليارات دولار. ومن اللافت للنظر أن اتفاق إقامة مشروع التكامل الصناعي تم توقيعه في أبوظبي قبل يوم واحد من توقيع اتفاقية شراكة اقتصادية كاملة بين الإمارات وإسرائيل في أبوظبي أيضا. الإمارات في حقيقة الأمر تلعب دورا خبيثا في محاولة حل شيفرة الموقف في كل من مصر والأردن، لتقريب كل منهما من الحلف العسكري المقترح، فهل ينجح الحلف الجديد، أم أنه سيلقى المصير الذي لقيه حلف «السينتو» في خمسينيات القرن الماضي؟

القدس العربي