باشرت حكومة رئيس الوزراء العراقي الجديد محمد شياع السوداني، أمس الجمعة، مهامها الدستورية، في تاسع حكومة عراقية تتشكّل في البلاد منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، بعد أزمة سياسية امتدت لأكثر من عام كامل، وسط تحديات عدة.
الحكومة الجديدة التي حصلت، مساء أول من أمس الخميس، على ثقة البرلمان بأغلبية تجاوزت 250 نائباً من أصل 329، مع مقاطعة غالبية القوى والشخصيات المدنية، أقرت بوجود 23 حقيبة وزارية، إلا أنه تم التصويت على 21 منها فقط، بسبب استمرار الخلافات على وزارتين من حصة القوى الكردية، هما الإعمار والبيئة.
ملفات إشكالية تنتظر السوداني
وإذا كان موقف التيار الصدري المعارض للحكومة مصدر القلق الأساسي للسوداني وفريقه، فإن الملفات الإشكالية التي تضمنها برنامج الحكومة، الذي نالت على أساسه الثقة، تبرز أيضاً كمعوقات يرجح أن يصطدم بها رئيس الوزراء الجديد.
وينتظر أن تؤثر مختلف هذه العوامل على عمر الحكومة، علماً أن ورقة المنهاج الوزاري التي اتفقت عليها الكتل السياسية نصت على تعديل قانون الانتخابات النيابية خلال ثلاثة أشهر وإجراء انتخابات مبكرة خلال عام. وهو ما اعتُبر بمثابة أول انقلاب من قبل قوى “الإطار التنسيقي” على تعهدات سابقة بشأن تشكيل الحكومة ثم الذهاب لانتخابات مبكرة.
نائب سابق مقرّب من السوداني: مسايرة الصدريين وإبقاؤهم في حالة هدوء هو أول تحدٍّ
وتوزعت التشكيلة الوزارية الجديدة بطريقة المحاصصة المعمول بها في جميع الحكومات الماضية، لكن بدا حضور “الحشد الشعبي” في هذه الحكومة أقوى من الحكومات الثلاث الأخيرة (حيدر العبادي، عادل عبد المهدي، مصطفى الكاظمي).
وتولى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية زعيم فصيل “جند الإمام” أحمد الأسدي، وهي إحدى الجماعات المسلحة الحليفة لإيران، وتمتلك جناحاً مسلحاً يقاتل إلى جانب النظام السوري. كذلك جرى اختيار نعيم العبودي القيادي بمليشيا “عصائب أهل الحق”، بزعامة قيس الخزعلي، وزيراً للتعليم العالي، وهو حاصل على شهادة الماجستير والدكتوراه من الجامعة الإسلامية في لبنان.
وظلّت إيفان فائق جابرو، شقيقة زعيم مليشيا “بابليون”، ريان الكلداني، وزيرة للهجرة. وتولى أحمد المبرقع، وهو مسؤول في قناة “آفاق” الفضائية التي يمتلكها رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، وزارة الشباب والرياضة.
وضمت حكومة السوداني وزراء من حكومة سلفه مصطفى الكاظمي، إذ ظلّ وزير الخارجية فؤاد حسين في منصبه، وانتقل خالد بتال من وزارة التخطيط إلى وزارة الصناعة، وعاد صالح الحسناوي وزير الصحة في حكومة حيدر العبادي إلى الوزارة نفسها في الحكومة الجديدة.
ويواجه السوداني “صخرة كبيرة”، على حد وصف مراقبين، تتمثل بوجود التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، خصوصاً أن الأخير غير راضٍ عن السوداني وحكومته وآلية توزيع الوزارات على الأحزاب وطرق اختيار الوزراء.
وأمام السوداني تحديات أخرى مثل السلاح المنفلت بيد الجماعات المسلحة وضرورة ضبطه، وهو مطلب المحتجين الغاضبين، إضافة إلى التحضير للانتخابات المقبلة، التي تأمل الكيانات الناشئة والتيار الصدري أن تكون خلال أقل من عامين في أقصى الحالات بدءاً من تاريخ عمل الحكومة الجديدة.
وحول كيفية مواجهة السوداني هذه التحديات، اعتبر نائب سابق، مقرّب منه، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “مسايرة الصدريين وإبقاءهم في حالة هدوء هو أول تحدٍّ للحكومة الجديدة، والإخفاق يعني سيناريوهات كثيرة، قد يكون أفضلها استقالة حكومة السوداني وأسوأها مواجهة بالشارع بين الصدريين وأنصار الإطار التنسيقي الداعم للحكومة”.
وشدّد على أنه “لا يجب التوقع أن السوداني سيحسم كل التحديات الكثيرة للحكومة، وكان من الخطأ وضعها في برنامجه الانتخابي، لكن ضغوطاً سياسية أرغمته على ذلك”. وبدا لافتاً في برنامج السوداني، ذكر المدن المحتلة من قبل الفصائل المسلحة والتي تمنع عودة أهلها، مثل جرف الصخر والعوجة ويثرب والعويسات وقرى ديالى وعزيز بلد وسنجار ومناطق أخرى عديدة، متعهّداً بإعادة أهلها إلى ديارهم.
