جاءت العمليات الارهابية التي جرت مساء يوم الجمعة 13 تشرين الثاني 2015 في العاصمة الفرنسية(باريس) لتؤكد حقيقة ان الارهاب لا يختص بمنطقة او دولة وانما هو يشمل جميع دول العالم ، وان سياسة وتوجه الارهابين هو زرع حالة الخوف الذعر في نفوس المواطنين وقتل العديد منهم وتنفيذ سياسة الانتقام واحداث البلبلة في جميع الاماكن التي يتوقع الارهابيون ان يحققوا لهم نصرا اعلاميا وصوتا دوليا يقوي معنويات مؤيديهم والمتعاطفين معهم بانهم يمتلكون ادوات الردع والمواجهة والتاثير في اي مكان .
ولكننا امام حدث جسيم ومهم يتمثل في دقة التنفيذ واختيار الاهداف بشكل علمي ومدروس مع توقيتات تنم عن خبرو واطلاع في العمل الميداني الارهابي ، كما انه يؤشر حقيقة ان الارهاب ومن ورائه يمتلكون دراسة مستفيضة ولديهم معلومات دقيقة وتاثيرا على الارض لان طبيعة الاهداف التي تم استهدافها في(باريس) تؤكد هذه الانطباعات فوجود شخصيات مهمة رسمية بمستوى رئيس دولة تستهدف اماكنهم انما يعني ان هناك خرقا امنيا كبيرا شكله عناصر الارهاب التي تتواجد في فرنسا .
واذا ما اخذنا بنظر الاعتبار الموقف الدولي لحكومة فرنسا ومشاركتها في قيادة التحالف الدولي واستهداف مقاتلي واماكن تنظيم الدولة الاسلامية في سورية ومتابعة الخلايا النائمة او المتعاونة مع التنظيم او العناصر المتعاطفة معه في مدن فرنسا فان الارهاب اراد ان يوصل رسالة لهذه الحكومة بانه يستطيع ان يقض مضاجعهم في عقر ديارهم.
كما جاءت الرسالة الصوتية التي بثها التنظيم والتي اشار فيها الى ان اتباعه تمكنوا من القيام (بغزوة مباركة) في مدينة باريس عاصمة الدولة الفرنسية وانها حققت اهدافها في استهداف العديد من الاماكن المهمة ، تؤشر لدينا الملاحظات والوقائع التالية:
1.ان تنظيم الدولة الاسلامية اراد ان يثبت لجميع المهتمين والمتابعين له ولمؤيديه بان لديه الامكانية للوصول الى اي هدف يريده وتحقيق مبتغاه في اي عملية يعمل على رسم مخططات تنفيذها وبدقة وبتائج عالية على المستوى الميداني .
2.جاءت الاعمال الارهابية في وقت تتهئ فيه دول العالم لحدثين مهمين هما مشاورات فيينا بخصوص الشأن السوري في اللقاء الثاني لوزراء الدول المعنية بحل المشكل السوري ومؤتمر دول العشرين الذي سيعقد في مدينة انطاليا التركية ، لتلقي هذه العمليات الارهابية ظلالها على المؤتمرين وتؤثر على طبيعة نتائج ومناقشات اللقاءات.
3.ان العمل الارهابي تحقق بعد عدة اخفاقات لمقاتلي تنظيم الدولة في مناطق بيجي والصينية التابعة لمحافظة صلاح الدين وقضاء سنجار التابع لمحافظة نينوى وانسحابهم من هذه المناطق الستراتيجية المهمة في العراق ، مع الاخفاق الذي صاحب عملية السيطرة على(مطار كويرس ) في سوريةن ليؤكد ان الارهاب لديه القدرة على تحقيق اهدافه في مناطق اخرى من العالم .
4.يعمل التنظيم على اعادة هيكلية وانتشار مقاتليه في العراق وسورية واستخدام كل الاساليب والوسائل التي تؤهله لتفيذ عمليات متقدمة في العمق الاوربي واختيار مدينة(باريس) مكانا للتنفيذ انما يريد ايصال رسالة للمعنيين بمتابعته انه يمتلك امكانيات كبيرة واساليب مختلفة يستطيع من خلالها تأكيد ديمومته واستمرار عافيته .
5.استخدم التنظيم في هذه العملية عدد من الاشخاص الانغماسيين بلغ(8) اشخاص مرتدين احزمة ناسفة متطورة ويحملون رشاشات اوتوماتيكية ، تمكنت هذه المجاميع وبعددها القليل من احداث انهيار امني وشلل في الحياة في عدد من المناطق المهمة في العاصمة الفرنسية(باريس) والوصول الى اهدافها بدقة متناهية تنم عن متابعة جدية ودقيقة للاماكن التي نفذت فيها العمليات .
6.ان معظم الخطب والتسجيلات التي سبق وان اصدرتها مؤسسة الفرقات التابعة للمركز الاعلامي لتنظيم الدولة الاسلامية والخاصة باحاديث ابو بكر البغدادي ومساعديه كانت تحث وتشير الى اهداف التنظيم التوسعية وامتداداتهم وان القتال سيستمر لمواجهة(الصليبين والطواغيت) وان اصرارهم على الزحف مستمر حتى يصلوا الى(روما) في اشارة دقيقة الى الفاتيكان كونه يشكل رمزية دينية وسياسية للمسيحين ورسالة واضحة للاوربين للوصول لبلدانهم .
