قررت الحكومة الجديدة في العراق تسوية ملف “سرق القرن” عبر مبدأ الإفراج المشروط مقابل استراداد الأموال المنهوبة في خطوة تعد الأولى في تاريخ الدولة العراقية الحديثة منذ عشرينيات القرن الماضي.
الخطوة أعلنها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في مؤتمر صحافي عن استرجاع جزء من الأموال الخاصة بالأمانات الضريبية التي تمت سرقتها بحيلة قانونية من قبل رجل الأعمال نور الخفاجي وعدد من شركائه التي قاربت نحو ثلاثة تريليونات و700 مليار دينار عراقي (2.5 مليار دولار) عبر صكوك صدرت من مصرف الرافدين الحكومي ودائرة الضرائب.
وبحسب السوداني فإن الحكومة العراقية استردت 182 مليار دينار عراقي (123 مليون دولار) من أصل تريليون و681 مليار دينار عراقي بحدود (1.1 مليار دولار) استولى عليها رجل الأعمال نور الخفاجي، مشيراً الى أن هذا المبلغ تم تسليمه من قبل الخفاجي وفق اتفاق تسوية سيتضمن الإفراج عنه من قبل القضاء بكفالة لتسليم كامل المبلغ خلال أسبوعين تهدف إلى السماح له ببيع العقارات التي اشتراها بهذا المبلغ وإرجاعه للدولة.
وأضاف السوداني أن “هناك جهات داخل هيئة الضرائب وأخرى رقابية ومسؤولة سهلت عملية سرقة الأمانات، وسنعلن عنها بعد إكمال التحقيقات“، مؤكداً عدم استثناء أي جهة متورطة بهذه العملية. وعرض السوداني مجموع الصكوك والأموال التي صرفتها مجموعة من الشركات المتورطة، مبيناً أن الأموال المصرفة تبلغ ثلاثة تريليونات و754 ملياراً و642 مليوناً و664 ألف دينار (2.5 مليار دولار).
الأموال مقابل الإفراج
ودعا السوداني المتهمين الصادرة في حقهم أوامر قبض إلى تسليم أنفسهم وتسليم المبالغ المسروقة، مشيراً إلى أن الحكومة ستعمل مع القضاء لمساعدتهم وفق القانون، مبيناً، “سنتابع أي متهم ونسترد المبالغ المسروقة. معيار علاقاتنا مع جميع الدول بمدى الاستجابة في استراد أموال الشعب المسروقة”.
أطراف حكومية
من جهته، قال رئيس هيئة النزاهة الاتحادية حيدر حنون في تصريحات للقناة العراقية الرسمية، “هناك أطراف مهمة في الحكومة السابقة سهلت مهمة إخراج هذه الأموال إلى خارج العراق، وسيتم الإعلان عنهم قريباً”.
ويرى المتخصص في الشأن الاقتصادي صفوان قصي أن إجراء الحكومة يهدف إلى منح فرصة لاستعادة الأموال المسروقة لخزانة الدولة، مشدداً على ضرورة أخذ ضمانات من أجل إعادة الأموال قبل عملية إطلاق السراح.
وقال قصي إن “عملية إعادة الأموال بالكامل هو الهدف الأساسي من قبل الحكومة إلا أنه لا يمكن تجاوز قانون العقوبات الذي يضع عقوبات للذي يحاول سرقة المال العام”، مشيراً إلى أنه “من الممكن أن يكون هناك عقوبات، سواء الحبس أو السجن لمن يقوم بمثل هذا الفعل، ولا يمكن تجاوز قانون العقوبات بمثل هذه الحالة”.
خطوات مشجعة
ولفت إلى أن الجهات القضائية عند استعادة الأموال بالكامل ستأخذ بعين الاعتبار وضع أحكام مخففة لأن الهدف الأساسي هو إعادة الثقة بالنظام الاقتصادي والمالي العراقي. وحذر من أن يتعامل المجتمع الدولي مع العراق بطريقة مغايرة إذا لم تستطع الحكومة فرض سلطتها على المليارات التي تسربت عبر الحدود، مشدداً على ضرورة أن يكون هناك جهد لإعادة المبلغ بالكامل.
وتابع، “فشل الحكومة في استرداد الأموال بالكامل مقابل إطلاق سراح السارق سينعكس سلبياً على وجهة نظر المجتمع الدولي تجاه تصرفها”، داعياً الحكومة إلى أن تحكم قبضتها على الأموال المسروقة وتضمن أن السارق سيعود ولا تخفف العقوبة إلا وفق إجراء قانوني.
وكشف المتخصص القانوني علي التميمي عن أن إطلاق السراح بكفالة هو أمر ممكن وفق قانون أصول المحاكمات الجزائية، لافتاً إلى أن الكفالة مشروطة بتسليم المبالغ.
وقال التميمي، “إن إطلاق السراح من صلاحية قاضي التحقيق، وفق المواد 109 و110 من قانون الأصول الجزائية، لكون المادة القانونية الموقوف بها المتهم تقبل الكفالة، لا سيما أن الكفالة مشروطة بتسليم المبالغ موضوعة الدعوى”.
وأضاف أن الكفالة لا تعني سقوط الإجراءات القانونية بحق المتهم، بل ستحال الدعوى إلى المحكمة المختصة وفق مادة الاتهام، لافتاً إلى أن هذا الإجراء ينطبق مع السياسة الجنائية التي تروم تحقيق المصلحة العامة وفق قاعدة إذا تضاربت مصلحتان تفضل المصلحة العامة على الخاصة.
اندبندت عربي