وأضاف النائب السابق أن “طيّ ملف النزوح، وإخراج الفصائل المسلحة من المدن التي تسيطر عليها، وتعويض ضحايا العمليات الإرهابية والأخطاء العسكرية فيها، وملف المغيبين والمختطفين، إضافة إلى بنود ملف العلاقة بين بغداد وأربيل، مثل المادة 140 وقانون النفط والغاز العالق منذ سنوات، فضلاً عن الأزمة الصحية والتصدي لعودة تنظيم داعش، والكشف عن قتلة المتظاهرين (الذين شاركوا في انتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول 2019) ومحاسبتهم، هي كلها ملفات فُرضت على السوداني من قبل قوى سياسية سنية وكردية مختلفة”. ولفت إلى أن “أطرافاً سياسية شيعية وضعت ملف إنهاء الوجود الأميركي على طاولة السوداني مرة أخرى”.
من جهته، أكد عضو آخر في تحالف “النصر”، بزعامة حيدر العبادي، الذي قرّر عدم المشاركة في الحكومة، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “التيار الصدري رفض التواصل مع السوداني في الأيام الماضية التي سبقت جلسة منح الثقة، وهذا مقلق للغاية”.
من جانبه، أشار النائب المستقل في البرلمان العراقي باسم خشان إلى أن “ملف الفساد ونهب أموال الدولة هو أكبر الملفات التي على السوداني أن يلاحقها”.
واعتبر في حديثٍ مع “العربي الجديد” أن “حكومة السوداني لن تعالج الملفات التي يطالب بها العراقيون، بل ستكون حكومة لا تختلف عن حكومات نوري المالكي وعادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي، لأن ما بُني على باطل فهو باطل”. وتوقع أن “تفسد بعض النجاحات في الحكومة السابقة، لا سيما في ملف العلاقات الخارجية التي ترفضها الفصائل المسلحة”.
معوقات أمام السوداني
في المقابل، قال النائب عن “الإطار التنسيقي” رفيق الصالحي، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، إن “أبرز المعوقات التي سيواجهها السوداني هو الفساد المتغلغل بالدولة، المحمي من جهات داخلية وخارجية”.
وأضاف الصالحي أن “السوداني سيواجه معوقات كبيرة بملف الصحة والكهرباء والخدمات، خصوصاً ان هذه الملفات مهملة منذ سنين، على الرغم من صرف الأموال الكبيرة عليها، خصوصاً أنه أبدى عزمه على إيجاد تطوير هذه الملفات بأشياء ملموسة من قبل المواطنين”.
محيي الأنصاري: العزلة هي أكبر حالة ستعاني منها حكومة التوافق في المستقبل القريب
أما النائب المستقل هادي السلامي، فرأى أن ملفي الكهرباء والخدمات سيكونان أبرز ما سيواجه السوداني في حكومته. ولفت في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن “الفساد مرتبط بكل الملفات، إلى جانب السيطرة على السلاح المنفلت، الذي يشكل تهديداً حقيقياً للدولة والسلم الأهلي”.
وأوضح السلامي أن “أبرز التحديات التي سيواجهها السودان هو العمل على تهيئة الأجواء المناسبة لإجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، خصوصاً وضع مدة زمنية لهذه الخطوة ضمن منهاجه الحكومي، وهذه القضية تحتاج إلى جهد لإجراء انتخابات نزيهة بعيدة عن المال السياسي والسلاح المنفلت”.
من جهته، لفت محيي الأنصاري؛ رئيس حراك “البيت العراقي”، وهو جزء من تحالف “قوى التغيير الديمقراطية”، إلى أن “حكومة السوداني ولدت ميتة، وكل مدخلاتها المضطربة غير المستقرة تدل على ذلك، فهي تأتي اليوم في أجواء مشحونة سياسياً وشعبياً وإقليمياً ودولياً”.
وأوضح في حديثٍ مع “العربي الجديد” أن “العزلة هي أكبر حالة ستعاني منها حكومة التوافق في المستقبل القريب، وستزداد الفجوة بين المجتمع والسلطة الحاكمة التي أعادت نفس سيناريو حكومة عبد المهدي، وستكون تحدياتها الأبرز هي ما نادت به قوى الإطار التنسيقي واعتبرته إخفاقاً لحكومة الكاظمي، مثل ملف سعر الصرف وفرص العمل وغيرها”.
أما المحلل السياسي أحمد الشريفي فأكد أن “الصخرة الصدرية، وهي الكتلة البشرية الهائلة التي تعرف كيف تقتحم المنطقة الخضراء والاعتصام فيها، هي أكثر التحديات التي يخشاها السوداني، إذ على الرغم من محاولات قوى الإطار التنسيقي خلق أجواء آمنة للحكومة الجديدة، إلا أن جميع الاحتمالات مفتوحة من الصدريين”.
واعتبر في حديثٍ مع “العربي الجديد” أن “السوداني لا يختلف عن مصطفى الكاظمي فهو يريد أن يبقى مؤدياً لما تريده الأحزاب في مقابل بقائه بالسلطة، لكن ما يختلف أن الأزمة السياسية حالياً معقدة بوجود التيار الصدري خارج السلطة، وهو السبب الذي قد يخلق أزمات سياسية في المستقبل، تعطل كل الملفات التي يأمل العراقيون بفتحها وضمان نتائجها”.
صحيفة العربي الجديد