7.حاول التنظيم ايصال رسائل للمسلمين بان صراعهم مع المسيحيين لأجل تهديد دول اوروبا المنضوية تحت التحالف الدولي واثارة المسلمين الموجودين في الدول المشاركة للقيام بعمليات ارهابية .
8.سعى التنظيم وبسياسته المعهودة والمعروفةمنذ اعلان الخلافة في مدينة الموصل بعد سيطرة التنظيم عليها في حزيران عام 2014 الى التأكيد على ان الصراع يجب ان يكون اسلاميا مسيحيا وهي من بنات افكار التظيم وقادته الساعين الى تعميق الفكر المتطرف في حياة المسلمين .
9.توسيع نطاق دائرة اعداء التنظيم في شمال افريقيا واوروبا ضمن اهداف التنظيم وامتداداته التي شهدتها دول عربية مثل مصر وليبيا والان في العاصمة الفرنسية (باريس) وقد تمتد لتشمل دولا اوربية اخرى .
10.ان تنفيذ هذه العمليات الارهابية قد وضع ستراتيجية للتحرك ضمن البلدان التي يتواجد فيها عناصر من المتعاونين والمتطوعين والمؤمنين بافكار تنظيم الدولة الاسلامية ودعوة لخلايا التنظيم النائمة للقيام بعمليات قتل وتفجير تهدف الى زعزعة حالة الامن والاستقرار في البلدان الاوربية واحداث حالة الرعب والخوف لدى مواطنيها .
11.تحدى القائمين بهذا العمل جميع اعداء التنظيم من المشاركين في قيادة التحالف الدولي مؤكدا انهم عاجزين عن مواجهته وانهاء دوره واضعافه في المناطق التي تشهد نزاعا عسكريا ضده وان ما يخطط ضده مصيره الفشل وان المشاركين في التحالف الدولي مهما خططوا واجتمعوا وحشدوا ضدهم فأنهم لن يخيفوا مقاتلي التنظيم .
12.دعوة مقاتلي التنظيم في دول اوروبا لرفع شعار(كل من يحارب الدولة الاسلامية سيكون مصيره الموت) وهنا اشارة واضحة ودلالة عميقة للاستمرار بنهج المواجهة والتقدم والزحف لتحقيق اهداف التنظيم .
13.تعزيز مفهوم فكرة الكراهية التي يتبناها التنظيم بدعوة جميع المسلمين المتواجدين في انحاء العالم لاستهداف (الصليبين) اينما كانوا في اشارة للاوربين واستخدام كل وسائل الايذاء ضدهم من عبوات ناسفة او احزمة ملغفة او سيارات مفخخة للايقاع الاذى الجسدي بما يسمونهم(بالصليبين) والكفرة الملحدين .
14.ان الاسلوب الذي استخدم بتنفيذ العمليات كان من ستراتيجية عمل التنظيم في تحقيق مبدأ ( المفاجأة والصدمة) وهو احد الاركان الاساسية في مواجهة اعداء التنظيم حيث قام المنفذون بمفاجأة جميع اجهزة الامن الفرنسي واحدثوا صدمة كبيرة لديهم بحيث ادت الى شللهم واضعفت رد فعلهم المناسب والدقيق مما ادى الى الشلل التام في لحظة المواجهة الاولى من قبل عناصر الامن في متابعة المنفذين واحدثوا الصدمة لدى المواطنين فكان الاندفاع الشديد والتزاحم للهروب سببا في زيادة عدد القتلى والجرحى جراء العمليات الارهابية .
15.ان هذا الاسلوب هو احد الاساليب المهمة والتي قد تكون مقدمة وبداية لنشاط محموم تقوم به عناصر تعمل ضمن دائرة تنظيم الدولة الاسلامية ولكنها تتهئ للاعلان عن بداية لتشكيل خلايا قد تعمل ضمن تنظيم بدأ الاعلان عن نفسه وهو(تنظيم خراسان الارهابي) الذي يتنامى بقوة وامتداد ضمن الاراضي الافغانية ولدية فعاليات قتالية داخل الاراضي السورية واستهدفت قياداته ومقاتليه من قبل طيران التحالف الدولي ، ونعتقد ان هذا التنظيم سيكون امتدادا لتنظيم الدولة الاسلامية مستقبلا واهدافه هو الانتشار والتوسع عبر الاراضي الافغانية باتجاه جنوب ايران والامتداد نحودول شمال افريقيا وتحديدا الاقطار العربية التي تقع شمال البحر الابيض المتوسط قبالة جنوب اوروبا ليشكل امتدادا لاهدافه وسعيه لتفيذ عمليات مواجهة داخل العمق الاوروبي .
ان الاحداث تتسارع والوقائع تثبت حقيقة واهداف هذا التنظيم وسعيه للامتداد نحو اوروبا ودول العالم ، فهل نرى في قادم الايام ما يؤكد حقيقة هذا التوجه ونشاط وتوسع عمل الخلايا النائمة وتعكير صفو الامن والاستقرار في بلدان العالم، ام سنرى ايقافا لزحف وتمدد التنظيم بفعل الجهد الدولي لمكافحة الارهاب وانشطة الاجهزة الاستخبارية العالمية؟
وحدة الدراسات الدولية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية